المواطنيزم (10): الكثرة المواطنية الأوروبية تتحرك

انتصرت إرادة الكثرة المواطنية لنضالها السلمى من أجل تجديد البنية السياسية الأوروبية من خلال قواعد اللعبة الديمقراطية...فكما قلنا فى مقالينا السابقين ــ على التوالى بأن الكثرة المواطنية هذه المرة ستشارك فى انتخابات البرلمان الأوروبى لأنها تريد أن تكون انتخابات المواطن الأوروبى البسيط لا النخبة السياسية المتعالية. وأن تفرض مطالب الكثرة المواطنية القاعدية بألوانها السياسية المتنوعة الشابة مقابل مصالح القلة النخبوية الشائخة... وبالفعل شاركت الكثرة المواطنية فى انتخاباتها بنسبة مشاركة قاربت الـ55% وهى النسبة الأعلى منذ عشرين عاما. وصدقت التوقعات التى أشرنا إليها ــ الأسبوع الماضى بدرج إلى حد كبير ــ حول نسب الكتل السياسية وعدد أعضاء كل كتلة ــ والذين يبلغ عددهم الإجمالى 751 عضوا يمثلون 28 دولة أوروبية ــ وذلك للبرلمان الأوروبى للخمسة أعوام المقبلة (2019 ــ 2024). فبحسب النتائج النهائية الرسمية التى أعلنت ليل الأحد الماضى (28 مايو) جاءت تشكيلته كما يلي:

أولا: حزب الشعب الأوروبى وفازوا بـ 180 مقعدا (يماثل التوقع)، مقابل 217 مقعدا فى برلمان 2014.

ثانيا: الاشتراكيون الديمقراطيون وحصلوا على 147 مقعدا (توقعنا 149 مقعدا)، مقابل 186مقعدا فى الدورة الأخيرة.

ثالثا: تحالف الليبراليين الديمقراطيين من أجل أوروبا واستطاعوا أن يفوزوا بـ 109 مقاعد (كانت التقديرات تدور حول 76 مقعدا)، مقابل 68 مقعدا.

رابعا: تحالف الخضر وحصدوا 69 مقعدا(كان التوقع 57مقعدا)، مقابل 52 فى البرلمان الأخير.

خامسا: تحالف المحافظين والإصلاحيين وكسب 59 مقعدا (توقعنا 66 مقعدنا)، مقابل 77 مقعدا فى برلمان 2014.

سادسا: أوروبا القومية والحرية ونالت 58 مقعدا(كانت التوقعات تشير إلى امكانية حصولهم على 62 مقعدا)، مقابل 37 مقعدا فى الدورة البرلمانية الأخيرة.

سابعا: كتلة أوروبا الحرية والديمقراطية المباشرة والتى فازت بـ 54 مقعدا (وكانت التوقعات تقول بفوزها ب45 مقعدا)، مقابل 41 مقعدا فى البرلمان الأخير.

ثامنا: تحالف اليسار الذى حصل على 38 مقعدا(توقعنا حصوله على 46 مقعدا)، مقابل 52 مقعدا كان يحظى بها فى برلمان 2014.

تاسعا: المستقلون وباتوا يمثلون بـ 8 أعضاء (نفس التوقع) مقابل 21 عضوا مستقلا فى الدورة الاخيرة.

عاشرا: آخرون ويحتلون 29 مقعدا (وكان التوقع أن يحصلوا على 62 مقعدا) ولم يكن لهم وجود فى البرلمان الأوروبى فى دورة 2014.

وبعد، أجمعت القراءة التحليلية الأولى فى دوائر المتابعة الأوروبية: السياسية، والبحثية، والإعلامية؛ على أن التركيبة السياسية للبرلمان الأوروبى فى دورته الجديدة قد تكون لم تحمل تغييرا جذريا إلا أنها، يقينا، حملت موجة تغيير مؤثرة Effective Wave Change؛ لعل من أهم ملامحها ما يلي:

أولا: تقلص قوى الوسط Shrinking Center؛ أو بلغة أخرى تراجع الهيمنة السياسية ليمين الوسط ويسار الوسط اللذين حكما أوروبا ــ بدرجة أو أخرى منذ ثلاثينيات القرن الماضى. وذلك لمصلحة القوى الجديدة الصاعدة: القومية، والخضراء، والليبرالية الديمقراطية، واليسارية الجديدة، وغير المصنفين.

ثانيا: تراجع اليمين واليسار بمعناهما التاريخى المباشر.

ثالثا: تزايد الحضور الفاعل والمؤثر للحركات والتحالفات الحزبية السياسية الجديدة بما يصب فى خلخلة التركيبة السياسية الأوروبية المتعارف عليها من جهة. ومن جهة اخرى، يؤكد على الحركية المواطنية القاعدية المتنامية من خارج التركيبة السائدة عبر عقود.

رابعا: التزام النزعة المواطنية الجديدة بكل ألوانها بقواعد اللعبة الديمقراطية ومؤسساتها القائمة المحلية الوطنية فى داخل كل دولة والقارية.

خامسا: نعم استطاعت القوى اليمينية القومية الحصول على مكاسب فى بعض البلدان مثل فرنسا والمجر إلا أنها لم تستطع تحقيق مكاسب يمكن وصفها بالاجتياح كما تكتب كثير من وسائل الإعلام العربية.

سادسا: أثبتت الانتخابات القارية أن هناك حيوية سياسية وجيلية وطبقية لا يمكن إغفالها تفور فى كل دول اوروبا. حيث أكدت نسب المشاركة ونوعيتها على أن هناك كثرة مواطنية تبغى تغييرا جذريا: فكريا، ومؤسسيا، و سياساتيا، كذلك فى الأشخاص؛ (ونشير فى هذا المقام، إلى ارتفاع نسب المشاركة لأكثر من الضعف فى المجر وبولندا وهما من دول أوروبا الشرقية القديمة ذات الحزب الواحد كذلك ارتفاع نسبة المشاركة فى الدانمارك إلى ما يقارب الـ65%).

سابعا: ضرورة التمعن فى الخطاب الاجتماعى الذى تطرحه الأحزاب والحركات القومية؛ لأنها بالحقيقة تحمل هموم الكثرة المواطنية ممن ينتمون إلى الطبقات الوسطى والدنيا والمنبوذة الأوروبية. ثامنا: ضرورة التوقف عند الفوز الكبير غير المتوقع لكتلتى الخضر(69 مقعدا) وتحالف الليبراليين والديمقراطيين (109 مقاعد) لأنهما تجسيد للكثرة المواطنية غير المتشددة الساعية نحو تجديد أوروبا.

ولا يفوتنا أن نذكر أهمية قراءة الجانب الأخر من الانتخابات. وأقصد بها الانتخابات التى جرت فى كل دولة أوروبية على حدة. ذلك لأنها توجه بضرورة التعاطى مع كل دولة أوروبية باعتبارها حالة سياسية مستقلة لها خصوصية. وإن كان ما يربط بينهم جميعا هو أن هناك عدم رضا عام، من قبل الكثرة المواطنية، عن الخيارات السياسية والسياسات والأداءات المؤسسية. ما يدفع بتنامى النزعة المواطنية واستمرار حراك المواطنين فى اتجاه تجديد البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأوروبية وإحداث التغيير ولو على موجات. ففى هذا السياق، سوف تشهد عديد من دول أوروبا انتخابات مبكرة وفق ما أسفرت عنه انتخابات البرلمان الأوروبى... كما سيشهد نمط التحالفات داخل البرلمان الأوروبى الكيفية التى سيدار بها... وفى المحصلة هل ستتمكن الكثرة المواطنية من فرض ارادتها أم لا؟.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern