المحافظون الجدد

(أ)

تحول جذرى فى الخريطة الايديولوجية والسياسية الأمريكية

كانت لواقعة الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، الكثير من التداعيات التى تجاوزت الداخل الأمريكى إلى الخارج الكوكبى فى محاولة لإعادة تشكيله وفق تصورات تراها منفردة الإدارة الأمريكية. فبدأت هذه الادارة تتحرك فى ضوء ” نزوع امبراطورى” فى الفضاء العالمى باعتباره مساحة فضاء عليها أن تعيد تنظيمها وترتيبها و السيطرة عليها .

ولعل من أهم التداعيات التى كشفت عنها واقعة 11/9 هو بروز هذا التيار الذى عمل على دعم النزوع الامبراطورى لدى الادارة الأمريكية الحالية ، وهو التيار الذى عرف باسم ” المحافطين الجدد” أو ” Neo Conservatives” ، والذى مثل اليمين الدينى قاعدته الاجتماعية ، واستطاعا معا الوصول إلى سدة الحكم فى يناير من العام 2001 ، وهو ما كشفنا عنه مبكرا فى جريدة أخبار الأدب عقب ما حدث فى 11/9 وعبرنا عنهما –آنذاك- بتحالف ” اليمين : السياسي والديني ..” وألقينا عليهما الكثير من الضوء فى كتابتا الامبراطورية الأمريكية : ثلاثية الثروة والدين والقوة (الذي صدر في يناير من العام ،2003 ونفذت طبعته الأولى واستفاد منه كثير من الباحثين لما تضمنه من أفكار وتحليلات وصل إليها عدد من الباحثين الأمريكيين فى كتب لاحقة خاصة بعد إعادة انتخاب الرئيس بوش لفترة رئاسة ثانية ). وقد كان لتيار المحافظين الجدد تأثير كبير فى الدفع نحو حرب العراق و التحريض علي حروب أخرى . وثار الجدل حول هذا التيار و لكن الثابت إن هذين ” اليمينيين” المتحالفين مثلا بوصولهما إلى الحكم ” تغيرا ” جذريا في الخريطة الأيدلوجية الأمريكية والسياسية أيضا . فلقد كانت ” الليبرالية ” تاريخيا فى أمريكا تمثل قلب هذه الخريطة وعن يمينها التيار المحافظ وعن يسارها ما يعرف فى الأدبيات الأمريكية ” بالتيار الراديكالى” (الذي يضم حركات المرأة والبيئة والحركات العمالية ..).
بيد أن التحالف الجديد جعل تيار ” المحافظة Conservatism” في قلب هذه الخريطة ومن ثم التيار الرئيسى الأيديولوجي والسياسي ، وتنتقل الليبرالية وأنصارها من الليبراليين لتصبح على جانب التيار المحافظ الذى بات تيارا رئيسا يضم :

اليمين المحافظ الدينى ( القاعدى – الشعبوى)
اليمين المحافظ السياسى ( الليبراليون الجدد الأكثر تشددا – والمحافظون الجدد – وهما تياران نخبويان ويميلا إلى العلمانية – وهنا المفارقة -) .

ولأننا درسنا تفصيلا التيار الدينى الجديد فى كتابنا الحماية والعقاب : الغرب والمسألة الدينية فى الشرق الأوسط (2000) فى معرض دراستنا للقانون الأمريكى للحرية الدينية فى العالم ( وهو المرجع الوحيد باللغة العربية حول هذا الموضوع ) ، فاننا سوف نركزحديثنا على إلقاء الضوء حول اليمين السياسى أو ” المحافظون الجدد ” وخاصة وقد كثر الحديث عنه فى الآونة الأخيرة حيث نتناول ما يلى :

جذوره التاريخية وكيف بدأ هذا التيار.
توجهاته الفكرية وتصوراته لأمريكا وللعالم وبخاصة الشرق الأوسط

(ب)
المحافظون الجدد : المسيرة التاريخية … مراحل أربع

ونبدأ فى هذا الأسبوع الحديث عن المسيرة التاريخية لهذا التيار الذى ترجع جذوره فى تقديرى وفى ضوء العديد من المراجع المعتبرة إلى ما قبل منتصف القرن العشرين وليس كما يتداول كثيرا لدى البعض لفترة ريجان وعليه فنحن نؤرخ لهذه المسيرة بمراحل أربع وذلك كما يلى :

  1. الانقلاب على دولة ” الصفقة الجديدة ” New Deal الروزفلتية .
  2. مقاومة ” الكابوس الأحمر ” ومأزق اليمين الأمريكى .
  3. حملة ” بارى جولدووتر ” القاعدية ضد مشروع ” المجتمع الكبير “
  4. المحافظون الجدد من الضغط إلى المشاركة فى الحكم.

أولا : الإنقلاب علي دولة ” الصفقة الجديدة : New Deal الروزفلتية

يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت الفائز الأكبر فى الحرب العالمية الثانية من حيث القوة والثروة والقيم الأمريكية التى بدأت تسود العالم ، فلقد أصبح لديها ما لايقل عن ثلاثة أرباع رأس المال العالمى، وكذلك ثلثى إجمالى الطاقة الصناعية ، كل ذلك من دون جهد حقيقىمباشر، بمعنى أن أراضى الولايات المتحدة الأمريكية لم تشهد أى معارك حربية، ولم تتتعرض لخطر حقيقى بعكس ما حدث لدول الحلفاء والتى تعرضت لمعاناة حقيقية من جراء الحرب . لقد كانت أمريكا بالرغم من دخولها الحرب إلى جانب الحلفاء والتى كانت تضم الاتحاد السوفيتى فى مواجهة المانيا النازية ، إلا أن الادارة الأمركية كانت ترى الاتحاد السوفيتى العدو الحقيقى لها، لذا لم تنقطع المفاوضات السرية بين أمريكا والمانيا باعتبار الاتحاد السوفيتى هو العدو التالى ، كانت هذه رؤية رجال المال والسلاح والدين فى أمريكا آنذاك . وهم أيضا كانوا ينظرون بريبة للنجاح الداخلى النسبى الذى حققه الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت (1933 – 1945) ، فى تجاوز أزمة الثلاثينيات الاقتصادية الشهيرة من خلال ما عرف بسياسة ” الصفقة الجديدة “ New Deal” . حيث أبد هذه السياسة العمال والمنظمات المدنية وملايين من المزارعين وموافظى الحكومة وجميع الجماعات العنصرية والاجتماعية ، وأيدها الليبراليون واليساريون فى أمريكا ،وعليه وخوفا من هذ الحشد شكك رجال المال والسلاح فى كثير من الاصلاحات التى أنجزها روزفلت ووصفوه بالرئيس الاحمر . وفى جلسة ضمت 15 شخصاً فى وزارة الخارجية شارك فيها ممثلون لوزارة الحرب وأصحاب المصارف الكبرى ورؤساء الشركات المسهمة الكبرى مثل شركة جنزال موتورز ، حيث أتفقوا على تصحيح المسار وذلك من خلال أفكار مدرسة شيكاغو الذين عملوا على تصفية المحتوى الاجتماعى لعلم الاقتصاد وعزله عن سائر العلوم الاجتماعية وكانت منحازة للاقتصاد الحر بالمطلق وهنا تجدر الاشارة الى ميلتون فريدمان أحد أبرز عناصر هذه المدرسة ، وفى تقديرى ان ما حردث ى أعقاب وفاة فرانكلين روزفلت يمكن اعتباره ارهاصة تبلور تيار المحافظين الحدد من خلال التأسيس الأقتصادى الذى حدث ورجع بالاقتصاد إلى ما قبل آدم سميث وريكاردو حيث إطلاق يد السوق العمياء وإلغاء السياسات الاقتصادية ذات الطابع الاجتماعى التى ابدعها ” كينز ” العالم الاقتصادى فى لحظة أزمة وتبناها روزفلت وساندت شرائح اجتماعية كبيرة .
ثانيا : مقاومة ” الكابوس الأحمر ” ومأزق اليمين الأمريكى

تزامن مع هذا الانقلاب الاقتصادى سيادة مناخ من الخوف من تغلغل الاتحاد السوفيتى بأفكاره وقيمه حتى أن روزفلت لم يسلم من اتهامه كما ذكرت بالرئيس الأحمر ، المر الذى جعل من الاتحاد السوفيتى ” كابوسا أحمر ” ، بحسب إحدى الدراسات الحديثة ، لابد من مواجهته وتنقية الولايات المتحدة الأمريكية من أى شخص تراوده أفكار تميل إلى اليسار بشكل عام بل وإلى الفكر الليبرالى بالمعنى الكلاسيكى . وعليه انطلقت حملة شرسة تهاجم كل من يحاول الدفاع عن أى حقوق مدنية عامة أو مصالح العمال أو يدعو إلى إعادة توزيع الموارد أو يدافع عن السود ، بأنه سيوعى وتبلورت حركة ضد الشيوعية Anti Communism جوزيف ماكارثى وهى الحركة التى عرفت بالمكارثية ، وشابهت فى قسوتها الفاشية فى إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى ، وذلك منذ مطلع الخمسينيات . ولم تقتصر هذه الحملة على الشيوعيين وانما امتدت لتشمل المتعاطفين مع الحصول على الحقوق وللعدل بشكل عام. وكما قلت امتدت الحملة إلى الليبراليين وهنا تكمن نقطة الافتراق الحقيقية داخل اليمين الأمريكى بشكل عام ، فالليبرالية بمعناها الكلاسيكى الأوروبى باتت مطاردة من قبل الليبراليين ” الجدد” الأكثر تشددا وللمحافظين الجدد باعتبار هذه الليبرالية تدافع عن الحريات بالمطلق . ويشار إلى أن هذا الصراع قد انتقل إلى الحزب الجمهورى مع نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات حيث عرفت هذه المرحلة بمرحلة ” الرعب الكبير ” Great Fear سواء بسبب العدو الخارجى ( الاتحاد السوفيتى ) أو الذى قد يأتى من الداخل ( المدافعون عن الحريات والحقوق والعدل ) وعليه كان لابد من ردع سبب هذا الرعب وعليه فان نقدا مستمرا وحاد وجه للذين صمموا ماعرف سياسة الاحتواء ، وأطلقت صيحات حول ضرورة الصراع من أجل العالم لردع هذا الرعب ، وانهاء الحقبة الحمراء Red Decade . لقد كانت هذه المعركة وبالرغم من عواقبها المعروفة والتى أدينت لاحقا مؤثرة فى مسيرة المحافظين الجدد الذين التزموا التشدد وانتظروا سنوات أخرى حتما يتمكنوا من أن يكون لهم حضور فاعل فى الواقع الأمريكى كما سنى لاحقا قيما عرق بحملة ” بارى جولة ووتر ” القاعدية ضد مشروع ” المجتمع الكبير ” والتى تمثل المرحلة الثالثة فى مسيرة المحافظين الجدد التى بدأت مع مطلع الستينيات .

كان وصول الرئيس بوش الابن إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ، فى العام 2000 ، يعنى وصول التيار المحافظ ببعديه الدينى والسياسى إلى الحكم . خطط التيار المحافظ السياسى والذى عرف ” بالمحافظين الجدد” لذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، واستطاع أن يحدث التغييرات المطلوبة داخل الحزب الجمهورى واستطاع أن يسيطر على أغلبية مقاعد الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ وتحالف مع التيار الدينى المحافظ الذى بات قاعدته الاجتماعية ونجحا فى أن تصل ادراة أمريكية إلى الحكم تدين بالولاء لهذين التيارين بل ويتم التجديد لها لفترة حكم ثانية . وتأتى أهمية هذا التيار فى الرؤى الاستراتيجية التى يقومون باعدادها وتمثل البناء الايديولوجى الحاكم الذى يسير الادارة الأمريكية الحالية والدافعة الى الحروب والتصعيد السياسى والنزوع الامبراطورى ( راجع كتابنا الامبراطورية الأمريكية :ثلاثية الثروة والدين والقوة ) لحكم.
هذا وكنا قد عرضنا للمرحلتين الأولى والثانية ونستكمل هنا فى الأسبوع المرحلتين الثالثة والرابعة .
ثالثاً : حملة ” بارى جولد ووتر ” القاعدية ضد مشروع ” المجتمع الكبير”:

يمكن اعتبار حملة السيناتورة برى جولد ووتر للحصول على ثقة الحزب الجمهورى للترشح للرئاسة فى العام 1964 ، والذى كان يعد آنذاك من القيادات الجمهورية الشابة ، التأسيس الحقيقى لتيار اليمين المحافظ . خاصة وانه اجتهد لان يحظى بتأييد على المستوى القاعدى الشعبى . لذا أجمع كثير من الباحثين على أن أمريكا بدأت عملية تحول قصوى نحو اليمين “Right Turn” المحافظ متجاوزا التوجهات الليبرالية التقليدية المعروفة للحزب الجمهورى منذ ذلك التاريخ حيث كانت حملة ” بارى جولد ووتر ” البداية فى الدفع نحو هذا التحول . ونجد هذا السيناتور الشاب يصك تعبير ” المحافظة” Conservation ، من خلال كتابه الذى تضمن رؤاه المحافظة والذى كان عنوانه ” ضمير محافظ” . وفى تقديره أن المحافظ الحق هو الذى ” يلغى الدعم للمزارع محررا المزارع الفرد من التعرض للتحديات نفسها التى تطرحها السوق الحرة على الأمريكيين الآخرين . والمحافظ يلغى أيضا ضريبة الدخل التصاعدية كذلك ، مستعيدا المساواة فى فرض الضرائب على الجميع . هكذا يدفع الكل نسبة ضريبة واحدة ، فقراء كانوا أم أغنياء … كذلك ضرورة وقف مشروعات الضمان الاجتماعى والتعليم والاسكان الشعبى والانارة والتدفئة . التى تتكفل بها الحكومة الفيدرالية …” . هذا بالاضافة إلى رفضه المطلق للنزعة الاجتماعية لكنيدى والاهتمام بالأقليات والأنيات غير البيضاء ، وعليه نجده وقد حمل بشدة على مرسوم ” الحقوق المدنية ” الذى أصدره ليندون جونسون فى سنة 1964 . كذلك هجومه الحاد على برنامج ” الحرب على الفقراء” ، أو مشروع ” المجتمع الكبير ” الذى أطلقه جونسون فى محاولة لاصلاح المجتمع الأمريكى.

لقد كانت رؤية ” جولد ووتر” ان محاولات كينيدى أولا ثم جونسون من بعده ، ما هى إلا محاولات لإدخال الاشتراكية حيث اهتما باحلد الأدنى للأجور ومساندة العاطلين عن العمل والتأمين الاجتماعى . وبسبب هذه المواقف كان كينيدى يعانى من كراهية شديدة من قبل رججال الصناعة والمال والعسكر ، وزاد من كراهيتهم له لاحقا أنه كان يتجه نحو تخفيف حدة التوتر فيما يتعلق بقضية فيتنام وعليه استغل جولد ووتر هذا الأمر حيث كان يحث على الحرب ومن ثم اكتسب دعم المجمع العسكرى الصناعى الاقتصادى . بي ان جونسون وبعد أن أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية عقب اغتيال جون كيندى اتخذ سياسة مغايرة حيث اتجه نحو التصعيد المتزايد فى دعم الحرب ، حيث فطن جونسون إلى أن نجاح جولد ووتر فى حملته المتشددة مستفيدا من دعم المجمع العسكرى الصناعى الاقتصادى سوف يعنى استيلاء جولد ووتر على الحزب الجمهورى مدعوما بتيار عريض فى الحزب . وعليه عمد جونسون إلى دعم الحرب لامتصاص التيار ” المحافظ الجديد” البازغ والذى مثل تغييرا جذريا داخل الحزب الجمهورى . وبالرغم من خسارة جولد ووتر الانتخابية ان هذا لم يمنع أن هناك شرائح ذات ميول محافظة – جديدة – قد بدأت فى التبلور والتحالف ذات مزاج وسلوك محافظ على المستويين السياسى والاقتصادى بالاضافة إلى اليمين الدينى الجديد الأخذ فى الصعود من خلال العمل فى إطار المجتمع المدنى الأمريك

رابعاً : اليمينان الجديدان المحافظان : السياسى والدينى من ” الضغط” إلى ” المشاركة فى الحكم ” :

مع مطلع السبعينيات كانت أمريكا تموج بالكثير من التغيرات ذات الطبيعة الاشكالية ، فالتوجهات الاجتماعية التى أتاحت للسود أن يحظوا ببعض من مكانة فى المجتمع كذلك تداعيات حرب فيتنام ، بالاضافة إلى فساد حكم نيكسون والذى أدى فى النهاية إلى فضيحة ووترجيت كذلك خروجه عن التقاليد اليمينية فى نظر المحافظين الجدد ، وأخيرا تعيين الرئيس فورد ، الذى حل محل نيكسون ، لنائب هو نيلسون روكفلر ، الذى أعتبر جمهوريا ليبراليا معتدلا لا يعبر عن جمه ور الحزب الجمهورى ذات الكابع المحافظ ، كل ذلك قد أدى إلى أن يشعر التيار المحافظ الجديد الأخذ فى انمو أنه قد آن آوان تمثيله فى المواقع السياسية المختلفة . ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر مجموعة من أربعة أشخاص شكلوا البرنامج المحافظ من خلال تأسيس مؤسسات مدنية هم :

بول فيريش الذى أعاد تشكيل الكثير من المؤسسات المحافظة مثل مؤسسة التراث Heritage Foundation
هوارد فيليب الذى أسس التجمع المحافظ Conservative Caucus عام 1975 والتى سرعان ما استقطبت مئات الألوف من المساهمين خلال خمسة أعوام وتأسيس أكثر من 250 فرعا.
جون دولان الذى رأس اللجنة القومية المحافظة للعمل السياسى NCPAC والتى مارست عملها كجماعة ضغط فى مواجهة التوجهات الليبرالية .
ريتشارد فيجيرى صاحب الدورية الشهيرة Conservative Digest

هذا بالاضافة الى ايرفنج كريستول وبود هورتز ومجموعة مجلة كومنترى ودانيال بال ومينيهان وأخرون .

وأنطلقت مئات المؤسسات المحافظة تتأسس على المستويين الفكرى والجماهيرى ، واستطاع التيار المحافظ فى فترة وجيزة أن يبلور رؤاه بحيث لاتقتصر فقط على الجانب الاقتصادى ، حيث كان يركز اليمين القديم أو ما يعرف بـOld Right وانما امتد بها إلى الثقافى والاجتماعى بحسب كيفين فيلبس أحد كتاب الأعمدة المشهورة عام 1975 . وتحرك هذا التيار فى كل الاتجاهات ضاغطا على مؤسسة الرئاسة واستطاع الفوز بكثير من المقاعد فى الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب والسيطرة على العديد من الولايات .

وتحالف تيار ” المحافظون الجدد ” برؤاه المتشددة – ولم يكن متدينا – اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا مع التيار الدينى الجديد الذى كان ينتشر على المتسوى القاعدى من خلال مؤسسات المجتمع المدنى بل وأصبح التيار الدينى الجديد القاعة الاجتماعية للمحافظين الجدد الذين سيطروا على الحزب الجمهورى وباتوا نخبة مؤثرة من خلال تحالفات أخرى مع أصحاب الاستثمارات الضخمة . وكان وصول ريجال إلى الحكم فى العام 1980 هو محطة الوصول الأولى حيث خاضا معا معركة ردع الاتحاد السوفيتى . يلاحظ فقط ان المحافظين الجدد قد نجحوا بان يصلوا إلى الحكم من خلال ريجان مع بقا التيار الدينى كجماعة ضغط معاونة من خارج السلطة ، حيث لم يكتمل وصول التيارين معا إلا بوصول بوش الابن إلى السلطة فى العام 2000 من خلال صيغة بوش – تشينى المعبرة عن التيارين . ان ماحدث فى أمريكا هو بكل المقاييس ، بحسب وصف أحد الباحثين ” الثورة المحافظة ” The conservative Revolution باعتبارها الحركة التى أعادت تكوين أمريكا The Movement that Remade America وبالفعل فاننا مع نهاية القرن العشرين ومع دروتى بوش للرئاسة – ومع ماحدث فى 11/9 – نجد خريطة أيديولوجية جديدة لأمريكا .. وكغمة حاكمة لها رؤى وأفكار حول الدور الأمريكى فى العالم ومكانة أمريكا وصفت ” بالمحافظين الجدد “… بدأت قصتهم كما أشرنا على مدى حلقتين – وللمرة الأولى فيما أعتقد –منذ الحرب العالمية الثانية تقريبا – وليس من عهد ريجان كما هو شائع -.. ويبقى بعد أن تعرفنا على مسيرتهم التاريخية أن نتعرف على أفكارهم وبخاصة التى تتناول المنطقة التى نعيش فيها لعل ذلك يفسر كثر من المواقف ويساعدنا على التعاطى معها ….

(1) المحافظون الجدد من الحرب العالمية الثانية إلى الآن

حاولنا أن نؤصل للمسيرة التاريخية ” للمحافظين الجدد” الذين استطاعوا مع اليمين الدينى المحاظ الوصول إلى سدة الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية فى العام 2001 وذلك من خلال نجاح الرئيس بوش الابن فى نوفمبر من العام 2000 ، حيث مثلت صيغة بوش – تشينى التعبير العملى عن تحالف هذين التيارين ( اليمينيين : السياسى والدينى) وانهما باتا يحكمان الولايات المتحدة الأمريكية .
وفى تأصيلنا التاريخى :” للمحافظين الجدد” أرجعنا جذور هذا التيار إلى الحرب العالمية الثانية ( وليس إلى عهد ريجان كما هو شائع فى الكتابات العربية ) وعددنا أربع مراحل مر بها هذا التيار وذلك كما يلى :

أولاً : الانقلاب على دولة ” الصفقة الجديدة ” New Deal الروزفلتية .
ثانياً : مقاومة “الكابوس الأحمر” ومأزق اليمين الأمريكى .
ثالثاً : حملة السيناتور الجمهورى “بارى جولد ووتر ” القاعدية ضد مشروع ” المجتمع الكبير ” لكينيدى .
رابعاً : اليمينان الجديدان المحافظان : السياسى والدينى من ” الضغط” إلى ” المشاركة فى الحكم “(1980 و 2000)

كما أشرنا إلى ان الداخل الأمريكى قد تأثر بما جرى فى الحرب العالمية الثانية ، حيث بدأت مسيرة التحولات الجذرية فى بنية المجتمع الأمريكي على كل الأصعدة : اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا ، فى اتجاه دعم اليمين المحافظ . فلقد كانت الخريطة الفكرية والسياسية حتى الحرب العالمية الثانية تتسم بالتوازن الدقيق بين تيارات ثلاثة هى :” المحافظ ” و ” الليبرالى ” و ” الراديكالى” ، حيث كان التيار الليبرالى فى القلب من هذه الخرطة أى يعبر عن التيار الرئيسى لهذه الخريطة وعن يمينه التيار المحافظ وعن يساره التيار الراديكالى (يؤخذ فى الاعتبار ان مصطلحات ليبرالى وراديكالى ومحاظ ينبغى أن يتم التعامل معها بمعايير الخبرة الأمريكية وليس الأوروبية فعندما نتعامل مع الليبرالية تجدر الاشارة ان الليبرالية الأمريكية ليست هى الليبرالية الأوروبية وهكذا الراديكالية لاتعنى فى أمريكا ما تعنيه فى أوروبا ). ولكن بخروج أمريكا منتصرة من الحرب العالمية الثانية و فى ظل ذريعة مقاومة ” الكابوس الأحمر ” أى الاتحاد السوفيتى عمل التيار المحافظ ببعديه السياسى والدينى على خلخلة الخريطة الفكرية والسياسية حتى أصبح يحتل مركزها. ولايعنى ذلك تحول كل الأمريكيين إلى تبنى هذا التيار وانما عكس مدى قدرة هذا التيار على التأثير من خلال الحضور الفاعل فى المواقع الهامة التى تصنع القرار الأمريكى وتقوم بتنفيذه تحت لافته المصلحة القومية الأمريكية العليا ، وتحديدا التحالف الدائم بين رجال المال والصناعة والتكنولوجيا والعسكر أو ما عرف بالمجمع العسكرى الصناعى التكنولوجى . وبعد أن تعرفنا على مسيرة هذا التيار وعلى المكانة التى احتلها فى الخريطة الفكرية والسياسية الأمريكية ربما يكون من المفيد التعرف على مشروعهم الفكرى ؟

(ج) المحافظون الجدد : رؤيتهم الفكرية

بداية لابد من الاشارة إلى أن هذا التيار لم يتأسس فى كيان محدد كى يعبر عن نفسه من خلاله . وانما هذا التيار هو أقرب إلى ” حركة ” أو إلى ” جماعة مصالح ” Interest Group ( كما جا فى كتاب America Alone) ، حيث ينتشر المنتمون إلى هذا التيار وإلى هذه الحركة فى الحزب الجمهورى وفى وسائل الاعلام والمراكز البحثية والجماعات ، ويضغطون بما يروجون له من أفكار فى اتجاه تنفيذها وخاصة اذا تبناها اليمين الدينى ودعمها جماعات المصالح الاقتصادية ومولدا عناصر تتبنى هذه الافكار فى السلطة التشريعية وفى الاعلام وهكذا . ويمن ايجاز رؤيتهم الرئيسية فيما يلى :

  1. ” أمريكا” وطن استثنائى أمريكا “ن لابد أن يسود ويهيمن ، ولابأس من ممارسة القوة فى سبيل ذلك ، حيث العلاقة بين الدول تقوم على القوة العسكرية Military Power
  2. الانسان لديهم يعرف بانه القادر على أن يختار الخير وليس الشر ، حيث الحالة الانسانية على الدوام هى حالة اختيارية بينهما .. ويمتد هذا الأمر إلى السياسة ، نما لشخصية السياسية Political Character تقوم على رؤية ما هو سياسى من منظور الخير والشر . ويترتب على ذلك معاقبة العاجز أو المهمش اقتصاديا وسياسيا بغض النظر عن الأسباب التى أدت إلى هذا العجز أو التهميش والتى قد تكون بسبب السياسات الاقتصادية والسياسة ذاتها.

  3. وتعكس الفكرتان السابقتان اهتمام ” المحافظون الجدد بكل من السياستين الخارجية والداخلية حيث ” النزوع الامبراطورى ” لايفصل بين الداخل والخارج ز
    وسوف نستعرض فى مقالنا اليوم باختصار اهم ما تتضمنه رؤيتهم للسياسة الخارجية ونستكمل فى مقالنا القادم رؤيتهم للسياسة الداخلية .

(جـ) المحافظون الجدد ورؤيتهم للسياسة الخارجية الأمريكية

يمكن القول أن جوهر السياسة الخارجية فى نظر المحافظين الجدد تتبلور حول مفهوم ” الإمبريالية “( بحسب ديفيد هارفى فى كتابه : The New ImPerialism) حيث يقدم تحليل اقتصادريا مركبا حول هذا الموضوع نأمل أن نعرض له تفصيلا ، كذلك بحسب ليندساى ودالدر فى كتابهما ثورة بوش فى السياسة الخارجية )، انطلاقا من أن قيادة أمريكا للعالم هى لخير أمريكا وخير العالم على السواء ، وأن هذه القيادة تتطلب القوة العسكرية والحسم الدبلوماسى والقيم الأمريكية . وقد تمت صياغة الرؤية الأساسية للمحافظين الجدد فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فى نص هام عرف باسم ” مشروع القرن الأمريكى الجديد” The Project For the New Americanالصادر فى سنة 1997 وتم تطويره فى العام 2000 وصدر باسم اعادة بناء دفاعات أمريكا Rebuilding America’s Defenses ان هذه الوثيقة لاتتحدث عن هيمنة امريكية مؤقتة أو طارئة أو مرحلية أو اقليمية وانما على هيمنة أمريكية ممتدة ودائمة انها لقرن كامل . واذا كانت هذه الوثيقة خرجت من مشروع بحثى إلا ان هذه الوثييقة تم تبنيها من قبل البنتاجون والبيت الأبيض ومجلس الأمن القومى ووزارة الخارجية الأمريكية خاصة وان كثير من الشخصيات التى شاركت فى وضعها مارست العمل التنفيذى من خلال هذه المؤسسات . ولكن ماذا تحمل هذه الوثيقة ؟

يمكن ايجاز هذه الوثيقة فى أربعة عناصر كما يلى :

  1. الدفاع عن أرض الوطن ضد الثواريخ البالستية وأسلحة الدمار الشامل اينما كانت .
  2. القدرة على خوض الحروب واسعة النطاق والممتدة والمتعدة فى وقت واحد .
  3. تطوير المها ” الشرطية ” الأمريكية Constabulary Duties لتلبى احتياجات الناتو والمناطق الحيوية .
  4. توظيف نتاج الثورة التكنولوجية العسكرية المتقدمة لتطوير القوات العسكرية الأمريكية .

وتعرضت الوثيقة الى أمور تفصيلية كثيرة حول اماكن لإنتشار العسكرى وضرورة التحكم فى القضاء وكيفية تطوير القطاعات العسكرية النوعية الجوية والبحرية . وتجدر الاشارة هنا هو أهمية التعامل مع الوثائق المريكية ليس بنظام ” القطعة ” حيث قرأت مؤخرا تحليلا لوثيقة الأمن القومى الأمريكى الصادرى عن البيت الأبيض فى مارس الماضى بدون ربطها بما سبق ، مما يوحى بأن هناك تغييرا لحق بسياسات الادارة الأمركية وهذا غير صحيح ، وتكفى مراجعة ”

نص كوندوليزا رايس فى الحملة الانتخابية للرئيس بوش فى يناير 2000 حول رؤيته للسياسة الخارجية .
نص دونالد رامسفليد حول تطوير القوات المسلحة والذى نشر فى 2002.
خطاب الرئيس بوش فى الذكرى الأولى لأحداث سبتمبر .

ونصوص أخرى كثيرة … تؤكد على التواصل بين هذه الوثائق بل والرؤية الأمريكية العامة التى لاتختلف فى فالهدف النهائى وان كانت قد تختلف فى التفاصيل

لقد جاءت الادارة الأمريكية الجديدة عام 2000 وأمامها خيارات استراتيجية ثلاثة هى :
إما التعاون مع القوى الدولية ضمن مفهوم التعددية القطبية .
وإما اعتماد سياسة كلاسيكية قائمة على توازن القوى.
وإما اعتماد استراتيجية القطب الواحد على قاعدة التفوق والهيمنة .

فأختار بوش الخيار الثالث والذى يعبر عن رؤية المحافظين الجدد حيث ينبغى منع أية قوة معادية من السيطرة على مناطق يمكن لثرواتها أن تجعل من هذه القوة ، قوة عظمى . كما ينبغى تثبيط عزيمة الدول الصناعية المتقدمة إزاء أية محاولة منها لتحدى زعامتنا أو لقلب النظام السياسى والاقتصادى القائم كذلك ادماج العالم فى الترتيبات التى ستدعم عالما يتسق مع المصالح والقيم الأمريكية

(1) بدأنا فى المقال السابق التعرف على أفكار المحافظين الجدد فى أمريكا (بعد أن استعرضنا مسيرتهم التاريخية على مدى حلقتين قبل ذلك ) حيث صنفنا أفكارهم إلى قسمين : قسم يخص السياسة الأمريكية – وهو ما تناولناه فى الأسبوع الماضى – وقسم آخر يتعلق بالداخل الأمريكي : سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا نعرض له اليوم . يحيل المحافظون الجدد أى قضية مجتمعية إلى مبدأ الخير والشر حيث يقومون بتحليل القضايا من خلال تصنيفات أخلاقية من خلال قناعة بانهم وحدهم من يمتلك ” الأفضلية الأخلاقية ” They alone hold the moral high ground ويرون أن مخالفة ذلك إنما تؤدى إلى الانهزام . فالفقر فى رؤية المحافظين الجدد ينتج بسبب اختيارات خاطئة ( شريرة ) من البشر وليس لأسباب بنيوية تتعلق بالبناء الاجتماعى والعلاقات الاجتماعية بين الطبقات المختلفة ، ما يعنى ضمنا ان الفقر قد يكون أقرب للعقاب لهؤلاء البشر. ولا يعنى ذلك عدم تقديم يد العون لهؤلاء الفقراء بشرط ألا يكون ما اقترفوه من شر غير قابل للتصحيح . وفى هذا المقام يشار إلى انهم لايهتمون بتغيير الواقع الاجتماعى للفقراء وانما يقومون بتوفير المساعدات الاجتماعية التى تبقى على الأمر الواقع كما هو ، فقط تحسنه .و بمراجعة أداء ادارة بوش الابن فيما يتعلق بهذا الموضوع نجده يشجع ما أسماه المبادرات القائمة على الايمان من خلال المنظمات غير الحكومية Faith – Base NGOs أى المنظمات غير الحكومية ذات الطابع الدينى على حساب المنظمات غير الحكومية المدنية حيث خص هذه المبادرات بالكثير من الدعم المالى الحكومة . فأصدر سلسلة قرارات تنفيذية بتسهيل حصول هذه المنظمات على عقود ومنح مالية فيدرالية . كما قام بتأسيس مكتب يحمل هذا الاسم فى البيت الأبيض يهدف إلى دعم المنظمات الخيرية Charity Org. وليس المنظمات التنموية ، وتوضح الاحصائيات أن الأمركيين تبرعوا بحوالى 245 مليار دولار المنظمات ذات الطابع الخيرى وهو ما يمثل 2,2% من الدخل القومى الأمريكى ، وكان نصيب المنظمات الدينية 35% وذلك خلال الفترة الأولى لحكم الرئيس بوش ، الذى فاد بنفسه حملة لتشجيع المواطنين على زيادة دعمهم للمنظمات الدينية انطلاقا من ان حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية انما يكون من خلال الخدمات الاغاثية.
(2) فى هذا السياق نجد المحافظون الجدد وهم ينظرون إلى الضرائب نظرة أخلاقية ، فالاعفاءت الضريبية أمر محمود حيث ان الحصول عليها يعد سرقة Theft ، فمال الأغنياء منحة إلهية ليس من حق أحد أن يحصل عليها ، ولكنهم عليهم أن يقدموا ما يرونه خيرا للوطن ، فالضرائب سيئة إذ تصادر الثراء الذى يعود إلى الأفرادوحدهم بفضل الله. لذا فليس من المستغرب والأمر كذلك فيما يتعلق بالنظر إلى الضرائب أن نجد الرئيس بوش يتقدم مبكرا بخطته الضريبية فى مايو 2001 حيث مالت هذه الخطة الى تقديم كثير من الامتيازات للأغنياء المر الذى يتحمله النائب الجمهورى المخضرم جيمس جيفوردز –لآنذاك- وصوت مع الديموقراطيين ، فبات الحزب الجمهرى أقلية بصوت واحد للمرة الأولى منذ 1994 .(تعدل هذا الأمر لاحقا).

فى ضوء ما سبق نجد المحافظون الجدد وهم يعارضون التدخلات الحكومية الزائدة فهم مع تقليص دور الحكومة ويعتنقون فكرة التوسع اللانهائى لقوى السوق . وتبرز كتابات ايرفنج كرستول احد العناصر الهامة والمؤثرة فى تيار المحافظين الجدد على التأكيد على أهمية التمايز عن التيار الليبرالى الذى يؤكد على الحرية الفردية وان الأفراد مستقلون بينما التيار المحافظ يتناقض مع هذا ، وليس من حق الجميع الحصول على قصص متساوية من كل شئ وعليه يعارض المحافظون الجدد فلسفة ” دولة الرفاه” التى يتعنى بمواطنيها جميعا من خلال رؤية اجتماعية واقتصادية هيكلية فى مقابل” الدولة الرحيمة ” حيث الانطلاق الاقتصادى للأعيناء والخدمات الخيرية للمستحقين من الفقراء بحسب غير ترود هملفارب ( زوجة ايرفنج كريستول ومؤلفة كتاب Poverity And compassion)

(3) اينشغل المحافظون الجدد بالرؤى والتصورات الكلية للمجتمع بقدر ما يركزون على أفكار عامة يعملون على تحقيقها بشكل عملى . لذا فهم لايهتمون بتقديم أى تفسيرات مقترنة بالأسباب ومن ثم فاننا لانجد صياغة نظرية مكتملة لأفكارهم وكما أوضحنا فى المقال السابق فهم مجموعة من المثقفين المنتشرين فى المؤسسات البحثية والجامعات والاعلام وهياكل الادارة الأمريكية يكتبون من خلال العديد من الدوريات ويعبرون عن أفكارهم بشكل جعلهم أقرب إلى جماعة مصالح خاصة ” حيث بدت قوتهم بسبب اقترانهم بالمجمع العسكى الصناعى الاقتصادى التكنولوجى من جانب وباليمين الدينى المحافظ من جانب آخر ، ودعم موقفهم هو ضعف التيار الليبرالى الأمركيى وما يعرف بالاستثناء الأمريكى بحسب جيدنز عالم الاجتماع الشهير والذى يقصد به غيااب حزب اشتراكى كبير فى الحالة الأمريكية ، بالاضافة إلى أن المحافظة الأمريكية تختلف كليا عن المحافظة الأوروبية حيث أن الأولى كان لها أساليبها ذات التوجه الرأسمالى المغامر المتوافق مع أرض جديدة مكتشفة مليئة بالثروة وهو ما لم يتوفر للتيار المحافظ الأوروبى.

(4) لاشك ان ما حدث فى الولايات المتحد الأمريكية من تغير جذرى فى الخريطة الفكرية والسياسية ( كما أوضحنا فى هذه السلسلة ) لهو جدير بالمتابعة الدقيقة من أجل فهم عميق لما يترتب على هذا التغيير . لقد كانت حرب فيتنام أحد الدوافع الرئيسية لحدوث هذا التغيير ، حيث أثار التورط الأمريكي فى فيتنام كثير من الفئات والشرائح الاجتماعية للاحتجاج وتنامى الحركات المدنية الشبابية وبدء تبلور تيار راديكالى سرعان ما تصدى له التيار المحافظ الجديد الذى اتهم الليبراليون التقليديون أنهم فشلوا فى الدفاع عن أمريكا بتراثها الرأسمالى ، فانقضوا علىالحركات المدنية الراديكالية البازغة من جهة وعلى التيار الليبرالى من جهة أخرى وقدموا أنفسهم مع مطلع السبعينيات كحماة لأمريكا المشروع الامبراطورى انطلاقا من مسيرة بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية نجحت فى الوصول إلى سدة الحكم فى العام 2000 بتحالف مركب بينهم وبين اليمين الدينى المحافظ ودعم مالى نفطى وصناعى وتكنولوجى وعسكى سيظل تأثيرهم ممتدا لاننا أمام مشروع يتجاوز الادارة السياسية ولا يمكن أن نفكر انه لمجرد أن احد عناصر هذا التيار قد قام بنقدهم ( فوكوياما فى كتابه الأخير) فان أمرهم قد انتهى حيث ان نقده هو نقد من داخل الظاهرة وليس من خارجها …(ربما نعود للتعرض لهذا الكتاب ) …

خلاصة القول كانت الأسطر السابقة محاولة للاقتراب من ” المحافظين الجدد” فى أمريكا من حيث تاريخهم وأفكارهم منذ الحرب العالمية الثانية وإلى الآن.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern