الروس القادمون - 4 - التحرك القارى للإمبراطورية

كان تحرك روسيا منذ ١٩٩١، بحسب العلامة المصرى الراحل البروفيسور أنور عبدالملك، «مزيجا من الواقعية والتخبط والفوضى، مع قدر من التمسك بقدر من تراث السياسة الخارجية السوفيتية سابقا».. لكن مع زيادة التدهور الداخلى فى فترة يلتسين، جاء بوتين فى نهاية ١٩٩٩ ليحسم أمر روسيا، حيث وضع خطة قدومها الجديد داخليا وقاريا وكونيا.. خلاصة هذه الخطة كانت تقوم على فلسفة مفادها: «التفاعل بين عامل الجيوسياسة (تعظيم مزايا الجغرافيا والسياسة) والحضارة».. ورفع الشعار- الذى أشرنا له فى مقالنا الأول- بأنه

«لا معنى لروسيا بدون إمبراطورية».. شريطة أن تتجنب الإمبراطورية الجديدة أخطاء وإخفاقات الإمبراطورية القيصرية والإمبراطورية السوفيتية.. قامت الإمبراطورية الجديدة على تحرك سياسى واقتصادى مركب أوراسى وكونى.. إمبراطورية تتجاوز المعنى التقليدى للدولة الأمة، والدولة الإقليمية إلى الإمبراطورية.. ونعرض فى حلقة اليوم هذا التحرك «الأوراسى» (ونقصد به الذى أنجزته روسيا مع جمهورياتها السابقة).. فى الحلقة القادمة نقدم مسار التحرك الروسى خارجها.

انطلق بوتين منذ عام ٢٠٠٠ يؤسس للإمبراطورية الجديدة من خلال انطلاق روسيا «الأوراسية»، التى تمتد على مدى الحدود الأسيوية والأوروبية.. كانت البداية بتوقيع اتفاقية الأمن الجماعى بين: «روسيا وبيلا روسيا وأرمينيا وكازاخستان قرجيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان».. وقد تطور التعاون لاحقا من خلال تأسيس اتحاد جمركى بين روسيا وبيلا روسيا وكازاخستان فى مايو ٢٠١١.. ومن المنتظر، بحسب ما أعلنه بوتين نفسه فى مقال كتبه فى الإزفستيا فى ٢٠١١ عنوانه: «مشروع تكاملى جديد لأوراسيا: المستقبل الذى يولد اليوم»- يقول فيه (نقلا عن منذر بدر): «فى الأول من يناير ٢٠١٢ سيبدأ الفضاء الروسى المشترك بين بيلا روسيا وكازاخستان وروسيا بالعمل فعليا، ستلغى التأشيرات بين هذه البلدان، بعد أن ألغيت الإجراءات الجمركية، وسيتم لاحقا اعتماد عملة واحدة، على طريقة الاتحاد الأوروبى…».. ويسأل بوتين: «.. ما هى رؤيتنا لأفق هذا المشروع؟».. ويجيب مستبعدا من حيث المبدأ فكرة استعادة الاتحاد السوفيتى بشكل أو آخر، ويقول: «.. من السذاجة التفكير بترميم أو نسخ ما بات ماضيا فى التاريخ، ولكنه التكامل اللصيق على أساس قيمى وسياسى واقتصادى جديد يستجيب لمتطلبات التاريخ. نحن نقترح وحدة عابرة للقوميات وقوية من شأنها أن تصبح أحد أقطاب العالم المعاصر، وأن تلعب دورا للربط بين أوروبا ودول آسيا والمحيط الهادئ الدينامية. وبالتالى، فالاتحاد الأوراسى سيشكل مركزا لعملية تكاملية تالية تشمل دولا أخرى.. فالاتحاد الأوراسى سيبنى على مبادئ تكامل أصيلة كجزء لا يتجزأ من أوروبا الكبيرة القائمة على قيم ديمقراطية وعلى قوانين سوق مشتركة».

ما بين تسلم بوتين السلطة ورؤيته التى بلورها حول روسيا الجديدة القادمة/ المستقبلية، هناك الكثير من المعاهدات التى وقعت والتشكيلات التى تكونت فى هذا السياق، مثل: معاهدة الأمن المشترك، وقوة التدخل السريع المشتركة… إلخ.. ولم تقف هذه المعاهدات والتشكيلات عند الأمن والتعاون العسكرى، وإنما كان الاقتصاد هو العنصر الأساسى فى إعادة ترتيب البيت الروسى على الأساس الإمبراطورى الجديد.. ونشير فقط إلى كيف أن إنتاج النفط لأذربيجان (٣ ملايين برميل- ٢٠١٠)، بالإضافة إلى نفط روسيا (٧ملايين برميل)، بالإضافة لحصيلة شركات النفط الروسية فى الدول التى تعمل بها، فهو يضيف إليها ضعف ما سبق، ومن ثم يدعم كل ما تأمل أن تحققه روسيا الإمبراطورية، هذا بالإضافة إلى المشروعات العملاقة العابرة للقارات، ما يفتح لنا الحديث عن التحرك الكونى لروسيا.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern