الحراك الطبقى: من نضالات الاستقلال إلى تنافسات الأسواق (2)

(1)

يتكون المجتمع، أى مجتمع، من جسم اجتماعى يتركب من طبقات اجتماعية متنوعة. تدخل هذه الطبقات فى علاقات فيما بينها تحكمها المصالح فى المقام الأول. وبسبب هذه العلاقات التى قد تكون ظالمة فى وقت من الأوقات أو عادلة ـ نسبياً ـ فى وقت آخر، تتحرك طبقة من هذه الطبقات… حركة قد تكون إلى أعلى بسبب تحسن أوضاعها وأحوال من ينتمون إليها تحسناً حقيقياً يؤهلها للانضمام إلى الطبقات الأعلى التى تحظى بالنفوذ والمكانة والثروة. وفى نفس الوقت قد تتدهور أحوالها ما يؤدى إلى أن يطالها البؤس والعوز والحاجة فتلحق بالطبقات الأدنى… ويوصف كل من الصعود والهبوط فى الجسم الاجتماعى بـ«الحراك الطبقى».

(2)

ويمكن القول إن الذى يتحكم فى عملية الحراك هذه: صعوداً وهبوطاً؛ هو المشروع التنموى الذى تتبناه الدولة. بلغة أخرى، كلما كانت الدولة تتبنى مشروعاً تقدمياً شاملاً انعكس هذا إيجاباً على الجسم الاجتماعى ـ بدرجة أو أخرى ـ ومن ثم الطبقات التى تشكل هذا الجسم. والعكس صحيح، فكلما تراجع المشروع التنموى والنهضوى الشامل تأثرت الطبقات كلما اتجهنا فى الجسم الاجتماعى إلى أسفل.. وفى دراسة بديعة عنوانها «تحولات الطبقة الوسطى» (أحمد موسى بدوى ـ 2012)، يشرح ما سبق عن الحراك الصاعد بقوله: «يحدث الحراك فى كل المجتمعات الطبقية ـ الرأسمالية والاشتراكية والمختلطة ـ حين تنجح الدولة فى إنجاز مشروع ناجح فى التنمية الشاملة، شريطة أن يرتبط ذلك بعدالة توزيع عوائد التنمية، وبتحسين متوسط الدخل الحقيقى لمختلف الفئات الاجتماعية. وفى هذه الحالة يتم ضخ دماء التنمية فى كامل التركيب الطبقى، ليكتسب حيوية تجعل جميع الطبقات فى حالة حراك، فتقل الفئات اللاطبقية بفضل فرص العمل الجديدة والأجور العادلة، وتتحسن فرص الحياة بصفة عامة…» وتتحرك الطبقات صعوداً وتبلغ «مرحلة العيش الآمن (من سكن وتعليم وصحة وترفيه…). أما الحراك الهابط فهو يظهر حينما يحدث تدهور فى المشروع التنموى، ويعجز الاقتصاد الوطنى… وتتخلف قطاعاته ويقضى على قواعده الإنتاجية… ما يؤدى إلى تدهور معدلات النمو الاقتصادى وارتفاع البطالة وانخفاض الأجور…، إلخ».

(3)

وتاريخياً، نشير إلى أن الفترة الممتدة من 1919 إلى 1969 قد شهدت حراكاً اجتماعياً وطبقياً معتبراً تميز «بالارتقاء» فى مساحات تتعلق بـ: العصرنة، والحداثة، والتمدين فى سياق نضالات وطنية مجتمعية أنصفت الناس وأمّنت أحوالهم…على النقيض نجد أنه منذ مطلع السبعينيات وبسبب تراجع المشروع الوطنى وُصمنا «بالانحدار» عندما ترك الجسم الاجتماعى ـ فيما عدا قمته: القلة الثروية- يواجه الرأسمالية البربرية دون حماية أو رعاية. ونخلص مما سبق إلى كيف أن نضالات الاستقلال ـ بالمعنى الواسع للكلمة ـ ارتبطت بالحراك الصاعد… وأن تنافسات الأسواق قد أدت إلى حراك هابط؛ ما أدى إلى سيادة علاقات استغلال النفوذ واحتكار الثروة لصالح قلة وإلى ظلم بيّن فى توزيع عوائد التنمية، بالإضافة إلى الفساد وتكون البيروقراطية أداته الأساسية ما يؤدى إلى ترهلها وتآكلها بتعبير فوكوياما،… إلخ.

(4)

الحراك الهابط كان سمة الفترة التى سادت فيها سياسات الليبرالية الجديدة منذ قانون الانفتاح الذى صدر فى 1974 بتنويعاته اللاحقة… ونتج عن ذلك أن بدأت الطبقات الاجتماعية التى أضيرت تبحث عن مخرج. فمنها من خرج إلى بلاد النفط والغربة، ومنها من لجأ إلى الاقتصاد الأسود (النفطى بتعبير أحمد موسى بدوى)، وفى هذا السياق حدثت «حراكات صاعدة» ولكنها فردية وليست جماعية كما هو الحال وقت النضالات الوطنية… وهذا ما يفسر لماذا يحتفى البعض بفترة ما قبل 25 يناير وينكرون ما ترتب عليها…ونواصل.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern