مثلما كشف كتاب «فخ العولمة»، (الصادر عن المدرسة الفكرية الاقتصادية الألمانية مطلع هذا القرن والذى كتب مقدمته الراحل الكبير رمزى زكى)، عن مساوئ العولمة. يواصل كتاب «صندوق النقد الدولى: قوة عظمى فى الساحة الدولية»، الصادر عن نفس المدرسة الفكرية نهاية 2014، والذى ترجمه عدنان عباس على إلى العربية وصدر عن سلسلة المعرفة فى إبريل الماضى، كشف «إكراهات» الصندوق على مدى سبعين سنة. والتى أدت إلى ’الخراب الاقتصادى والاجتماعى فى العديد من دول العالم.. كيف؟.
(2)
«الإكراه»؛ هو الفعل الذى يلخص عمل الصندوق والذى يؤدى إلى الخراب المخطط. أى عن إصرار وترصد ووعى وتعمد.. فعل «مؤذى» متعدد الأشكال وقد تجلى فى عدة مبادئ وممارسات. أولها: المشروطية؛ onditional Principl أو فرض الشروط. قد يقول قائل إن من حق من يقدم المعونة أن يفرض بعض الشروط التى تضمن له حقوقه. ولكن شروط الصندوق فاقت أى حقوق. ومضمون هذا المبدأ هو أن «الموافقة على التمويل المطلوب، أمست تتوقف على تنفيذ شروط معينة، تتعدى الشروط المتفق عليها بشأن فترات السداد ومعدلات الفائدة»، أى الأمور الفنية والإجرائية. وظلت هذه «المشروطية»، تزداد صرامة، وتتفاقم شدة، وأثبتت باستمرار، فاعليتها المتصاعدة كآلية أساسية للتدخل فى شؤون الدول. ثانيها: دوامة الاقتراض الممتد والدائم؛ xtended Fund Facilit، أو إيقاع الدول بسبب المشروطية الفائقة والتى تتصف بالتعجيز، والتى تؤدى بالصندوق إلى التدخل وتوجيه السياسات الاقتصادية للدول الدائنة. ما يجعل هذه الدول فى حالة من الاستدانة الدائمة والخراب الدائم. ولم يهتم الصندوق على الإطلاق على مدى تاريخيه بالآثار الاجتماعية لسياسات الاستدانة وتداعياتها. فلقد كان المهم لديه- فقط- هو استلام أقساط الفوائد، وكل خدمات الدين، بانتظام بما يضمن الدخول فى دوامة الاستدانة مجددا، ودون توقف.. ولم يتوقف إكراه الصندوق عند هذا الحد.
(3)
وفى هذا السياق، يهمنى أن نعرض لبعض من هذه الشروط المجحفة: أولا: الوصول إلى حالة من التوازن فى ميزانية الدولة وذلك من خلال انتهاج التقشف المالى، وإلغاء الإنفاق المخصص لمناح معينة أغلبها «يتعلق بالأبعاد الاجتماعية والرعائية». ثانيا: خفض قيمة العملة الوطنية وذلك من أجل تعزيز القدرة التنافسية فى الأسواق العالمية. ثالثا: رفع معدلات الفوائد بُغية الحد من حجم الائتمان الداخلى. رابعا: إلغاء القيود على الواردات السلعية وتداول العملات الأجنبية. خامسا: تعزيز تخصص الاقتصاد الوطنى بإنتاج بضع سلع قابلة للتصدير. سادسا: إلغاء القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية. سابعا: خصخصة المشاريع الحكومية وأملاك الدولة. ثامنا: تشريع لوائح قانونية، تضمن حقوق المشاريع الأجنبية.. فماذا كانت النتيجة؟.
(4)
كان كل واحد من هذه الإجراءات، بحسب المؤلف، بالنسبة إلى «الجماهير العاملة والفقراء، من أبناء البلدان المعنية» أو الدول المُكرهة «وبالا وسوطا يُجلدون به يوما بعد يوم».. فأجور العاملين لدى الدولة جُمدت أو خفضت. كما جرى تسريح الكثيرين منهم. على صعيد آخر، ونتيجة لتركز تقليص الإنفاق على قطاعى التعليم والصحة حصرا. وهما القطاعان الأكثر أهمية فى أى بلد نظرا لقيامهما بالتخديم على الأغلبية من المواطنين. نتج عن ذلك تراجع فى الحالة الصحية العامة للمواطنين، وتدهور ملموس فى نتاج العملية التعليمية.. كما أدى خفض العملة الوطنية إلى تدهور القوة الشرائية لدى السكان، وذلك لأنه تعين عليهم، دفع أسعار أعلى على السلع الأجنبية. إن تقليص حجم الائتمان الداخلى، بفعل الزيادات التى طرأت على معدلات الفائدة.، انعكس، سلبا، على الكثير من المشاريع الزراعية والحرفية الصغيرة. أى المشاريع التى يتوقف وجودها على حصولها على قروض ميسرة. ما أجبر العديد من هذه المشاريع على إعلان إفلاسها.
(5)
ومواكبة لسياسة الإكراه: المشروطية، والاستدانة الدائمة، ومن ثم حرية التدخل فى شؤون الدول- مارست الحكومات «إكراها» اجتماعيا وسياسيا، للتغطية على الخراب الذى أحدثته سياسات الصندوق الدولى. ولحصار الاحتقانات المجتمعية التى باتت من ملامح كل الدول التى خضعت لإكراهات صندوق النقد الدولى. وهو ما سنعرض له تفصيلا.. ونواصل.