من قال إن التاريخ لا يتكرر؟... نعم لا يتكرر «بحذافيره». ولكن قد يتكرر «بملابساته»، و«تحدياته». فالثابت- تاريخيا- أن مصر التى تسعى أن «تقوم» و«تنهض»، أمر لا يأتى على هوى أطراف كثيرة...لذا لابد من إفشال أى محاولة للتقدم (دون التقليل من دور العوامل الداخلية). وبعد ذلك حصار المصريين الذين «انتفضوا» من أجل اكتشاف سبل جديدة نحو التقدم... جرى هذا مع: «محمد على» و«ثورة 1919»، و«ناصر»، (بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف الأيديولوجى حول كل مرحلة من هذه المراحل)، ويجرى اليوم مع مصر والمصريين الذين تحركوا فى مواجهة ركود طويل وممتد. وتمردوا على محاولة تغيير «جوهر طبيعة مركبها الحضارى التعددى».
(2)
وها هى، مصر، بعد سنوات الحراك- التى أظنها لم تشهد، بعد، المشهد الأخير- تحاول جاهدة أن «تلملم» نفسها، وتقاوم العزلة، والجمود، والتفكيك، الذى تعرضت له على مدى عقود. والتى كان من نتاجها- بحسب الكثيرين- ما يلى: أولا: تراجع الوطنية المصرية المتصالحة مع دوائر حركتها. وثانيا: تفكيك القاعدة الاقتصادية التاريخية التى راكمها المصريون منذ محمد على. وحلول «عصر السماسرة والوكلاء» و«الاقتصاد الأسود» بدلا من «المنتجين والإنتاج». ورابعا: ما ترتب على ما سبق من «ارتدادات» مجتمعية متخلفة مخاصمة للتحديث والحداثة والتجديد والتقدم تتمثل فى: العودة إلى الجماعات الأولية بدلا من الدولة، و«الدروشة» بدلا من العلم، والفهلوة والعشوائية بدلا من التخطيط والتنظيم.
(3)
من هنا- وبحسب أنور عبد الملك- وجب علينا أن «نعنى بمصر الوطن- استقلالها، وسيادتها، وتقدمها، ونهضتها، ونضيف أيضا وحدة أراضيها، وتعدديتها، وإنجازها الرائد فى المنطقة أى دولتها الحديثة بمؤسساتها- وأن نتحرك حول المحاور التى تحددها المصلحة الوطنية والأمن القومى بدءا من القاعدة الراسخة التى لم ولن تهتز»... ولكن من أجل من وماذا؟... من أجل مواطنيها أولا. والهدف هو تقدمها... والأهم فى مواجهة من.
(4)
فى مواجهة «التحالف الأسود أو غير المقدس» الذى يهدد مصر: الوطن، والمواطنين؛...الذى تعمل عناصره على إحكام الحصار على المصريين: اقتصاديا، وسياسيا،.. وهو ما كشفت عنه الفترة الأخيرة من اصطفاف لعناصر فى تحالف غير مقدس بهدف «إهانة وتجريح» مصر والمصريين، ومعايرتها بظروفها الحرجة. وتشويه مؤسساتها والتشكيك فى قدراتها. بهدف أن تظل مصر على عزلتها، وسكونها، وتبعيتها. أى أن مصر المطلوبة هى مصر ما قبل الحراك.
(5)
وفى هذا المقام، ربما تفيد القراءة التاريخية للثورة الفرنسية مع إدراكنا للكثير من الاختلافات من حيث طبيعة الطبقة الثائرة والسياق التاريخى آنذاك ونوع الصراع الاجتماعى. إلا أن هناك ملامح تشابه عامة كما يلى: فلقد أسس الفرنسيون لزمن جديد بمقولات: «الحرية والإخاء والمساواة». التى «خلخلت» بنى الظلم الحاكمة آنذاك. وتجاوزت بتأثيرها فرنسا إلى محيطها. ما دفع- بما يمكن أن نطلق عليه- «الإقطاع الإقليمى» بمحاولة «إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء. بإعادة البوربون إلى فرنسا وإزالة آثار العصر الثورى والحقبة البونابرتية». ما استفز الفرنسيين، والأوروبيين، لمواجهة مشروع «الحلف الأسود المكون من: الاقطاع الاستبدادى الحاكم، وفلول النبلاء، والمؤسسة الدينية». الحلف الذى لم «يحن» على مواطنى أوروبا ممارسا سلطة قائمة على الاستبداد، والتمييز والظلم، التى تتناقض كليا مع الحرية والإخاء والمساواة... وكانت معركة مصيرية امتدت لعقود.
(6)
إن ما أنجزه المصريون فى سنوات الحراك كبير وكثير. هناك من يرفضه فى الخارج أو امتدادات الخارج فى الداخل الذين ينكشفون مع مرور الوقت. قد نختلف فى الداخل عل توجهات أو سياسات أو ممارسات. إنما يقينا لا نقبل تدخلا أو هجوما على المصريين وأزماتهم ولا على دولتنا ومؤسساتها. ولا على جيشها الوطنى الذى يخوض حربا تاريخية ضد أعداء التقدم... إنها الوطنية المصرية أعز ما نملك... ونتذكر كلمات المبدع فاروق شوشة الذى غادرنا مؤخرا:
«... الحق الأعزل حق ضائع، يليق بأحلام الجبناء!
واليوم الراهن موقوت بصراع بقاء وفناء
والزمن الآتى زمن رهان فليختر كل ما شاء!
هل لى أن أقترح الليلة نخبا للعائلة... ونخبا لأشقاء كانوا...
طلع الفجر علينا... فانتبهوا...لكن أعداء!».
نواصل...