(1)
لا الاستبداد السياسى ولا الاستفراد الدينى ولا الاستعباد الاقتصادى يمكن أن يعوق حركة الشعوب نحو الحرية والكرامة والعدالة.. هكذا تقول لنا الخبرة التاريخية.. فلقد ظنت سلطة الجماعة أن الحديث باسم الثورة يمكن أن يبرر لهم تمرير مشروعهم الخاص الذى ثبت أنه ليس فقط يتناقض مع مشروع الوطن وإنما ليس ثوريا من الأصل.. لم يدركوا أن الثورة هى تعبير عن حركة المواطنين كلهم من أجل تغيير الواقع.. ومن ثم لابد أن تعبر السلطة عن آمال الناس الذين يجمعهم وطن واحد، ومنهم من دفع حياته ثمنا لها.. فالسلطة الثورية لابد وأن تكون مجددة وغير نمطية.. لا تعيد إنتاج نفس التوجهات والسياسات التى احتج عليها الناس على مدى سنوات وثاروا فى النهاية ضدها..
(2)
وعلى الرغم من أن بعضا من الكتلة الثورية قد أعطى رئيس الجماعة قدرا من الشرعية بانتخابه، إلا أنه تم التنكر لها باستبدالها بشرعية أخرى هى «شرعية الإكراه» من خلال الإعلان الدستورى الاستبدادى والذى قلنا فى نص استقالتنا ـ آنذاك ـ إنه «يعد إضعافا لشرعية النظام السياسى الذى يحاول المصريون ـ معا ـ تأسيسه بعد 25 يناير. وبمثابة تقويض لملف التحول الديمقراطى وتعطيل لمساره. وهو ما يؤدى إلى التناقض مع المبادئ الأساسية للديمقراطية السليمة المستقرة ومع كل الطموحات لبناء دولة العدالة والمساواة وسيادة القانون».. وهنا مارست السلطة ما وصفته بسياسة «التوازن الحرج»، حيث الجمع بين الشىء ونقيضه.. حديث عن الديمقراطية وتقييدها.. السير عكس اتجاه ما يريد المجتمع/الوطن.. بناء أجهزة موازية للسلطات القائمة.. المحصلة أن التوازن الحرج قد أدى إلى انسداد سياسى.. حيث باتت السلطة ضيقة: بمشروعها ومغلقة على ذاتها وناسها.. فى مواجهة وطن/مجتمع يتطلع إلى الانفتاح والتجدد.. وعند الوصول إلى هذه النقطة فإن هذا يعنى كما ذكرنا مرة أنه سيكون له «عواقب خطيرة ويشكل تحديا حقيقيا يهدد سلامة الوطن ووحدة نسيجه الاجتماعى والثقافى»…
(3)
وهو ما تأكد عمليا عندما استدعت السلطة رموز العنف التاريخى فى مصر ليجددوا العهد والقدرة ويلوحوا بالعنف ويهددوا عموم المصريين، ما يعنى إطلاق «التصارع الخطر» فى مصر.. لقد وجد المصريون أنفسهم أمام الانصياع لمشروع الجماعة أو التمرد عليه.. لم يكن أمام المواطنين إلا التمرد عليه مهما كانت النتيجة.. وعليه جاءت ردة الفعل الوطنية بما تضمنته من قطاعات عريضة من الشعب وكافة القوى المدنية الشعبية والحزبية ومؤسسات الدولة القانونية والقضائية وبعض من رموز التيار الإسلامى وغيرها.. والأخطر هو تذويب المساحة الجغرافية للوطن فى المساحة الإقليمية واعتبار الصراع الداخلى هو جزءٌ من التصارع الإقليمى المسلح الخطر.. ومن ثم فتح الباب على مصراعيه لدخول أطراف عدة على الخط.. وهو ما بات جليا بعد نجاح «تمرد» فى مهمتها بأن تعود بنا إلى مشروع الوطن والدولة الحديثة والوطنية المصرية المتصالحة مع الدين وغير المتخاصمة معه، فإذا بنا نجد أطرافا عدة إقليمية ودولية حاضرة فى المشهد المصرى..
(4)
«إن حراك الناس على مستوى الوطن المصرى وعدم تمييز العنف المسلح الذى أشهر ضد كل من تمرد على مشروع الجماعة/السلطة المغلقة يؤكد المقولة التاريخية الهامة بأن ملايين المواطنين الذين أعلنوا تمردهم هم يصنعون التاريخ.. لا الجريمة ولا القوة تستطيعان إيقاف سير التطورات الاجتماعية…»…