المواطنيزم (8): هذه المرة سنشارك

فى هذه المرة سنشارك...ولا مفر من المشاركة لإحداث التغيير ...أوروبا فى أزمة. لذا سنشارك...جيل جديد: كتلة انتخابية جديدة من أجل أوروبا جديدة.. تحت هذه الشعارات، وغيرها، تستعد أوروبا (28 دولة وأكثر من 500مليون مواطن)، خلال أقل من أسبوع (ما بين 23 و26 مايو القادمين)، لإجراء انتخابات البرلمان الأوروبى.

ويمكن اعتبار هذه الانتخابات اختبارا تاريخيا بالنسبة للأحزاب السياسية التاريخية التى تهيمن على المسرح السياسى الأوروبى منذ الحرب العالمية الثانية: يمينها ويسارها. وذلك لتنامى، على مدى العقد الأخير، ما أطلقت عليه الحركة المواطنية الجديدة بتنويعاتها المختلفة: الحزبية والحركية السياسية الجديدة: يمينية ويسارية والمنخرطة فى العملية الديمقراطية، والميدانية والشارعية الاحتجاجية، والقومية المتشددة، والمطالبية الحقوقية الجديدة، والشعوبية المتجددة. وهى الحركة التى تعبر بتشكلاتها المختلفة، بحسب ما ذكرنا أكثر من مرة، عن غضب تاريخى ضد: مؤسسات ونخب وسياسات, تراها هرمت وفشلت فى تحقيق الكثير من الوعود. ومن ثم آن لأوروبا أن تتجدد.

وتعكس المتابعة الدقيقة للحركية المجتمعية الأوروبية كيف أن تحولات كبيرة قد عرفت طريقها لكثير من دول أوروبا فى الأعوام الستة الأخيرة من خلال ثلاثة تجليات كما يلي:

الأول: التغير الجذرى فى التركيبة السياسية السائدة من خلال الانتخابات. وعليه وجدنا أحزابا يمينية ويسارية جديدة تتقدم المشهد السياسى وتحل محل، أو تنافس بضراوة، أحزابا راسخة بعضها يحكم أو يتبادل الحكم مع حزب آخر راسخ وتاريخى منذ قبل الحرب العالمية الثانية فى أكثر من مكان مثل: ألمانيا، والسويد، وفنلندا. ما دفع البعض أن يصف ما جرى فى هذه الانتخابات بالزلزال السياسى.

الثاني: تبلور حركات مجتمعية تعمل على أن يكون للمواطنين حضورا فاعلا وصوتا مؤثرا مباشرا دون وسطاء من النخب السياسية التقليدية. ومن ثم تشارك فى العملية الديمقراطية وتخوض الانتخابات كحركات مواطنية: يمينية ويسارية مثل: إسبانيا (بوديموس)، واليونان(سيريزا)، وإيطاليا (الخمس نجوم)، فرنسا(إلى الأمام)...،إلخ.

الثالث: تبلور حركات مجتمعية لا تعنى بممارسة السياسة المباشرة وإنما تمارس أدوارا ضاغطة، واحتجاجية، ومقاومة، وتعبوية، ومفاوضة،إلخ، (راجع دليل الحركات الاجتماعية، والثورات، والتحول الاجتماعى 2019).

ولم تكن لهذه الحركية أن تسرى فى الجسم الأوروبى ما لم يكن جديدا جوهريا قد طرأ عليه. ويفصل كتاب صدر مؤخرا عنوانه: سياسات الاحتجاج الاجتماعي: دراسة مقارنة لعدد من الدول الأوروبية والحركات الاجتماعية فيها, بأن الجسم الاجتماعى الأوروبى قد جدت عليه طبقات وشرائح اجتماعية جديدة. بالإضافة إلى تزايد المجموعات الإثنية المتنوعة المتعددة المطالب والكثيرة المخاوف. كذلك كتلة شبابية طالعة تشعر أن تطلعاتها ليست مدرجة على قائمة أولويات النخبة الحاكمة الحالية. ما دفع بهم إلى التحرك للحضور الفاعل والتآلف بالرغم من أية تناقضات. لذا يثير الكتاب فكرة ضرورة العمل على توافق مجتمعى من أجل التأسيس لعقد اجتماعى جديد. وفى سلسلة دراسية تحمل عنوان «الحركات الاجتماعية، والاحتجاجات» صدرت عدة كتب تحاول أن تفسر سر هذا التضامن بين الحركات المتنوعة وتعدد الاحتجاجات. فنجدها تعدد الأسباب التالية كما يلي: أولا: تداعيات سياسات التقشف. ثانيا: التدمير المتزايد للبيئة والنزح بغير حساب لمواردها وثرواتها الطبيعية وتداعيات ذلك على الواقع المعيشى للمواطنين ومستقبل الأجيال القادمة. ثالثا: الرغبة الشبابية الأوروبية فى العمل التطوير الدائم فى مجالى الصحة والتعليم. رابعا: المواجهة الحاسمة لما بات يعرف باللامساواة التاريخية بين القلة الثروية والأغلبية.

فى هذا السياق، يتحمس الأوروبيون للمشاركة فى انتخابات البرلمان الأوروبى. خاصة وأن هناك شعورا يقينيا بأن حدوث تحولا فى موازين القوى من شأنه ان يشجع الأحزاب والحركات الجديدة أن تحظى بعضوية البرلمان الأوروبى.

ومن ثم تغيير التركيبة السياسية التاريخية له وبالتالى القدرة على التأثير فى توجهاته وسياساته وتحيزاته لصالح قوى الحركية المجتمعية/المواطنية الجديدة...وعليه “سيشارك الكثيرون وخاصة الشباب هذه المرة...وحسبما تشير استطلاعات الرأى الأوروبية فإن ما يزيد على 50% من مواطنى دول أوروبا الـ28 المشاركين فى الاتحاد الأوروبى (إذا ما أبقينا بريطانيا/المملكة المتحدة وفقا للتمديد المؤقت لعضويتها) باتوا على يقين بضرورة أن يستجيب الاتحاد الأوروبى ومؤسساته والتى من أهمها واولها: البرلمان الأوروبى لمهمة بناء أوروبا الجديدة المدفوعة بزخم النزعة المواطنية. ويشار هنا إلى أن 50% من هذه النسبة تعبر عن الشريحة العمرية بين 20 و40 عاما. ما أظنه أمرا غاية فى الأهمية ينبغى أخذه فى الحسبان.

وترصد دراسة حديثة عن سياسات الأحزاب الأوروبية (صدرت منذ عامين فى سلسلة مهمة جدا حول السياسة فى غرب أوروبا) الاستراتيجيات التى تبنتها القوى الجديدة: الحزبية والحركية اليمينية واليسارية من أجل أن تحظى بمقاعد فى البرلمان الأوروبى.

والتى من أهمها: أولا: تشجيع التصويت فى أوساط جديدة من الكتل التصويتية. وثانيا: التنسيق العابر للحدود أو ما يمكن تسميته بالتنسيق القارى للقوى الجديدة من أجل الفوز. وثالثا: بناء تحالفات متنوعة تخوض الانتخابات من الأحزاب والحركات الجديدة من دول أوروبا المختلفة تحت مسميات جديدة مختلفة مثل: تحالف الربيع الأوروبى اليسارية، وحركة إلى الأمام الجديدة التى تجمع أحزابا وسطية، ومحور اليمين الشعبوى القومى،...،إلخ...وبعد يبقى السؤال: هل تمتد رياح التغيير الأوروبية إلى مؤسسته الوحدوية المرجعية من خلال الحركية المواطنية الصاعدة...هذا ما سنعرفه خلال أيام.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern