موقف الإخوان من الاقباط - 1

الإخوان و الشأن القبطي… قضايا معلقة

( محاولة للفهم من أجل جماعة وطنية واحدة ومتماسكة على قاعدة المواطنة)

سمير مرقس

(أ)
بدأ ملف الشأن القبطي من ضمن كثير من الملفات يبرز على سطح الحياة السياسية والفكرية في مصر منذ السبعينيات ، وهى الفترة التي عرفت تاريخيًا بحقبة التوترات والاحتكاكات الطائفية تم ذلك في سياق صحوةٍ دينيةٍ إسلاميةٍ شملت مصر والمنطقة ، بيد أنه بدلاً من أن تؤدي الصحوة الدينية إلى دعم الجماعة الوطنية في مسيرتها نحو بلوغ المواطنة وتستكمل مسيرة الحركة الوطنية على أرض الواقع والتي تشارك فيها كل من المسلمين والأقباط من دون تميز ، أدت هذه الصحوة إلى تزايد الشعور بالذات في مواجهة الآخرين وإلى الرغبة في إبراز أوجه التمايز عنهم مما خلق مناخًا من الريبة والشك والقلق .
(ب)
وقد أخذ هذا المناخ يزداد مع تزايد الحضور السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية المصرية بدايةً من تحالفهم مع حزب الوفد في الانتخابات البرلمانية 1984 م وهو حزب الوحدة الوطنية التاريخي وخاصةً أن هذا الحضور السياسي واكبه تراجعًا للحضور القبطي والإحساس بأن المشروع السياسي الإسلامي لا يعطي اهتمامًا كبيرًا للشأن القبطي وهو ما تأكد عمليًا في انتخابات النقابات المهنية اللاحقة وفى الانتخابات البرلمانية المتعاقبة .
(ج)
في هذا الإطار يمكن رصد العديد من الإشكاليات(تحديدا خمس إشكاليات) فيما يتعلق بموقف الجماعة من الأقباط
وذلك كما يلي :
1 . الطائفية النصوصية والفكرية
2 . تديين المجال السياسي العام أو إضفاء ( المقدس ) على الشأن العام
3 . حدود المساواة وتكافؤ الفرص
4 . إشكالية حرية المعتقد وإقامة الشعائر الدينية
5 . إشكالية المواطنة ومفاهيم الذمة والطائفة والملة، أو إشكالية شرعية الخبرة التاريخية الوطنية المصرية
1 . الطائفية النصوصية والفكرية :
و أقصد بها التعامل مع النصوص وتفسيرها بما يدعم المناخ الطائفي فالقراءة المتأنية حول الموقف من الأقباط تعكس بحسب أحد الباحثين ( قراءة قلقة ) ليست واضحة ومتصلة ، فالاختلاف في الدين مسألة يترتب عليها تفاوتًا في الحقوق والواجبات في الدنيا وفى الآخرة من وجهة النظر الاخوانية وهنا يمكن مراجعة ما يلي :
أولاً: مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ، دار الدعوة (الطبعة الشرعية) ، 1990 ، وذلك في : رسالة الجهاد فقرة 15 صفحة 280.
ورسالة التعاليم : العمل فقرة 5 صفحة 394 و 395 ، التجرد صفحة 398 و 399.
على سبيل المثال ما جاء في رسالة التعاليم يقول حول حديثه عن “إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق.. لا بأس بأن تستعين بغير المسلمين عند الضرورة وفي غير مناصب الولاية العامة ”
ثانياً : حديث الثلاثاء للإمام حسن البنا سجلها وأعدها للنشر أحمد عيسى عاشور ، مكتبة القرآن ، 1985 صــ 467 .
ثالثاً: أعداد مجلة الدعوة، نموذج فتوى حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام ديسمبر 1980 م.
ويشار هنا أيضا إلى حديث أم خلاد الذي أورده الأستاذ البنا .

وعندما بدأت الجماعة في المشاركة في الحياة السياسية المصرية كانت العبارة الوحيدة التي تكتفي بإعلانها فيما يتعلق بالأقباط هي ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ) دون الدخول في التفاصيل التي تترتب على هذه العبارة، وهل تؤخذ هذه العبارة بالمطلق.
2 . تديين المجال السياسي العام أو إضفاء ( المقدس ) على الشأن العام :
وأقصد به تحول العمل العام السياسي والاجتماعي إلى عمل ديني يصبح بموجبه التنافس في هذا المجال أو الشأن بين إسلام ولا إسلام ، بين مسلمين وغير مسلمين وليس بين تيارات وتوجهات وأفكار متنوعة قابلة للاختلاف ، فرفع شعار الإسلام هو الحل جعل من مجال مدني الطابع أن يصبح دينيًا ، ويجعل التنافس السياسي والمدني تنافسًا مع مطلق .
وهو ما يحمل ضمنا إعادة تقسيم المجال العام على أساس ديني ومن ثم يصبح الأقباط بالنتيجة كتلة دينية طائفية.
إن إضفاء ” المقدس ” أو ” الديني ” على الشأن العام كبديل للسياسي والمدني يمثل إشكالية لابد من التعامل معها: إشكالية الديني والمدني وحدود كل منهما.
3 . حدود المساواة وتكافؤ الفرص :
وأقصد بها إلى أي حد تؤمن الجماعة بإطلاق المساواة في كل أمور الدنيا أو بتعبير آخر هل للمواطنة وما تنطوي عليه من حقوق وواجبات واقتسام موارد حدا ينبغي الوقوف عنده أم هي مطلقة.
وفي هذا المقام لابد من الإشارة إلى ما يتعلق بقضايا مثل : تقلد المناصب العامة ، وحدود الفهم العملي والتطبيقي لمفهوم الولاية .
و من الأمانة أن أشير إلى ما هو متواتر أن هناك تصوراً لدى البعض في الجماعة بعدم التسليم بالمساواة الكاملة انطلاقًا من أن الإسلام لا يرتب لأهل الكتاب غير الحماية وحرية الاعتقاد والممارسة الدينية والرحمة ، في مقابل أدائهم للجزية حيث لا يزال صدى فتوى الأستاذ مصطفى مشهور في التسعينيات ذات تأثير كبير بالإضافة إلى نص الأمام حسن البنا المعنون رسالة السلام في الإسلام وما جاء فيها حول الجزية والذمة والمنشور حالياً أخوان أون لاين .
4 . إشكالية حرية المعتقد وإقامة الشعائر الدينية:
في هذا المقام تثار كثير من التساؤلات حول إعمال المادة 46 من الدستور المصري على أرض الواقع من حيث حدود هذه الحرية والتمكين من إقامة الشعائر الدينية ، وبخاصة أن حكم بناء الكنائس في الإسلام بحسب ما جاء في مجلة الدعوة ديسمبر 1980 م لا يجيز بناء الكنائس في المواقع التي “استحدثت” وفي البلاد التي “فتحت بالقوة” ولا يبيح إلا بقاء الكنائس في البلاد التي “فتحت صلحًا” ومنع بناء وإعادة ما هدم منها .

5 . إشكالية المواطنة ومفاهيم الذمة والطائفة والملة ، أو إشكالية شرعية الخبرة التاريخية الوطنية المصرية :
أحد النتائج التي تترتب على إعادة تقسيم المجتمع على أساس ديني واستعادة مفاهيم الذمة والطائفة والملة والأقلية ، وهي مفاهيم تتناقض مع مفهوم المواطنة ، الذي يعني أن المواطنين يتحركون في إطار جماعة وطنية جامعة للجميع ، وبغض النظر عن أي اختلاف ، ومن ثم تتحقق دولة المواطنة ، وعليه تصبح المصلحة العامة المشتركة هي المعيار الرئيسي الذي يحكم حركة المواطنين فيتحقق ما يعرف بالاندماج الوطني ، وفي نفس الوقت وفي محاولة للاسترشاد بنموذج تاريخي يظن أنه داعم للعلاقات الإسلامية المسيحية نجده نموذجًا في غير سياق والمثل البارز هنا هو استعادة النموذج ” الملي ” الذي تأسس إبان الدولة العثمانية باعتباره نموذجًا مثاليًا فالمفارقة وبحسب الدراسة التاريخية أن مصر لم تعرف نظام الملة بالمطلق كذلك وحدت المعاناة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين من نظام الحكم الجائر ثلاثي العناصر ” الوالي ، المماليك ، الأوجاقات ” حيث كان عليهم دفع المال ، ولم يعف التوافق الديني المسلمين من دفع المال أيضا .
و أ قصد أن القراءة التاريخية هامة للغاية خاصة عند تناول إشكاليات الواقع لأنه لم يعد مقبولاً البدء من جديد كل فترة زمنية فالانقطاع عن وقائع التاريخ يجعل البعض يستدعي أفكارًا أو نماذج خارج الخبرة الوطنية المصرية. أو تكون له نظرة أخرى حول لحظات تاريخية يعتبره البعض الأخر لحظات نهوض في التاريخ المصري مثل ثورة 19 ، ففي حديث الثلاثاء يعتبر الإمام البنا ثورة 19 “عقوبة إلهية على المصريين”. وربما يبرز سؤال حول حدود التفاعل بين الجماعة والاجتهادات الإسلامية المعتبرة فيما يتعلق بالشأن القبطي والحركة الوطنية المصرية .
(د)
وبعد،هذه بعض الإشكاليات التي يمكن طرحها حول موقف الجماعة من الأقباط ،أتصور أنها جديرة بالتحاور حولها بغير حساسيات طالما كان الهدف الأسمى الذي يجمع بين المصريين هو الصالح العام من جهة وأهمية الدفع إلى تحقيق الاندماج والتكامل بين الجميع في إطار جماعة وطنية واحدة ودولة مدنية حديثة على قاعدة المواطنة.

قراءات مختارة:
1) محمد سليم العوا،النظام الإسلامي ووضع غير المسلمين،في المواطنة:تاريخيا ودستوريا وفقهيا،سلسلة المواطنة رقم(1)،المركز القبطي للدراسات الاجتماعية،1998 .
2) محمد شفيق غربال،تكوين مصر،وزارة الارشادالقومي،نشرمكتبةالنهضةالمصرية،1957.
3) وليم سليمان قلادة، مبدأ المواطنة، سلسلة المواطنة رقم(3)، المركز القبطي للدراسات الاجتماعية، 1999.
4) سمير مرقس،الحماية و العقاب:الغرب والمسألة الدينية في الشرق الأوسط،ميريت،ط1(نفذت)،2000.جاري طبع طبعة ثانية مزيدة عن مكتبة الشروق الدولية،2006.
5) سمير مرقس،الآخر..الحوار..المواطنة، مكتبة الشروق الدولية، 2005.
6) سمير مرقس,المواطنة والتغيير،مكتبة الشروق الدولية,2006
7) سمير مرقس، الحضور البرلماني الإسلامي في مصر و”الغياب” القبطي ورابطة مواطنة في حاجة إلى تجديد بين الجميع (ملاحظات أولية),ورقة بحثية،2007.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern