دولة الحماية الاجتماعية للمواطن، الفكرة التى نطرحها على مدى الثلاثة أسابيع الماضية، هى الفكرة، التى نظن، بدرجة أو أخرى، أنها قادرة على مواجهة الاختلالات المجتمعية المختلفة التى نتجت عن توجهات وسياسات خاطئة كانت دافعا لدورات احتجاجية متنوعة، ممتدة عبر عقد من الزمان، وأدخلتنا فى دورات انتقالية قيد الاكتشاف والاختبار.
ويبقى لنا أن نتحدث عن السياسات المطلوب الأخذ بها، والتى من شأنها أن تضمن تحقيق «الحماية الاجتماعية للمواطنين»، على أرض الواقع، وتجسد مطالب«الحراكات المواطنية»، بداية ماذا نقصد بالسياسات ؟ وكيف يمكن أن تستخدم فى سياق الحماية الاجتماعية؟
بداية، السياسات هى مجموع الخطط والاجراءات والتطبيقات التى يؤخذ بها لتحقيق أهداف خطة التنمية فى شتى المجالات، والتى تستهدف تحسين أحوال العباد والبلاد. ولأنه تبين من خبرة من سبقنا، ومن خبرتنا، أن هذه السياسات عند التطبيق فإنها لا تحقق العدالة المطلوبة بين المواطنين ولا تتيح الفرص المتكافئة بينهم. ومن ثم أصبح هناك ضرورة للحديث عن السياسات الاجتماعية لمراعاة الفقراء والمهمشين أى «الغلابة»، خاصة ما أن باتت أنظمة العالم الثالث، لأسباب كثيرةـ تتعرض لتأثير المؤسسات الدولية فى الأخذ بسياسات ربما تحقق من الناحية الفنية – التقنية إنجازات إلا أنها:كمية، ومالية، لا يستفيد منها إلا القلة، وفى المقابل لم تحقق شيئا«للغلابة». ومن ثم كان لابد من «إعادة النظر فى السياسات الحكومية» لتكون ذات طابع «اجتماعي»؛ يعالج «الإخفاقات التاريخية» للسياسات التى أتبعت على مدى عقود خاصة منذ انطلاق التوجهات الاقتصادية المعروفة باقتصاد السوق أو سياسات الليبرالية الجديدة، ما سبق وفى دراسة حديثة عنوانها«إعادة النظر فى السياسة الاجتماعية»، بدأ الالتفات للتداعيات والآثار السلبية الضارة للأوطان من جراء السياسات الاجتماعية المتبعة، مهما كانت نواياها،ـ حيث تم رصد مدى تصاعد التوترات والانقسامات المجتمعية بمستوياتها كما يلي: أولا، «الإثنية»، بمعناها الواسع:الدينية، والمذهبية، والقومية، والعرقية، واللغوية.. إلخ. ثانيا:الاجتماعية/ الثقافية: الجنسية والجيلية..إلخ. وثالثا: الطبقية الصريحة، كما تناولت الدراسة المذكورة ودراسات أخرى ، حجم الآثار المدمرة ما إذا تداخلت التوترات السابقة، بأنواعها، فيما بينها.
والدرس المستفاد مما سبق، هو ضرورة مراعاة الآثار السلبية للسياسات المتبعة على »الغلابة«، خاصة إذا ما كانت هذه السياسات ذات توجه ليبرالي، تقول الخبرة التاريخية، أنها انحازت للقلة على حساب الأغلبية، كما فشلت فى تحقيق الوعود التى وعدت بها فى تحقيق الرخاء للجميع . وعليه لابد من تطوير السياسات الاجتماعية وتعميق مضمونها. فالمسألة لم تعد مجرد اجراءات ذات طابع فنى تؤخذ فى هذا المجال أو ذاك، وإنما لابد للسياسات الاجتماعية أن تأخذ فى الاعتبار:علاقات القوة فى المجتمع وأثرها فى تفعيل أو تعطيل السياسات الاجتماعية، قدرة الجهاز الإدارى على تنفيذ السياسات أو افشالها أو منحها/منعها، مدى مواكبة التشريعات والقوانين الحالية على تيسير/ إعاقة السياسات الاجتماعية الجديدة، الوعى بضرورة امتداد فاعليتها إلى كل فئات المجتمع من المركز إلى الأطراف، حدود تأثير الأجندات الخارجية فى تدعم/ تحجيم السياسات الاجتماعية لكل المواطنين دون تمييز، طبيعة علاقة الدولة بمواطنيها كمحدد هام فى تحديد طبيعة ونوعية السياسات الاجتماعية التى ستتبع، الوعى بالتكوين الاجتماعى الوطنى بمكوناته المتنوعة..الخ.
ونضيف إلى ما سبق، هو ضرورة »تضفير« حزمة السياسات الاجتماعية معا. فالاتجاه فى العالم الآن ينحو فى اتجاه أن تتكامل السياسات الاجتماعية فى شتى المجالات. فالسياسة الاقتصادية لابد وأن تراعى فى وضعها لسياسات التشغيل والتوظف، والتسعير والدعم والأجور بحديها الاقصى والأدنى، وخيارات الانتاج المتاحة، ونوعية الاستثمار، والنظام الضرائبي..إلخ، ألا يترتب على هذه السياسات أى تفاوتات / اختلالات من أى نوع تؤدى إلى أخطار أو انتهاكات تهدد وتؤلم «الغلابة». وبالأخير، يكون من شأن هذه السياسات أن تؤمن دولة الحماية الاجتماعية، العادلة والمتساوية الفرص لكل المواطنين، بمقوماتها الست وشبكتها الوطنية.. والحديث متصل.