ما الذى يدفع بلداناً متزايدة العدد للتوجه صوب صندوق النقد الدولى والانضواء تحت رايته كدول أعضاء بالرغم من أنه لم يحمل ـــ بحسب ما ذكرنا ــ إلا «الخراب: الاجتماعى والاقتصادى»؛ لهذه الدول من خلال سياسات «الإكراه» المدمرة لحياة غالبية المواطنين؟.. سؤال يتكرر لدى كل من تابع سلسلة مقالات صندوق النقد الدولى خاصة من الشباب.. يجيب عن هذا السؤال أرنست فولف ـــ الألمانى ـــ مؤلف كتاب «صندوق النقد الدولى: قوة عظمى فى الساحة العالمية»؛ (ترجمة عباس عدنان على ــ2016)، بقوله: «إن المصارف التجارية ترى أن الدول الجديرة بالحصول على التمويل هى تلك الدول فقط، التى خضعت لشروط صندوق النقد الدولى والتزمت بتنفيذ برامج التكيف الهيكلى».. أى من خلال ما يعرف بـ«المشروطية»؛ أو «حزمة الشروط التى يضعها الصندوق لإدارة البلدان المتعاونة معه.. أى أن معيار مؤازرة الصندوق لبلدان العالم ليس تقدمها التنموى ودعمه. وإنما قبولها بالتبعية والسماح بالتدخل فى شؤونها، وإن بدرجات متفاوتة»..
(2)
ويثبت المؤلف مقولته من خلال «ضحايا الصندوق»، عمليا على مدى تاريخه فى: تشيلى، ويوغوسلافيا، والاتحاد السوفيتى، ثم جنوب أفريقيا، والأرجنتين، وآيسلندا، وإيرلندا، واليونان، وقبرص، بالإضافة للأزمات القارية التى تسبب فيها الصندوق وبالأخص فى آسيا.. والسؤال كيف تتم الجريمة ضد الدول- الضحايا؟
(3)
«خطاب إعلان النوايا»؛ وهى وثيقة معتادة لابد من إعلانها بين الدولة والصندوق حول الإجراءات المزمع اتخاذها. ويتم الإيحاء، إعلاميا بأن الدولة المتعثرة هى الطرف الذى وضع الإجراءات المطلوب تنفيذها من قبل الصندوق.. بينما الصندوق هو الذى يضع الحزمة النمطية من الإجراءات وقد أشرنا إلى ثمانية إجراءات قاسية يعتمدها الصندوق فى عمله المقال الماضى.. نتيجتها «الوبال» الجم على الجماهير العريضة..
(4)
«حق الصندوق فى الرقابة»؛ قد يكون مفهوما أن يراقب الصندوق الأمور الفنية أو التقنية من عينة: خفض الكمية النقدية المتداولة، ومكافحة التضخم، وضبط الميزانية الحكومية متى لزم الأمر. إلا أن الأمر يتجاوز ذلك إلى ما يمس جوهر العدالة الاجتماعية بين المواطنين. ومن ثم يعطى الصندوق لنفسه الحق فى تخفيض ميزانية الصحة والتعليم،... ،إلخ. بل مارس الصندوق فى بعض الأماكن تدخلا سافرا فى الشأنين التشريعى والقضائى. فى هذا السياق، يتم إعلان «برنامج التكيف الهيكلى» والذى يمكن تلخيص عناصره فيما يلى: أولا: القبول بالنيوليبرالية الجديدة. (أولوية الاقتصاد على السياسة). وثانيا: الإذعان لسياسات تحرير الاقتصاد. ثالثا: تسويق فكرة الاستقرار. رابعا وأخيرا: تطبيق سياسات الخصخصة.. وهو البرنامج الذى يمهد الطريق للمستثمرين الأجانب وقلة داخلية لجنى ثمار هذا البرنامج على حساب المشروع الوطنى التنموى الذى يتم «إضعافه»، لصالح أطراف أخرى مصالحاها فى الخارج..
(5)
«كيفية عمل برنامج التكيف (الإضعاف) الهيكلى»؛ ما إن يتم تخفيض قيمة العملة الوطنية، يتم رفع أسعار السلع الأجنبية المستوردة. ما يقلص الائتمان الداخلى، بفعل الزيادة على معدلات الفائدة. ما ينعكس سلبا على الكثير من المشاريع الزراعية والحرفية الصغيرة، أى المشاريع التى يتوقف وجودها على حصولها على قروض ميسرة. والنتيجة فى كثير من البلدان هى إعلان إفلاس هذه المشاريع وتسريح العاملين بها ومن ثم ارتفاع معدل البطالة.. وتستمر هذه الحلقة الخبيثة التى، ربما، تحقق فى البداية بعض الانتعاش، إلا أنها حتما، وبحسب خبرة الضحايا، تؤدى إلى اتساع فجوة التفاوت الاجتماعى بين غالبية من المواطنين تنخفض مستويات معيشتهم مقابل كل من المستثمرين والمضاربين وممثلى المصارف قد ازدادت فرصهم الاستثمارية ومن ثم معدلاتهم الربحية. كما يسهم التخفيض الحكومى فى توفير مال يسدد به خدمة الديون التى تمت استدانتها من طرف خارجى.
(6)
إن الحصاد الأكيد «لروشتة» صندوق النقد الدولى، يمكن تلخيصه فى ثلاث نتائج رئيسية متكررة ــ لم تنج ـــ منها دولة فى العالم. واشتركت كل الضحايا فى أن تعانى منها، كما يلى: أولا: أن كل الإجراءات التى يمارسها الصندوق قد حمّلت الجماهير العاملة أضرارا فادحة. ومنحت ثانيا: منافع جمة للمستثمرين الدوليين. وساهمت ثالثا: مساهمة مباشرة فى تعزيز تبعية البلد لأسواق المال العالمية... ونواصل.