صندوق النقد الدولى (2): 70 سنة من «الخراب»

يعتبر «صندوق النقد الدولى»، ومعه «البنك الدولى»، قاعدتى النظام الاقتصادى العالمى، ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد تأثر كل منهما ـ بحسب حازم الببلاوى ـ بالانقسام الأيديولوجى بين المعسكرين الغربى والشرقى، وانحازا إلى المبدأ الرأسمالى... وهذا منطقى خاصة إذا ما علمنا أن البنك الدولى (بعناصره الثلاثة البنك الدولى للإنشاء والتعمير IBRD، ووكالة التنمية الدولية IDA، ومؤسسة التمويل الدولى IFC) هو عبارة عن مجمع دولى

لرؤوس الأموال الفائضة بالدول الرأسمالية والتى تبحث من خلال البنك عن فرص للربح المضمون... وتاريخيا اهتم البنك الدولى فى فترته الأولى بالدول الأوروبية، وانصرف عن الاهتمام بالدول العالمثالثية (مع بعض الاستثناءات)... أما بالنسبة إلى «صندوق النقد الدولى» فقد انطلقت فكرته فى «المدينة السياحية الشتوية بريتون وودز»، الواقعة فى ولاية نيوهامبشير الأمريكية. وكان الهدف المعلن من المؤتمر الذى استغرقت اجتماعاته ثلاثة أسابيع، بحسب الكتاب المرجعى «صندوق النقد الدولى: قوة عظمى فى الساحة العالمية»، لأرنست فولف، وترجمة عدنان عباس على،2016، هو «صياغة أسس نظام اقتصادى جديد للعصر التالى لنهاية الحرب العالمية الثانية. نظام لم يأت بالخير إلا لصالح الكبار فقط. ونشير هنا إلى المقولة الشهيرة للاقتصادى الأشهر جون ماينارد كينز، الذى نجح فى إنقاذ الاقتصاد الرأسمالى من محنته الكبرى فى القرن العشرين أو المعروفة بأزمة الكساد الكبير التى جرت فى سنة 1929. وذلك ببعض الإجراءات التى تأخذ فى الاعتبار قدرا من العدل الاجتماعى... فماذا قال كينز بصفته رئيسا للوفد البريطانى لبريتون وودز؟

(2)

إن الأمر الواضح، هو أن اثنتين وعشرين دولة، من الدول المدعوة، لم تسهم بأى دور ذى بال فى المؤتمر، وإنها كانت حجر عثرة لا غير... إننا هاهنا إزاء أكبر مهزلة، حدثت فى السنوات الأخيرة... ولم يفت الكثير من الوقت حتى أيقن كينز أن القيادة الكونية قد انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما تجسد فى أن يتبلور نظام نقدى جديد، يتمحور حول الدولار الأمريكى ومن ثم تضمن لنفسها القدرة على التحكم بالتدفقات المالية الدولية. ما يمكنها من: أولا: ضمان التزود بما تحتاج إليه من مواد أولية. وثانيا: فتح أسواق العالم أمام إنتاجها السلعى الفائض عن حاجتها. والمفارقة أن بريطانيا هى أول من انكوت بنار الصندوق عندما رضخت للقبول باتفاقية تأسيس الصندوق وبأولية وول ستريت والدولار الأمريكى على مركز لندن المالى والجنيه الإسترلينى. أو بلغة أخرى بالهيمنة الأمريكية على الصندوق. وذلك مقابل الحصول على تمويل مقداره 3.75 مليار دولار مقابل ما تكبدت من تكاليف فى الحرب العالمية. ولم تفلح جهود بريطانيا فى جعل مقر الصندوق فى نيويورك فى سياق الأمم المتحدة أسوة بالبنك الدولى. حيث تمسكت أمريكا بجعل مقر الصندوق فى واشنطن. ومع مرور الوقت والخبرة العملية تبين أن الصندوق ليس إلا مؤسسة أنشأتها أمريكا. وأنها الطرف المهيمن عليها. حيث رسمت خطوطها العريضة بما يخدم مصالحها الخاصة، وعلى رأسها الهيمنة الاقتصادية.

(3)

وكون الصندوق يعد الملاذ الأخير للتزود بالسيولة، بالنسبة للبلدان المأزومة. فإن هذه البلدان تخضع للشروط المجحفة للصندوق. وهى الشروط التى يترتب عليها السقوط أكثر فأكثر، فى فخ مديونية لا مفر منه. نتيجة للفوائد المركبة والأقساط المرهقة. ما ينعكس سلبا على الموازنة الحكومية والاقتصاد الوطنى. ما يتسبب عنه تردى الوضع المالى أكثر فأكثر... فماذا كان حصاد تدخلات صندوق النقد الدولى؟

(4)

يشير الكتاب الصادر منذ عام ونصف عن المدرسة الألمانية إلى أن برامج صندوق النقد الدولى قد تسببت فى المجمل فى: خراب اقتصادى واجتماعى، يمكن أن أصفه بالتاريخى، بعد ممارسات 70 سنة للصندوق مع دول العالم المختلفة... حيث تمثل الخراب فى: خسارة ملايين العمال فرص عملهم، وباتوا محرومين من رعاية صحية فعالة، ونظام تعليمى مناسب، ومسكن يراعى كرامة الإنسان...وفى نفس الوقت، وإذا ما أمعنا النظر فى ناتج هذه البرامج بالنسبة إلى الطرف الآخر من السلم الاجتماعى، فإن الحقيقة التى لا خلاف عليها هى أن: سياسة الصندوق جعلت بمستطاع حفنة من أغنياء، يعجز المرء عن وصف رخائهم، أن تراكم ثرواتها بلا انقطاع، حتى فى أزمنة الأزمات. الأكثر أنها لا تقبل بالتنازل عن أى امتيازات... فكان الخراب الذى نرصده فى عديد الأماكن... ونواصل.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern