الجامعة الأمريكية مركز الدراسات
الأمريكية
دور الدين في انتخابات الرئاسة الأمريكية
سمير مرقس
2004
I . تمهيد.
II. محورية الرئاسة وأهمية الكتل التصويتية.
III. إطلالة على التحولات الفكرية والسياسية في الداخل الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية .
IV. المسيرة التاريخية للتيار المحافظ: السياسي والديني.
نشأة التيار المحافظ: السياسي والديني.
أولا: اليمين السياسي: المحافظون الجدد
- 1 الانقلاب على دولة ” الصفقة الجديدة ” الروزفلتية
- 2 مقاومة “الكابوس الأحمر” ومأزق اليمين الأمريكي.
- 3 حملة “بارى جولة ووتر القاعدية “ضد مشروع “المجتمع الكبير”.
ثانياً : اليمين الديني : اليمين المسيحي الجديد
- 1 الخروج من عباءة الأصولية البروتستانتية .
- 2 الانتشار القاعدي في إطار المجتمع المدني.
- 3 بلورة رؤية سياسية.
ب.اليمينان الجديدان المحافظان:السياسي والديني، من الضغط إلى المشاركة في الحكم.
V. الخريطة الدينية في الولايات المتحدة الأمريكية وموقع تيار اليمين المسيحي الجديد فيها .
VI. اليمين المسيحي الجديد ككتلة تصويتية .
- (أ) الكتلة التصويتية الدينية : الرؤية والآليات.
- (ب)الكتلة التصويتية الدينية : مسيرتها التاريخية وبدايات عملها السياسي مع مطلع التسعينيات.
VII. الانتخابات الحالية والكتلة التصويتية الدينية.
I.تمهيد
تعد انتخابات الرئاسة الأمريكية الجاري الاستعداد لها الآن، و المخطط إجرائها في نوفمبر القادم, أهم انتخابات رئاسية تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية على مدى تاريخها غير الطويل. وتأتى هذه الأهمية لاعتبارين؛ الأول أن هذه الانتخابات هي الأولى بعد عام 2000 والتي أوصلت ما يمكن تسميته بتحالف اليمين السياسي أو ما يعرف باليمين المحافظ الجديد Neo Conservative، واليمين الديني، أو ما يعرف باليمين المسيحي الجديد New Christian Right، إلى سدة الحكم بما يعبر عن تحولات جذرية في بنية المجتمع الأمريكي المعاصر. أما الاعتبار الثاني هو ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر و استنفار اليمين الحاكم: السياسي والديني، إلى أن ينزع نحو السلوك الإمبراطوري في العالم كله. بيد أن هذا السلوك الإمبراطوري كانت ستتجه إليه الإدارة الأمريكية في كل الأحوال، وبالرغم من الواقعة المروعة التي جرت في الحادي عشر من سبتمبر – حيث أن ذلك هو النتيجة المنطقية للاعتبار الأول وهو “تحالف اليمينيين المحافظين: السياسي و الديني” والذي يعبر عن ما جرى في الداخل الأمريكي من تحولات جذرية من جهة, كذلك بما يحمل هذا التحالف من رؤية تتسم بالإحساس ” بالاستثنائية” و ضرورة إتباع ما تتضمنه وتحمله هذه الرؤية من أفكار وممارسات فى كافة مناحي الحياة الأمريكية من جهة أخرى, وامتدادها إلى العالم كله.
II محورية الرئاسة وأهمية الكتل التصويتية
لقد أوضحت انتخابات العام 2000 تجاوز الحياة السياسية الأمريكية الصراع الحزبي بمعناه المتعارف عليه واستعادت تقليداً أمريكياً كان موجوداً حتى الحرب العالمية الأولى حول محورية الرئاسة الأمريكية. فالرئيس المنتخب لا يعتبر مرشحا لحزب وإنما معبر عن المصلحة القومية الأمريكية فى لحظة تاريخية معينة وما الحزبين الكبيرين سوى قناتين لتوصيل المرشح بغض النظر عن انتماءه إلى تولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عن مصالح الأمة التي تعنى الكيانات الاقتصادية العملاقة, وليس دفاعاً عن رؤية قومية للحزب الذي ينتمي إليه. فمع أواخر السبعينيات, من القرن التاسع عشر, تغيرت البنية السياسية الأمريكية حيث اكتسبت مؤسستان رئيسيتان القوة: الحكومة الاتحادية و الرئاسة حيث يقول فريد زكريا ” لقد تعاظم دور الحكومة في المجتمع مع صعود صناعات حديثة وتكنولوجيات جديدة, وتحول مؤسسات الأعمال إلى مؤسسات قومية. وأصبحت مجموعة قواعد الدولة القائمة متقادمة,… كما خلقت القوة المتزايدة للرئاسة, وهو المنصب الذي سرعان ما أعتبره البعض ” ملكية منتخبة”, دولة أشد تماسكاً وسياسة أمريكية أكثر ترابطا على الجبهتين الداخلية والدولية”. أن التأسيس ” للرئاسة الإمبريالية” ,بحسب فريد زكريا, قد ساهم في تعضيده النظام السياسي الأمريكي وذلك من خلال العملية المعقدة لاختيار الرئيس الأمريكي حيث وصـفت بأنـها العـملية التي يتم بها شخصنة Personify الرئاسة بحيث تصبح هي النقطة المحورية للعملية السياسية. وعليه فان الانحياز السياسي بالمعنى الذي تعرفه أوروبا لا يعرفه الأمريكيون، كذلك الالتزام الحزبي بالمعنى الأيديولوجي لا يدخل في صميم الممارسة السياسية, فالانتماء إلى حزب بعينه لا يعنى بالضرورة التصويت للرئيس الذي يرشحه هذا الحزب.
فالعلاقة بين المواطن و الحزب فى الولايات المتحدة الأمريكية لا تعرف نفس العلاقة التي تعرفها أوروبا – مثلاً – حيث أنها تعبر عن تجمع لفئات اجتماعية واقتصادية مختلفة وليست تعبيرا عن فئات أو طبقات اجتماعية محددة. فالحزب السياسي بما يحمل من أيديولوجية و رؤى محددة لقضايا الوطن المختلفة والتي تعبر عن مصالح اجتماعية و اقتصادية بعينها ليس له وجود فى الحياة السياسية الأمريكية. ويؤكد ما سبق هو ميل الأمريكيون إلى تشكيل جماعات الضغط أو اللوبيات السياسية أو جماعات العمل العام أو جماعات المصالح الخاصة, سعيا إلى التأثير على السياسيين والسياسات, الأمر الذى ساعد هذه الجماعات على إضعاف الأحزاب السياسية وهو ما يجعل مرشح الرئاسة يهتم بهذه الجماعات وبالكتل التصويتية المتنوعة. وتأتى الكتلة التصويتية الدينية على رأس قائمة الكتل التصويتية بما أبدته من قدرة تنظيمية فائقة، ولإتشارها القاعدي، الأمر الذي جعله بمثابة القاعدة التصويتية الرئيسية أو على الأقل القاعدة التصويتية المؤثرة للإدارة الأمريكية الحالية وأتصور أنه سيلعب دورا مؤثرا فى الانتخابات الحالية.
بيد أن الكتلة التصويتية الدينية قد اكتسبت قدرتها الحالية على مدى زمني يزيد على النصف القرن حيث بدأ هذا التيار: اليمين الديني, والذي عرف فى الأدبيات السياسية والاجتماعية باليمين المسيحي الجديد, إبان الحرب العالمية الثانية والذي واكب انطلاقة اليمين السياسي المحافظ الذى نفذ انقلابا سياسيا داخل الحزب الجمهوري واستقطاب الكثيرين من الحزب الديمقراطي وهو ما يؤكد أن هذا المشروع السياسي يتجاوز الحزبية بشكلها الكلاسيكي ويستعيد ما كان قد استقر فى أمريكا حول مشروع القوة الأمريكية والذي يحتاج إلى رئاسة قوية. وفى نفس الوقت أدرك أصحاب هذا المشروع الحاجة إلى كتلة تصويتية تحمل مشروعهم إلى الحكم و تؤمن لهم الحصانة فكانت الكتلة التصويتية الدينية التي عرفت طريقها إلى السياسة, كلاهما جمعهما الشعور بأنهما يملكان الرؤية الحق ليس للوطن الأم فقط بل للعالم كله.
إن هذا التحالف بين اليمين السياسي ذي الطابع النخبوى و اليمين الديني ذي الطابع الشعبوي القاعدي هو نتاج مسيرة طويلة من الأهمية بمكان إلقاء الضوء حولها قبل الحديث عن الوضع الراهن لدور الدين – الكتلة التصويتية الدينية فى الانتخابات الراهنة حيث ستوضح من جهة طبيعة التحول الذي حدث فى الخريطة الفكرية والسياسية الأمريكية عقب الحرب العالمية الثانية, ومن جهة ثانية تتبع مسيرة كل من اليمينين السياسي والديني وأن حضورها كان أمرا طبيعيا ومنطقيا, ومن جهة ثالثة تفسر، فى ضوء ما سبق، لماذا بات الدين – الكتلة التصويتية الدينية ذات وزن مؤثر.
III . إطلالة على التحولات الفكرية والسياسية في الداخل الأمريكي منذ الحربالعالمية الثانية
تأثر الداخل الأمريكي بما جرى فى الحرب العالمية الثانية حيث بدأت مسيرة التحولات الجذرية فى بنية المجتمع الأمريكي على كل الأصعدة: اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا. لقد صبت هذه التحولات فى اتجاه دعم تيار اليمين المحافظ ببعديه السياسي والديني الأمر الذى استبعد تيارات فكرية و سياسية أخرى من جانب وكرس الكتل التصويتية النوعية و بخاصة الدينية لتكون القاعدة الاجتماعية والسياسية لتيار اليمين المحافظ: السياسي والديني. كانت الخريطة الفكرية والسياسية حتى الحرب العالمية الثانية, تتسم بالتوازن الدقيق بين تيارات ثلاثة هي: المحافظ والليبرالي والراديكالي, حيث كان التيار الليبرالي فى القلب من هذه الخريطة. ولكن مع ما جاءت به نتائج الحرب العالمية الثانية في دعم أمريكا كقوة عظمى،فأننا نجد التيار المحافظ ببعديه السياسي والديني يعمل – كما سنرى لاحقاً – على خلخلة هذه الخريطة حيث أصبحت ” المحافظة ” هي جوهر الحياة الأمريكية. لم يكن هذا بالضرورة يعنى تحول كل الأمريكيين إلى تبني هذا التيار أو الانتماء له وإنما عكس هذا, مدى قوة هذا التيار فى أن يكون مؤثرا فكريا و سياسيا فى الحياة الأمريكية مع الوقت فيكون ظهوره اللافت عام 1980 مع إدارة الرئيس ريجان ثم وصوله إلى الحكم عام 2000 مع الرئيس بوش الابن.
ونقترح الشكل التالي ( شكل رقم 1 ) لتوضيح الفكرة السابقة كما يلي
شكل رقم ( 1 )
تحولات الخريطة السياسية والفكرية الأمريكية منذ الحرب العالمة الثانية
IV . المسيرة التاريخية للتيار المحافظ:السياسي والديني
ولمعرفة كيف استطاع ” التيار المحافظ ” بجانبيه السياسي و الديني, أن يكون فى قلب الحياة الفكرية والسياسية الأمريكية سوف يحتاج الأمر إلى تتبع المسيرة التاريخية لكل جناح على حدة, ونرى من خلال هذا التتبع التاريخي التحولات التي جرت فى الواقع الأمريكي ومهدت لتحالفهما في لحظة تاريخية معينة وأن يتبادل كل منهما الاستفادة من الآخر. لذا سوف نقرأ المسيرة التاريخية لكل من:
1. اليمين السياسي: المحافظون الجدد.
2. اليمين الديني: اليمين المسيحي الجديد.
وقد مرت هذه المسيرة التاريخية بعدة مراحل من النشأة إلى الحكم مروراً بالضغط (يراجع شكل رقم (2 ) الذي قمنا بوضعه لإيجاز هذه المسيرة ).
1- نشأة التيار المحافظ: السياسي والديني
أولا: اليمين السياسي: المحافظون الجدد
مر هذا التيار فى مراحل ثلاث هامة منذ الحرب العالمية الثانية وإلى عام 1980 عام تلاقيه وتحالفه مع اليمين الديني, هذه المراحل هي:
1. الانقلاب على دولة ” الصفقة الجديدة ” الروزفلتية.
2. مقاومة ” الكابوس الأحمر”.
3. حملة ” بارى جولد ووتر” القاعدية ضد مشروع ” المجتمع الكبير”.
1. الانقلاب على دولة ” الصفقة الجديدة” New Deal الروزفلتية:
يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت الفائز الأكبر فى الحرب العالمية الثانية من حيث القوة والثروة, فلقد أصبح لديها ما لا يقل عن ثلاثة أرباع رأس المال العالمي, وكذلك ثلثي إجمالي الطاقة الصناعية, كل ذلك من دون جهد حقيقي مباشر, بمعنى أن أراضى الولايات المتحدة الأمريكية لم تشهد أي معارك حربية, ولم تتعرض لخطر حقيقي بعكس ما حدث لدول الحلفاء والتي تعرضت لمعاناة حقيقية من جراء الحرب. وبالرغم من دخول أمريكا الحرب إلى جانب الحلفاء فى مواجهة ألمانيا النازية, إلا أن الإدارة الأمريكية كانت ترى الاتحاد السوفيتي العدو الحقيقي لها, لذا لم تنقطع المفاوضات السرية بين أمريكا وألمانيا باعتبار الاتحاد السوفيتي هو العدو التالي, هذه هي كانت رؤية رجال المال والسلاح والدين في أمريكا آنذاك, وهم أيضاً كانوا ينظرون للنجاح الداخلي النسبي الذي حققه فرانلكين روزفلت 1933-1945؛ في تجاوز أزمة الثلاثينيات الاقتصادية الشهيرة من خلال ما عرف بسياسة ” الصفقة الجديدة” New Deal حيث أيدها العمال والمنظمات المدنية وملايين من المزارعين و موظفي الحكومة و جميع الجماعات العنصرية والدينية والاجتماعية, و أيدها الليبراليون و اليساريون في أمريكا بريبة حيث شككوا في كثير من الإصلاحات التي أنجزها, فمن جانبه كان يؤمن روزفلت بالنظام الرأسمالي إلا أنه كان يرى ضرورة لتجدده وأهمية أن يكون هناك دور للدولة. بيد أن المستثمرين الكبار الصناعيين والمصرفيين كانوا لإصلاحات روزفلت بالمرصاد لذا فأنه لم يدفن روزفلت حتى تقرر بعد يوم واحد, أي فى الخامس عشر من إبريل عام 1945, أن يقلبوا سياسته رأسا على عقب و التي اعتمدت على أفكار كينز الاقتصادية. وفى جلسة ضمت خمسة عشر شخصا فى وزارة الخارجية شارك فيها ممثلون لوزارة الحرب وأصحاب المصارف الكبرى ورؤساء الشركات المساهمة الكبرى مثل شركة جنرال موتورز, حيث اتفقوا علي تصحيح المسار الاقتصادي الذي كان سائدا وذلك من خلال أفكار أساتذة مدرسة شيكاغو الذين عملوا على تصفية المحتوى الاجتماعي لعلم الاقتصاد وعزله عن سائر العلوم الاجتماعية. كما عالجت هذه المدرسة أية مشاكل قد تواجه انطلاق النظام الرأسمالي وعملت على إزالة العوائق التي تحول دون إعمال قوانين الاقتصاد الحر كما الغت التدخل الحكومي فى النشاط الاقتصادي وقفت ضد تزمت نقابات العمال وإصرارها المستمر على زيادة الأجور. وساد لدى أنصار هذا الاتجاه تصور أنه لو توافرت حرية حركة الأسعار, انحصرت مهمة الحكومات فى حماية هذه الحركة من ضغوط النقابات والدولة نفسها, وعليه فأن النظام يمكن أن يسير بسهولة ويسر, ولا بد من الإشارة إلى ميلتون فريدمان, أحد أبرز عناصر هذا الاتجاه الذي بدأ فى التشكل عقب الحرب العالمية الثانية ويمثل مرجعية اقتصادية لإرهاصة التيار الآخذ فى التبلور والذي سيعرف فيما بعد بالمحافظين الجدد والذي تعد رؤيتهم الاقتصادية عودة إلى ما قبل آدم سميث و ريكاردو, حيث إطلاق يد السوق العمياء.
2.مقاومة ” الكابوس الأحمر” و مأزق اليمين الأمريكي:
تزامن مع هذا الانقلاب الاقتصادي سيادة مناخ من الخوف من تغلغل الاتحاد السوفيتي بأفكاره وقيمه حتى أن روزفلت لم يسلم من اتهامه بالرئيس الأحمر, الأمر الذى جعل من الاتحاد السوفيتي ” كابوسا أحمر”, بحسب إحدى الدراسات الحديثة, لا بد من مواجهته و تنقية الولايات المتحدة الأمريكية من أي شخص تراوده أفكار تميل إلي اليسار بشكل عام بل وربما إلى الفكر الليبرالي بالمعنى الكلاسيكي. وعليه انطلقت حملة شرسة تهاجم كل من يحاول الدفاع عن أي حقوق مدنية عامة أو مصالح العمال أو يدعو إلى توزيع الموارد أو يدافع عن السود, بأنه شيوعي و تبلورت حركة ضد الشيوعية Anti- Communism قادها جوزيف ماكارثى وهي الحركة التي عرفت بالمكارثية, وشابهت فى قوتها الفاشية فى إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى, وذلك منذ مطلع الخمسينيات. ولم تقتصر هذه الحملة على الشيوعيين و إنما على المتعاطفين والمنتمين لليسار بشكل عام بل وامتدت الحملة إلى الليبراليين, وهنا تكمن نقطة الافتراق الحقيقية داخل اليمين الأمريكي بشكل عام, وفى داخل الحزب الجمهوري بصفة خاصة. إنها المرحلة التي وصفت بمرحلة الرعب الكبير Great Fear سواء القادم من الخارج أو الذي قد يأتي من الداخل, من هنا كان لابد من ردع سبب هذا الرعب وعليه فأن نقدا مستمرا كان يوجه للذين أطلقوا ما سمي بسياسة الاحتواء, وأطلقت صيحات حول ضرورة الصراع من أجل العالم لردع هذا الرعب, وإنهاء الحقبة الحمراء Red Decade. لقد كانت هذه المعركة وبالرغم من عواقبها المعروفة و التي أدينت لاحقا خطوة مؤثرة فى مسيرة المحافظين الجدد الذين التزموا التشدد وانتظروا سنوات أخرى حتى تمكنوا من أن يكون لهم حضور فاعل فى الواقع الأمريكي كما سنرى لاحقا.
3. حملة ” باري جولدووتر” القاعدية ضد مشروع ” المجتمع الكبير”:
يمكن اعتبار حملة السيناتور بارى جولدووتر, والذي يعد آنذاك من القيادات الجمهورية الشابة, للحصول على ثقة حزبه للترشح للرئاسة فى العام 1964, التأسيس الحقيقي لتيار اليمين المحافظ خاصة وإنه اجتهد لأن يدعم هذا التيار على المستوى القاعدي الشعبي. لذا أجمع كثير من الباحثين على أن أمريكا بدأت عملية تحول قصوى نحو اليمين “Right Turn”, المحافظ متجاوزا التوجهات الليبرالية التقليدية المعروفة للحزب الجمهوري. بل نجده يصك تعبير المحافظة Conservatism, من خلال كتابه الذى تضمن رؤاه المحافظة ” ضمير محافظ”. والمحافظ الحق فى تقديره ” يلغى الدعم للمزارع محررا المزارع الفرد من التعرض للتحديات نفسها التي تطرحها السوق الحرة على الأمريكيين الآخرين. والمحافظ يلغى ضريبة الدخل التصاعدية كذلك, مستعيدا المساواة فى فرض الضرائب على الجميع. هكذا يدفع الكل نسبة ضريبية واحدة, فقراء كانوا أم أغنياء… كذلك ضرورة وقف مشروعات الضمان الاجتماعي والتعليم والإسكان الشعبي والإنارة والتدفئة… التي تتكفل بها الحكومة الفيدرالية.” هذا بالإضافة إلى رفضه المطلق للنزعة الاجتماعية لكنيدي واهتمامه بالأقليات و الاثنيات غير البيضاء, كما حمل بشدة على مرسوم ” الحقوق المدنية” الذي أصدره ليندون جونسون فى عام 1964, بالإضافة إلى برنامج الحرب على الفقر ومشروع المجتمع الكبير الذي أطلقه جونسون فى محاولة لإصلاح المجتمع الأمريكي. لقد كانت رؤية جولد ووتر أن محاولات كينيدي أولا ثم جونسون ثانيا ما هي إلا محاولات لإدخال الاشتراكية حيث اهتما بالحد الأدنى للأجور ومساندة العاطلين عن العمل والتأمين. ويشار إلى كينيدي كان يعانى من كراهية شديدة من قبل رجال الصناعة والمال بالإضافة إلى العسكر, ولأسباب كثيرة وتفاصيل متداخلة برزت إلى السطح إشكالية فيتنام, وبعد أن كان كينيدي متجه إلى تخفيف حدة التوتر, ويكثر من الحديث عن نزع السلاح نجد على النقيض جونسون يتجه نحو التصعيد الأمر الذى سحب البساط من تحت جولد ووتر الذي كان يحث على هذه الحرب وعليه اكتسب دعم المجمع العسكري الصناعي, وفى هذا المقام يقول أحد الكتاب ” أن الرئيس الديموقراطي ( جونسون) وهو بدوره تكساسي (جنوبي), عرف أن مجرد استيلاء جولد ووتر على الحزب الجمهوري انقلاب داخل التيار العريض وتخوف, بالتالي, من احتمال توسع رقعة التطرف فى الرأي العام”, ليمتص هجمة ” المحافظون الجدد” الذين انطلقوا بالفعل وأحدثوا تغييرا جذريا فى داخل الحزب الجمهوري, وبالرغم من خسارة جولد ووتر الانتخابية أن هذا لم يمنع أن هناك شرائح وفئات اجتماعية صاعدة قد بدأت فى التبلور والتحالف ذات مزاج وسلوك محافظ على المستويين السياسي والاقتصادي بالإضافة إلى الأصوليين الدينيين.
ثانيا: اليمين الديني: اليمين المسيحي الجديد:
يمكن رصد ثلاث مراحل لمسيرة اليمين الديني مثل اليمين السياسي وذلك كما يلي:
1.الخروج من عباءة الأصولية البروتستانتية.
2.الانتشار القاعدي فى إطار المجتمع المدني.
3. بلورة رؤية سياسية.
1. الخروج من عباءة الأصولية البروتستانتية:
خرج اليمين الديني كحركة سياسية دينية من عباءة الأصولية البروتستانتية التي ظهرت مع بدايات القرن العشرين, ويشتركان معا فى الأساس النظري من حيث النظرة إلى العالم والمجتمع والإنسان. فالأصولية البروتستانتية ترفض كل تسوية أو حل وسط مع الحداثة, حيث نظروا إلى نتاج الحداثة كونه فسادا لوث الوطن. وهنا ينبغي التمييز بين اليمين المسيحي الجديد New Christian Right وبين المسيحية الجديدة New Christianity والتي حاولت أن تواكب النتائج التي ترتبت على التقدم المطرد فى مجالي التصنيع والتكنولوجيا ومواجهة مشاكل التحديث وما ترتب عليها من نتائج اجتماعية وثقافية, والاستجابة للمتغيرات, والسير بكنائسهم فى مسار ليبرالي. بيد أن اليمين المسيحي جديد قد قام بحصار تيار المسيحية الجديدة.
2. الانتشار القاعدي فى إطار المجتمع المدني:
يمكن اعتبار عام 1942 نقطة تحول مهمة فى تاريخ هذا الاتجاه حيث تأسست الرابطة الوطنية للإنجيليين National Association of Evangelicals, وتعد هذه الرابطة الكيان التنظيمي الأول الذي تم تشكيله باعتباره منظمة مدنية. وتأتى أهميته فى أنه يضم تحت مظلته آلاف التجمعات المسيحية ذات الطابع المدني-الديني أي أن هذا الكيان لا يضم الكنائس. ويعد هذا التأسيس بحسب كثير من الباحثين ” نقلة نوعية” فى مسيرة هذا الاتجاه حيث تأسست لاحقا العديد من المنظمات المماثلة والتي ستلعب دورا كبيرا فى التأثير السياسي وبخاصة فى الانتخابات الرئاسية. وقد أعتبر هؤلاء الباحثين هذا التأسيس نقلة نوعية لسببين:
الأول: انتقال هذا التيار من السلوك كحركة ذات صبغة دينية أخلاقية إلى
المؤسسة التي يمكن أن تلعب دورا سياسيا قاعديا.
الثاني: النزوع نحو المؤسسية.
3. بلورة رؤية سياسية:
أتاح الانتشار القاعدي و المأسسة أن تنخرط هذه الكيانات فى قلب المجال العام السياسي حيث بدأت بالاهتمام أن تدلى بدلوها فى قضايا اجتماعية وسياسية أى تم “تسييسها ” Politicization , كما استطاعت أن تدخل فى شبكة علاقات قوية و وثيقة مع الاقتصاديين والسياسيين والاعلاميين والاكاديميين المؤثرين وقد ظهرت نتائج ذلك جليا منذ السبعينيات من القرن العشرين.
لقد حملت هذه الكيانات أفكار اليمين المسيحي الجديد التي تتضمن أفكارا متشددة من الناحيتين الثقافية والاجتماعية كذلك عملت على قراءة النص الديني بشكل حرفي مباشر كما وظفت النص الديني فى بلورة الرؤية السياسية الحاكمة للتيار الذي يمثلونه. لقد تحركت هذه الكيانات من خلال أربعة مستويات من التحرك ذي الطابع السياسي وذلك كما يلي:
المستوى الأول: تبنى موقف دفاعي Defensive لحماية قيمهم وأفكارهم الأساسية من أية تأثيرات غير مرغوب فيها.
المستوى الثاني: التحول إلى تبني موقف هجومي Offensive يهدف إلى إحداث تحول لنمط الحياة الأمريكية وفق تصورات دينية.
المستوى الثالث: شن حملة Crusade لإعادة فرض ما يسمى بالأخلاق الكتابية Biblical Morality, للأمة الأمريكية وللعالم.
المستوى الرابع: تحقيق ما سبق من خلال البرامج السياسية للمرشحين فى المستويات
المختلفة.
لذا فلقد شدد بات روبرتسون الذى أسس الإتلاف المسيحي Christian Coalition على ضرورة أن يكون لهذا التيار صوت فى الحكومة Give Christians a voice in government وهو ما مهد الطريق لأن يلعب هذا التيار دوره الضاغط مع مطلع الثمانينات والتحالف مع اليمين السياسي و التأسيس معا لبداية جديدة.
شكل رقم (2) مسيرة اليمين المحافظ : السياسى والدينى
ب. اليمينان الجديدان المحافظان: السياسي والديني، من الضغط إلي
المشاركة فى الحكم .
مع مطلع السبعينيات كانت أمريكا تموج بالكثير من التغيرات ذات الطبيعة الإشكالية،فالتوجهات الاجتماعية التي أتاحت للسود أن تحظى ببعض من مكانة فى المجتمع كذلك تداعيات حرب فيتنام ،بالإضافة إلي فساد حكم نيكسون والذي أدى فى النهاية إلي فضيحة ووترجيت كذلك خروجه عن التقاليد اليمينية فى نظر المحافظين الجدد وأخيرا تعيين الرئيس فورد الذى حل محل نيكسون النائب ،هو نيلسون روكفلر، الذى اعتبر جمهوريا ليبراليا معتدلا لا يعبر عن جمهور الحزب الجمهوري ذوى الطابع المحافظ والذي بدأ فى الصعود منذ الستينات وشعر أنه قد حان وقت تمثيله فى المواقع السياسية المختلفة .ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر مجموعة من أربعة أشخاص شكلوا البرنامج المحافظ من خلال تأسيس مؤسسات مدنية : بول فيريش الذى أعاد تشكيل الكثير من المؤسسات المحافظة مثل مؤسسة التراث Heritage Foundation ،وهوارد فيليب الذى أسس التجمع المحافظConservative Caucus عام1975 وسرعان ما استقطبت مئات الألوف من المساهمين خلال خمسة أعوام وأكثر من 250 فرعا،وجون دولان الذى رأس اللجنة القومية المحافظة للعمل السياسي NCPAC والتي مارست عملها كجماعة ضغط فى مواجهة الليبرالية ،وأخيرا ريتشارد فيجيرى صاحب الدورية الشهرية Conservative Digest .وانطلقت مئات المؤسسات المحافظة على المستويين الفكري والجماهيري. ويذكر أن هذا لتيار المحافظ استطاع في هذا التوقيت أن يبلور رؤاه بحيث لا تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي حيث كان يركز اليمين القديم Old right ليمتد إلى الثقافي والاجتماعي بحسب كيفين فيلبس أحد كتاب الأعمدة المشهورين عام 1975.وتحرك هذا التيار في كل الاتجاهات ضاغطا على مؤسسة الرئاسة واستطاع الفوز بكثير من المقاعد في الكونجرس والسيطرة على العديد من الولايات .
تحالف تيار “المحافظون الجدد “مع تيار “اليمين المسيحي الجديد” New Christian Right (والذي نميزه عن تيار المسيحية الجديدة New Christianity والذي يتسم بالانفتاح والقدرة على استيعاب المتغيرات ) والذي بدأ ينتشر على المستوى القاعدي مؤسسا الكثير من المؤسسات والكيانات ذات الطابع المدنى حيث يوظف الدين في إطارها .(وهنا أيضا يهمنا أن نميز بين الكنائس وحركة اليمين الديني فالأولى تمارس الدين كونها مؤسسات دينية والثانية حركات دينية تمارس السياسة تحت مظلة المجتمع المدنى وتلعب دورها كجماعة ضغط . وأخيراً نجحت فى دعم مرشحين لها وأن تصل بهم إلى مواقع مؤثرة وسوف نعرض خريطة هذا التيار فى القسم التالي). ونذكر هنا أهم هذه الكيانات : الرابطة الوطنية للإنجيليين ،ومنظمة الأغلبية الأخلاقية،والمائدة المستديرة الدينية ،ومنظمة التحالف/الائتلاف المسيحي. (درسنا هذا الاتجاه تفصيلا أثناء دراستنا لقانون الحرية الدينية منذ منتصف التسعينات). خلاصة القول تلاقى التياران وتحالفا حيث جمعتهما رؤية واحدة لأمريكا والعالم ألا وهى أن أمريكا” وطن استثنائي تاريخي” ،لابد من أن يسود ويهيمن ،ولابأس من ممارسة القوة في سبيل ذلك. ويمكن اعتبار عام 1980 وهو العام الذى تولى فيه الرئيس ريجان الحكم هو محطة الوصول الأولى لهذا التحالف والتي رفع فيها شعار “ضرورة تطهير الثقافة السائدة وشن الحرب المقدسة ضد “الشيطان” القابع فى قلب الوطن أو الذى قد يظهر فى أي بقعة من بقاع العالم، معوقا امتداد أمريكا الرسالة ، التي تعبر عن الإرادة الإلهية” Divine Will” .
: Vالخريطة الدينية في الولايات المتحدة الأمريكية وموقع تيار اليمينالمسيحي فيها
ننطلق فى مقاربتنا للتعرف على دور الدين فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية أو الكتلة التصويتية ذات الطابع الديني من انها تنتمي لتيار اليمين المسيحي الجديد الذى أشرنا له سابقا بالانتماء المباشر أو بالتأثر برؤاه وهو التيار الذى نشط فى إطار المجتمع المدنى واهتم بالانتشار القاعدي والضغط فى الحكم.
وربما يكون من المفيد بداية أن نرسم ملامح الخريطة الدينية فى الولايات المتحدة الأمريكية لمعرفة موقع تيار اليمين المسيحي الجديد في هذه الخريطة.
يمكن تقسيم الخريطة الدينية الأمريكية إلى قسمين رئيسيين هما :
0الكنائس
0كيانات تعمل فى إطار المجتمع المدنى.
تضم الكنائس الطوائف المسيحية الثلاث:
- (1) البروتستانتية –الإنجيلية
- (2) الكاثوليكية .
- (3) الأرثوذكسية .
وفى حالة الطائفة البروتستانتية-الإنجيلية فيمكن تقسيمها إلى :
- (1) طوائف تاريخية رئيسية (التيار الرئيسي) .
- (2) طوائف متنوعة خرجت من عباءة التيار الرئيسي التاريخي .
- (3) طوائف تعتبرها المذاهب الأخرى (الأرثوذكسية والكاثوليكية) منحرفةوخارجة عن المسيحية .
- (4) فرق وجماعات متنوعة .
وبالنسبة للكيانات التي تعمل فى إطار المجتمع المدنى فأننا نجد ما يلي :-
(أ) كيانات ذات طابع ديني / رسالي تعمل في الدعوة الدينية نجد لهااهتمامات سياسية .
(ب) كيانات ذات طابع ديني /سياسي تعمل كجماعات ضغط .
وللتسهيل على القارئ الكريم وضعنا رسما مبسطا يوضح ما سبق فى الشكل رقم ( 3) . يضاف إلى ما سبق وجود منظمات صهيونية منها ما يوظف المسيحية ومنها ما ينتمي إلى اليهودية كذلك هناك ما يعرف بمجالس الكنائس وهى تجمعات تضم في عضويتها الكنائس. فى ضوء هذه الخريطة سوف نجد تيار اليمين المسيحي الجديد “المسيس” لتبنيه أهدافا سياسية يسعى لتحقيقها ،يتبعه أعضاء الكيانات المدنية ذات الطابع الديني/ السياسي والتي تعمل كجماعات ضغط كذلك أعضاء المنظمات الصهيونية ذات التوظيف المسيحي واليهودية وعدد من أعضاء الكيانات المدنية ذات الطابع الديني /الرسالي والتي تعمل فى الدعوة الدينية والفرق والجماعات الإنجيلية المتنوعة بدرجات متفاوتة. أما الطوائف الإنجيلية الرئيسية والمتنوعة فأن هناك من أعضائها من ينتمي لهذا التيار بصفتهم الشخصية وليس بسبب عضويتهم فى هذه الطوائف وذلك للتأكيد على أن الكنائس لا تشارك فى العمل السياسي فهؤلاء الأعضاء يعملون فى السياسة إما منفردون أو فى إطار الكيانات المتنوعة.كما يشار إلى أن القاعدة الفكرية التي ينطلق منها تيار اليمين المسيحي الجديد قد تشكلت فى ضوء أفكار الأصولية البروتستانتية مضافا إليها التصورات السياسية لذا فهناك من الإنجيليين من يشارك هذا التيار رؤاه الدينية فقط وقد يكون هؤلاء من أعضاء الطوائف الإنجيلية والكيانات ذات الطابع الديني /الرسالي أو الاثنين.وهناك من يرصد ان من لا ينتمي إلى هذا التيار يعرفون بالإنجيليين لا يشاركون تيار اليمين المسيحي الجديد رؤاه الدينية والسياسية وان لا يمنعهم هذا من ممارسة العمل السياسي .
ويأتي تعبير “الإنجيلية” هنا بمعنى سياسي وعملياتي،راجع الشكل رقم(4) الذى وضعه أحد الباحثين الأمريكيين.
شكل رقم (3)
الخريطة الدينية فى الولايات المتحدة الامريكية
ويشار إلى أن هناك ما يعرف بمجالس الكنائس وهى تجمعات تضم الكنائس وتعمل من أجل التخطيط والتنسيق بين الكنائس فى شتى المجالات وتعلن رأيها فى موضوعات عامة وسياسية واجتماعية من دون أن تسلك سلوكاً سياسياً مباشراً وهى فى المجمل لها مواقف معتدلة وعادلة.
شكل رقم (4)
VI . اليمين المسيحي الجديد ككتلة تصويتية:
في ضوء ما سبق يمكن أن ننتقل للحديث عن الكتلة التصويتية الدينية والذي يعد التيار المسيحي الجديد هو الفاعل والمحرك الرئيسي لها ونحاول الاقتراب من رؤاه ودوره التاريخي فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة الأمريكية والآليات التي يستخدمها ودوره المتوقع.
(أ) رؤية الكتلة التصويتية الدينية وآلياتها :
بادئ ذي بدء يرتكز تيار اليمين المسيحي الجديد ،والذي يعتبر المحرك الأساسي للكتلة التصويتية الدينية الأمريكية ، على أربع ركائز أساسية وذلك كما يلي :
(1) ضرورة الانطلاق فى كل فعل وممارسة من على أرضية المطلق والإلهي والتأكيد على أهمية القيم الأخلاقية فى صورتها المطلقة والربط بينهما وبين الحضارة .
(2) هناك منظومة فكرية ” لا تميز ولا تفرق بين الإلهي والزمني والدنيوي ،ولابين القيمي أو الخلاقي والسياسي ،ولا بين المجال الخاص أو العام ، ولابين الديني والمدني.
(3) على الحكام ضمان زرع الفضيلة إنطلاقا مما سبق ذكره وعدم التدخل من خلال عمليات إنسانية مخططة وموجهة فيما يظن أنه طبيعي فى شتى المجالات.
(4) كل تحرك إنساني لابد وان يستمد حركته وفق ما سبق واعتباره مرجعية لا يمكن الاختلاف حولها.
لا تختلف كثيراً هذه الكتلة التصويتية الدينية التي يحركها تيار اليمين المسيحي الجديد في أساليب عملها على ارض الواقع عن التي تمارسها جماعات المصالح والضغط ذات الطابع المدني والسياسي والاجتماعي من حيث تشكيل الرأي العام والتأثير على توجهاته بشتى الوسائل وتنظيم حملات إعلامية وسياسية واستخدام وسائل الأعلام المختلفة ودعم المرشحين وتكوين شبكات متنوعة تضم أطرافا عدة والتأثير على صانعي القرار ..الخ .بيد أن ما يميز هذه الكتلة هو الخطاب الديني والقدرة على توظيفه بشكل يداعب مشاعر المواطنين العاديين وتعبئتهم من أجل قضايا معينة أو دعم مرشحين أو تنظيم احتجاجات تمس احتياجات الناس الحياتية المباشرة فى ضوء النصوص الدينية والتأكيد أن كل ذلك إنما من أجل تحقيق ارادة ومقاصد الرب.
فلقد أتقنت هذه الكتلة ممارسة الضغوط على المسئولين من خلال ما يعرف “بضغوط المناطق السكانية” حيث يتم التأثير على مسيرة أى مشروع من داخل منطقة سكن المشرع بالاعتماد على أربع آليات:
● تحريك كتلة الناخبين.
● تحريك الصفوة .
● التحريك الانتخابي المباشر.
● توظيف وسائل الأعلام بأنواعها.
استفاد تيار اليمين المسيحي الجديد من العضوية المتنامية لكياناته ومن المال الوفير الذي يقدم إليه الأمر الذى يتجاوز بكثير ما يرد للأحزاب ، الأمر الذى أعطاه قوة وفاعلية هذا بالإضافة إلى قدرة تنظيمية صارمة وهو ما تجسده منظمة التحالف المسيحي ومنظمة الأغلبية الأخلاقية وجماعة الصوت المسيحي ومجلس بحوث الأسرة.
أذن الرؤية الدينية ذات الطابع “المانوي”-“الثنائي” والمال والعضوية المنظمة تشكل رصيد هام لأي مرشح لا يمكن التغافل عنها وهو ما دفع كثير من المرشحين مثل آل جور في عام 2000 ونائبه وكيرى في 2004 من الحرص على ان يتضمن خطابهم الانتخابي تعبيرات ومفردات ذات طابع ديني. غنى عن القول ازدياد فرصة المرشح الذى ينتمي إليهم ويعتبر نفسه ابنا لهذا التيار ومعبرا عنه كما هو الحال مع الرئيس جورج بوش الابن ،والذي تقدر قاعدته الشعبية بما لا يقل عن خمسين مليون من أعضاء هذا التيار.
(ب) الكتلة التصويتية الدينية : مسيرتها التاريخية وبدايات عملها السياسى مع مطلع التسعينيات .
بدأت مسيرة اليمين المسيحي الجديد ككتلة تصويتية مؤثرة في العام 1994 آي بعد عامين من الانتخابات الرئاسية ومع انتخابات الكونجرس التي حل موعدها في هذا العام وبعد فشل هذا التيار في إنجاح الرئيس بوش الأب ، قاموا بتحرك منظم وبإنفاق مالي كبير فى الوقوف إلى جوار الحزب الجمهوري ونجحوا في السيطرة علي الكونجرس بمجلسيه للمرة الأولى منذ عام 1952 وكان الأمر بمثابة توقيع”عقد جمهوري مع أمريكا”Republican Contract With America بحسب أحد الباحثين ،كان للتيار المسيحي الجديد دوره المؤثر من اجل إتمام هذا العقد .ويشير أحد الباحثين حول العلاقة بين التيار المسيحي الجديد والحزب الجمهوري إلى أنه فى ولاية كاليفورنيا على سبيل المثال فأن 30% من الذين شاركوا في التصويت يعدون أنفسهم إنجيليون وان 60% من هؤلاء من الجمهوريين.
مثل هذا الجهد تحركا للكتلة التصويتية الدينية بدأ من القاعدة وهو ما وصفه البعض بأن الرب مع القواعد الشعبية God at the grass root وما أن حلت الانتخابات الرئاسية عام 1996 نجد الائتلاف المسيحي وقد بلغت ميزانيته 27 مليون دولار الأمر الذى اسهم في أن تتواجد هذه المنظمة بشكل لافت ومباشر وتشجيع المنظمات المماثلة على ذلك ،ولكن لم يتحقق ما كان يصبو له هذا التيار خاصة بعد فوز الرئيس كلينتون بفترة رئاسة ثانية.بيد أن الممارسة السياسية الميدانية قد زادت تيار اليمين المسيحي الجديد خبرة مكنته أن يضغط على الإدارة الديموقراطية “المنفلتة أخلاقيا” لتمرير قانون الحرية الدينية الذى وضعت مسودته الأولى الرابطة الوطنية للإنجيليين فى عام 1996،وقد جاء القانون الذى أقر من قبل الكونجرس عام 1998 مطابقا تقريبا لهذه المسودة.وفى نفس الوقت نجح تيار اليميين المسيحي الجديد وللمرة الأولى منذ 68 عاما أن يدعم إعادة انتخاب أعضاء الكونجرس من الجمهوريين وهو ما دفع أحد قيادات الائتلاف المسيحي رالف ريد (المدير التنفيذي للائتلاف والذي يتميز بقدرات قيادية ساهمت فى نجاح الائتلاف المسيحي في أن يلعب دورا بارزا في الحياة السياسية الأمريكية) حيث أعلن بوضوح أن هؤلاء الأعضاء لم يكن في مقدورهم النجاح بدون هؤلاء الناخبين الملتزمين إيمانيا.
استفاد تيار اليمين المسيحي الجديد من خبرة السنوات الماضية في الحشد والتعبئة الجماهيرية وتوفير الدعم المالي اللازم لمساندة المرشحين الذين يعبرون عنهم عقائديا وسياسيا وهو ما تجلى واضحا فى انتخابات الكونجرس المتتالية-كما أوضحنا –وأخيرا في الانتخابات الرئاسية لسنة 2000 والتي جاءت برئيس يعتبره كثير من الباحثين رئيسيا لأمريكا وقائدا لتيار اليمين المسيحي :The President Of the United States As the leader of the Christian right.
أن الانتصار الذى حققه بوش الابن بالرغم من عدم فوزه إلا على 47.9% من التصويت الشعبي إلا أن أصوات المجمع الانتخابي كانت في صالحه حيث حصل على 271 صوتا من إجمالي أصوات المجمع الانتخابي البالغة 538 صوتا.
لقد اعتمد هذا الانتصار ،بحسب كثير من الدراسات،إلى حد كبير، على تحالف ديني محافظ مركزه الجنوب الأمريكي، قاده الأصوليون الدينيون، أمن ما يقرب من 40% من الأصوات التي رجحت فوز بوش الابن . صفوة القول نجح تيار اليمين المسيحي الجديد بفضل حركته القاعدية من جانب وتحالفه مع رموز اليمين السياسي المحافظ الوصول إلى رئاسة أمريكا بواسطة الرئيس بوش الابن متجاوزين الحزب الحاكم الذى لم يكن سوى قناة لتحقيق ذلك من جهة ولتتويج مسيرة ممتدة بدأت مع الحرب العالمية الثانية.
VIIالانتخابات الحالية والكتلة التصويتية الدينية
عند الحديث عن الانتخابات الرئاسية الحالية لابد من الأخذ فى الاعتبار أن الإعداد لها بدأ منذ تولى الرئيس بوش مهامه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية فى يناير 2001, وبعبارة أخرى بدأ الرئيس المنتخب الجديد بالإضافة إلى إضلاعه بمهام الرئاسة إلى نشر رؤى وأفكار التيار الذي يمثله من خلال خطاباته والتشريعات التي دعمها شخصياً وقراراته التنفيذية. وتذكر إحدى الدراسات الحديثة التي نشرت هذا العام حول خطابات الرئيس بوش و ما جاء فيها من مفردات ذات طابع ديني ما يلي:
وردت كلمة ” الشر” فى 319 حديث بما يعادل 30% من إجمالي ما ألقاه من أحاديث منذ تولى و حتى يونيو 2003.
استخدم الكلمة كإسم 914 مرة، و كصفة 182 مرة.
لاحظ المحللون أنه يستخدم ” الشر” باعتباره حاضرا حضورا فعليا فى الواقع و ليس كونه قيمة غير أخلاقية.
يضاف إلى ما سبق هو توظيف المفردات الدينية فى إدارة الشأن السياسي سواء فى المعركة الانتخابية – قبل انتخابه – أو فى تعامله مع ما تتطلبه السلطة التنفيذية.
من إجراءات وقرارات-بعد انتخابه -،فعلى سبيل المثال نجد ما يلي :
● إبان الحركة الانتخابية نجده يستعيد تعبيرات “الشرف”و”الكرامة” بالمعنى الديني والقيمي في سياق تنقية البيت الأبيض من الرئيس كلينتون وليس بتقديم رؤى وتصورات حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية..
● صبغ تشريع الإعفاءات الضريبية بصبغة أخلاقية فالحصول على ضرائب يعد سرقة”Theft”.فمال الأغنياء منحة إلهية ليس من حق أحد أن يحصل عليها ،ولكنهم عليهم ان يقدموا ما يرونه خيرا للوطن.فالضرائب سيئة إذ تصادر الثراء الذى يعود الي الأفراد وحدهم بفضل الله.
ولعل أهم ما شجع عليه الرئيس بوش منذ أن تولى مهام الرئاسة هو المبادرات القائمة على الإيمان من خلال المنظمات غير الحكومية Faith-Based NGOs على حساب المنظمات غير الحكومية المدنية حيث خص هذه المبادرات بالكثير من الدعم المالي الحكومي. فأصدر سلسلة قرارات تنفيذية بتسهيل حصول هذه المنظمات عقود و منح مالية فيدرالية. كما قام بتأسيس مكتب يحمل هذا الاسم فى البيت الأبيض يهدف نشر فكرة المبادرات الإيمانية على أوسع نطاق ويقول عن هذا الأمر ” نحن لا نحتاج لأن نميز ضد المنظمات الدينية. نحن نحتاج لأن نرحب بهم كي يصبح مجتمعاً أكثر توحدا..”. وتوضح الإحصائيات أن الأمريكيين تبرعوا بحوالي 245 مليار دولار للمنظمات ذات الطابع الخيري وهو ما يمثل 2.2% من الدخل الوطني, كان نصيب المنظمات الدينية منها 35%.
وقاد الرئيس بوش حملة لتشجيع المواطنين على زيادة نسبة دعمهم للمنظمات الدينية. ويعكس هذا التوجه الإيمان بأن حل المشكلة الاجتماعية والاقتصادية يكون من خلال الخدمات الإغاثية.
وفى تقديري أن كل ما سبق بالإضافة إلى الكثير من الممارسات وبالطبع ما فرضه حادث الحادي عشر من سبتمبر – لن ندخل فى تفاصيله حيث كتبنا حوله كثيراً و كتب آخرون – قد أدى إلى” تديين” المجال العام Public Sphere , والذي من المفترض أن يمارس فيه المواطنون العمل المدني والسياسي بحسب قواعد المجال العام, بدرجة أو أخرى.
وعليه فإن المتابع للحملة الانتخابية الحالية سوف يجد مدى ضغط المجال العام الذي تم ” تديينه” على جون كيرى فى أن يبرز كاثوليكيته ويستخدم مفردات دينية – وإن كان بتحفظ- بيد أن كيري يعلم أنه لا يستطيع أن يهمل الكتلة التصويتية الدينية المنظمة تنظيما جيدا وتملك المال الوفير خاصة مع الضعف النسبي لليبراليين المرتبطين بالحزب الديموقراطي وعدم قدرتهم أن يدعموا مرشحهم مثل ما يقدر تيار المحافظين الجدد, وربما يحتاج الأمر إلى وقت و وجهد قد لا يستطيعه كيري الآن فى أهمية مخاطبة المحافظين القدامى الذين يشعرون بأن الحزب الجمهوري قد أختطف لصالح المحافظين الجدد على قاعدة التيار الديني.
لقد استطاع بوش، ساعده فى ذلك الحادي عشر من سبتمبر، أن يمد هيمنة التحالف الذي يمثله على كل مناحي الحياة إنها هيمنة فئة اجتماعية بعينها من خلال خطاب سياسي و إعلامي مضمونه ديني و أخلاقي حيث تمكنت هذه الهيمنة من أن تبقى الكتلة التصويتية الدينية و تمثل 25% من إجمالي المصوتين وحدة واحدة غير مفتتة يوحدها رؤية واحدة مصدرها الإلهي تلقى عليهم مسئولية خلاص الوطن من ” الشر القابع فيه” وأيضا خارج هذا العالم. إن أحد هم الانتقادات التي توجه إلى كيري أنه لا يعد ” مسيحيا حقيقيا”, وهو ما يحاول بوش الاستفادة منه حيث بدأ مؤخرا فى التواصل مع المنظمات الكاثوليكية و بخاصة المحافظة. كذلك في دعم الولايات الجنوبية والتي تعرف تاريخيا بتدينها وهو ما سوف يدعم بوش ويوفر له خطوطا كبيرة لاعادة انتخابه.ويشار هنا إلى تلميح بوش والمحافظين الجدد إلى أن كيرى له ميول يسارية لا يفصح عنها بالكامل (وقت اعدادنا للورقة –سبتمبر2004) وهو يستعيد المناخ ” الماكارثى” مدعوما برؤية دينية وهو ما يعبر عن التحالف اليمينى : السياسى الدينى.
خلاصة القول لقد نجح بوش بصفتيه “كرئيس” “وممثل لتيار”،أن يحدث “تدينا” للمجتمع الأمريكي من خلال كتلة منظمة تنظيما جيدا،بغض النظر عن عددها ،مستثمرا أزمة 11/9 التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية.وعمل على مدى أربعة سنوات على ترسيخ هذا التدين بخطابات فكرية ونشاط دؤوب لمنظمات اليمين المسيحي الجديد ومال وفير أهلي وحكومي وتنظيم دقيق ودعم لمنظمات دينية بتيسيرات حكومية غير مسبوقة وتشريعات تدعم قوى اجتماعية ذات وزن اقتصادي تضمن استمرارية تحالف اليمين :السياسي والديني لحكم أمريكا من خلال بوش.وحتى لوحدث أمرا طارئا قد يوفر حظا لفوز كيرى فانه سوف يأتى إلى مكان محكوم بقوى ذات نفوذ وتأثير يمينية : سياسية ودينية استطاعت أن تحقق انتشار لابأس به فى مواقع هامة ومؤثرة فى الاقتصاد والاعلام والسياسة .
### المصـــــــادر
المصادر باللغة العربية
- 1 حسن منيمنة ، توجهات اليمين الأمريكى قديمها وحديثها ، الحياة اللندنية 15/12/2002.
- 2 دوجلاس ك. ستيفنسون، الحياة والمؤسسات الأمريكية ، (ترجمة أمل سعيد)، الدار الأهلية للنشر، 2001.
- 3 سمير مرقس ،* الأصولية البروتستانتية والسياسة الخارجية الأمريكية، الشروق
….. الدولية ، 2001.
….. اليمين النقى : السياسى والدينى يحكم أمريكا ، أخبار الأدب 21/10/2001.
….. اليمين الدينى الأمريكى : المسيرة من التأثير القاعدى الى المشاركة فى السلطة ، فى السياسة الأمريكية تجاه الإسلام والمسلمين بين الأبعاد الثقافية والحضارية والأبعاد الاستراتيجية ، (بالمشاركة مع جون اسبوزيتو ورضوان السيد)، تحرير د.نادية محمود مصطفى ، سلسلة محاضرات حوار الحضارات (1)، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2002 ،(فى الأصل محاضرة ألقيت فى 17/6/2002).
….. الامبراطورية الأمريكية:ثلاثية الثروة والدين والقوة، الشروق الدولية2003.
….. المحافظون الجدد (تحت الطبع ). - 4 فريد زكريا ، من الثروة إلى القوة : الجذور الفردية لدور أمريكا العالمى، ترجمة رضا خليفة ، مركز الاهرام للترجمة و النشر ، 1999.
- 5 كارللها ينتس دشنر، “المولوخ” :إلة الشر تاريخ الولايات المتحدة ، (ترجمة محمد جديد)، دار قدمس، 2003.
- 6 مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت، الدين والسياسة فى الولايات المتحدة (جـ2) (ترجمة عصام فايز وناهد وصفى)الشروق الدولية ، 2002.
- 7 منار الشوربجى ، الحرب ضد العراق .. من وراءها ؟ اليسار الجديد ،العدد الرابع، شتاء 2002.
المصادر باللغة الانجليزية
- 1 Christian Smith, Christian America?what Evangelicals Really Want (University of California Press,Berkeley,2000).
- 2 George H. Nash, The Conservative Intellectual Movement In America Since 1945 (Intercolligiale Studies Inst.1998).
- 3 Grand Wacker, The Christian Right (Duke University , National Humanities Center,www.nhc.rtp.nc.us.,Oct.2000).
- 4 John C. Green & John Dilulio, Evangelicals in Civil life : How the Faithful Voted ( Ethics & Public Policy Center www.eppc.org.Jun2001 ).
- 5 John Micklethwait & Adrian Wooldridge , The Right Nation: Conservative Power In America (Penguin Press, 2004).
- 6 Joseph A.Pika ,John Anthony Maltese, The Politics of the Presidency(CQ Press,5th edition , 2000).
- 7 Kevin Phillips, American Dynasty : Aristocracy,Fortune, and The Politics of Deceit in the House of Bush (Viking N.Y. 2004).
- 8 Lee Fdward,The conservative Revolution: The Movement That Remade America, (The Free Press,1999).
- 9 Peter Singer, The President of Good &Evil: Taking George W. Bush Seriously ( Granta Publication , 2004).
- 10 Peter Beyer,Religion and Globalization- New Christian Right- (Sage Publication , 1999).
- 11 Russell Duncan &Joseph Goddard, Contemporary America (Palgrave,2003).
- 12 Ralph Reed, Active Faith : How Christians Are Changing The Soul of American, Politics ( The Free Press,1996).
- 13 Tom W. smith & Selkho Kim , The Vanishing Protestant (University of Chicago, July 2004).
- 14 William Martin , With God On our Side : The Rise of the Religious Right in America ( Broadwary Books ,1996).