مستقبل المجتمع المدنى - 2

(1)

مستقبل المجتمع المدنى، كان محور اللقاء الذى دعت إليه مؤسسة «آنا ليند» فى تونس نهاية يناير الماضى.. وقد طرحنا فى المقال السابق الأسئلة التى طرحتها الورقة الإطارية حول التحديات التى تواجه/ الأدوار المطلوبة من مؤسسات المجتمع المدنى عقب ما بات يعرف بثورات الربيع العربى.. وفى مداخلتنا التى تناولت مصر، أشرنا إلى أنه لابد من إدراك حجم التحولات الكبرى التى جرت فى مصر مع انطلاق حراك 25 يناير.. والمفتاح الأساسى لهذه التحولات هو «تحرك المواطنين» فى المطالبة بحقوقهم.. أو ما أطلقت عليه الانتقال من الحديث عن «المواطنة المبدأ» إلى ممارسة «المواطنة الفعل».. وفى هذا السياق نقترب من مؤسسات المجتمع المدنى ودورها على مدى العقود الخمسة الأخيرة وخاصة بعد إنجاز الاستقلال الوطنى، وهنا ينبغى الانتباه إلى أمرين.. ما هما؟

(2) الأول: إن نسبة المؤسسات المدنية التى لعبت هذا الدور كانت أقلية، وهى تحديداً الكيانات الحقوقية والدفاعية.. بينما أغلبية مؤسسات المجتمع المدنى من جمعيات وروابط واتحادات ونقابات فقد تفرغت إلى «الخيرية»، حيث التركيز- بالأساس- على تلبية احتياجات الناس الاجتماعية.. فى فترة من الفترات:

■ «لتكمل» دور الدولة وذلك فى المرحلة الناصرية،.. وتالياً.

■ «لتعوض» غياب الدولة فى المرحلة الساداتية وامتدادها، التى تم تطبيق فيها ما عرف أولاً بسياسة الانفتاح، أو لاحقاً بسياسات الليبرالية الجديدة اقتصادياً، والتى اتسمت بما يلى: اقتصاد السوق، والخصخصة، والتى أدت إلى فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء أو ما عرف بمجتمع الخمس (20% من السكان يسيطرون على 80% من الناتج القومى للبلاد و80% من السكان يحصلون على الـ20% الباقية من هذا الناتج).

(3) الأمر الثانى: إنه وبسبب أن غالبية مؤسسات المجتمع المدنى قد انحازت «للخيرية» لم يستطع المجتمع المدنى بعد من أن يستوعب ما أُطلق عليه «الديناميكية المجتمعية الجديدة»، وأقصد بها أشكال التنظيم الجديدة التى نشهد ميلادها فى المجال العام من: «جماعات دفاعية»، و«جماعات ضغط»، و«تحالفات نوعية»، و«مجموعات إبداعية متنوعة»، و«مجموعات رقمية متنوعة الاهتمامات»، و«فرق فنية شبابية»،.. إلخ.. وهى كلها أشكال متجددة ذات اهتمامات وأولويات لا تعرفها الذهنية التشريعية والتنظيمية التى لا ترى فى كيانات المجتمع المدنى إلا مؤسسات خيرية.. وفى نفس الوقت تعكس عدم القدرة على إدراك طبيعة التحول الكبير الذى جرى فى الواقع المصرى وتجب الاستجابة له بدرجة أو أخرى: ألا وهو الخروج الكبير للمواطنين فى المجال العام ما يستدعى أن يستوعب تنظيمياً بذهنية تشريعية تنحاز لحرية الإشهار لا التقييد.. المفارقة أنه فى كل من المرحلتين «الدولة الراعية» و«الدولة المنفتحة اقتصادياً» تطبق قوانين مقيدة لحركة مؤسسات المجتمع المدنى.

(4) مما سبق يمكن أن نعدد أربعة تحديات أمام مؤسسات المجتمع المدنى عليها أن تعمل على الاستجابة إليها وذلك كما يلى: الأول: فك الارتباط بالسياسات النيوليبرالية، الثانى: تجديد شرعية المجتمع المدنى باعتباره المقابل الموضوعى للدولة ومؤسساتها لا مكمل لها أو تعويضى لغيابها، الثالث: النضال من أجل وضع قانون ينظم عملها يتسق مع التحولات البنيوية التى جرت فى مصر، حيث تستجيب لحركة المواطنين وأشكال تنظيمهم الجديدة، الرابع: إعادة ترتيب جدول أعمال مؤسسات المجتمع المدنى فى إطار مشروع تنموى متكامل مع الدولة بقطاعاتها العامة والخاصة والتعاونية.. هكذا يتقدم المجتمع المدنى إلى المستقبل.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern