بين «ينايرين» (1) : 25 يناير «حراك عابر» أم «انطلاقة ممتدة»؟

تتقدم الأوطان عندما يجتهد مواطنوها بدأب وأسس معرفية على فهم ما جرى فى تاريخهم وعلى ما يجرى فى واقعهم، وإلام سيؤول إليه حالهم فى ضوء ما جرى ويجرى. فى هذا المقام لابد من إخضاع ما وصفته بالحراك الشبابى الشعبى الذى انطلق فى 25 يناير للتحليل ومحاولة فهم ماجرى ومستقبله خاصة بعد مرور عام على هذا الحدث الفارق فى تاريخ مصر.

(1)

فى هذه السلسلة من المقالات سوف نحاول أن نقترب بعض الشىء من جوهر ما جرى فى 25 يناير والتعرف على الفاعلين الأساسيين فى بلورة المشهد الحراكى. وما التطورات التى أتت بها «25 يناير»، وهل كانت هذه التطورات نوعيا تحمل تحولات لن أقول جذرية وإنما على الأقل مؤثرة فى تاريخ مصر فيما يتعلق بالبنى المجتمعية المتنوعة أم لا؟! لقد وصف فريدمان (الكاتب الصحفى الأمريكى المعروف) حال مصر الآن بأنه أشبه «بالفيل الذى يريد أن يُحَلَّق»، وهو تعبير ذكى بكل المقاييس لا ينفى حدوث تغيير ولكنه تغيير مُثقل بالكثير والكثير. وواقع الحال أن فهم هذه العبارة يستلزم محاولة فهم السياق الذى يجرى فيه الحراك وطبيعة التحولات التى جرت وحظوظها المستقبلية فى الاستمرار.

(2)

يحضرنى، بداية، مقولة لباحثة غربية كتبت فى الواشنطن بوست فى الأسبوع الأخير من فبراير الماضى تقول «الثورة تقوم فى سياقها، وكل ثورة تخلف بصمتها الخاصة والمتميزة، فالثورات تنتقل من مكان إلى آخر.. ودراما الثورة الواحدة تختلف عن دراما غيرها من الثورات، ولو تزامنت أو تعاقبت، وكل ثورة لها أبطالها وأزمانها، وتفترض كل منها رواية خاصة بها فى معزل عن الأخريات». لذا لا يمكن القبول بتحليل أحادى لما جرى أو قياس ما جرى فى مصر بما جرى فى أماكن أخرى فى نفس الوقت أو بما جرى تاريخيا فى مصر نفسها.من جانب آخر لا يمكن القبول بمحاولة البعض بالإيحاء بأن كل شىء انتهى وأن ما جرى آتى ثماره وعليه نخصص يوما قوميا ونطلق الاحتفاليات الكرنفالية التى تبعد بنا عن فهم ما جرى وآثاره. بنفس القدر لا يمكن القبول بما يروجه حول التداعيات السلبية لما جرى على الاقتصاد القومى وعلى المستقبل وكأن الأوضاع كانت وردية قبل ذلك.

فى هذا السياق أيضا يجب إدراك أن مراحل خارطة الطريق السياسية التى نسير فيها ليست مساراً مغايراً عن مسار الحراك بل هى تعبير عن انطلاقة «25 يناير». إن ما نحن فى حاجة إليه هو التعمق فيما جرى وفهم قيمته على مجمل الواقع من حيث: شبكة العلاقات الاجتماعية، أنماط الإنتاج، وعلى الشرعية، وبنية الدولة، ومنظومة الحقوق والحريات، ونموذج التنمية القائم والمأمول، ومنظومة القيم الثقافية النمطية والتقليدية البالية، أو بلغة أخرى قطعا التاريخ قبل 25 يناير ليس هو بعد 25 يناير مهما كانت درجة الاتفاق أو الاختلاف حول طبيعة ما جرى. وهو معقول ممكن «نرجع نعيش تانى زى ما كنا عايشين بحسب ما جاء فى نهاية مسلسل أنا وانت وبابا فى المشمش»!

(3)

فى هذا السياق انشغل الكثيرون فى تفسير ما جرى فى مصر نهاية يناير الماضى من تحول. ويمكن القول بارتياح إن حصيلة هذه الاجتهادات تشير إلى أن ما جرى فى مصر بكل المقاييس إذا كان لم يرق إلى أن يكون ثورة مكتملة إلا أنه قطعا يعد انطلاقة لا رجوع عنها بل وممتدة وهو ما وصفناه مبكرا «بالموجة الأولى» Wave One، سوف تعقبها موجات. فى هذا يقول العالم السياسى الأمريكى (الهندى الأصل) فريد زكريا: «.. ولكن ما لاريب فيه هو أن ثمة انعطافا يشبه الزلزال لن يبقى أحد بمنأى عن آثاره»، ووصف ما جرى (فى مجلة التايم): «ثورة مصر التى لم تنته بعد Egypt’s Unfinished Revolution»،.. لذا «25 يناير» فى نظر الكثيرين أكثر من حراك عابر إنها انطلاقة بدأت لتستمر فماذا أنجزت وما هى التحديات التى تواجهها؟

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern