ماذا إذا؟.. سؤال المستقبل

ثقافة التساؤل؛ ثقافة المجتمعات الحية التى لا تتوقف عن طرح الأسئلة، يدفعها إلى ذلك بلوغ مستقبل أفضل لمواطنيها: بهم ولهم...ثقافة التساؤل؛ ثقافة تنقيبية تستهدف عمق الظواهر وأسبابها ومساراتها وآثارها وتداعياتها على واقع الناس، ومن ثم مستقبلهم.

وتحت عنوان: ماذا إذا؟ What If, تطرح مجلة الإيكونوميست العريقة(عدد 7يوليو)، مجموعة من الأطروحات كما يلي:

أولا: ماذا إذا استطاعت الصين أن تصنع ـ وحدها ـ قواعد النظام الدولي؟.

ثانيا: ماذا إذا أتيح لكل الأطفال الذهاب إلى المدارس؟.

ثالثا: ماذا إذا تعمق الانقسام الأوروبي؟.

رابعا: ماذا إذا استطاعت المرأة أن تشغل 50% من نسبة المدراء التنفيذيين فى الشركات العالمية؟.

خامسا: ماذا إذا تخلصت المصانع من عمالها وحل محلهم العمال الآليون؟.

سادسا: ماذا إذا أصبح على مواطنى الكوكب أن يدفعوا مقابلا نظير حصولهم على المعلومات عموما والتى تخصهم بصفة خاصة كذلك الشركات؟.

سابعا: ماذا إذا ساد التحكم فى الطبيعة آليا؟.

ثامنا: ماذا إذا اختفى القمر؟.

تاسعا: ماذا إذا حلت الأطعمة الصناعية أو البيولوجية المعملية محل المواد الغذائية الطبيعية؟.

عاشرا: ماذا إذا تغيرت بعض الملامح الطبيعية المتعارف عليها لدى الانسان؟.

حادى عشر: ماذا إذا لم يغتل مارتن لوثر كينج؟ (سردنا سيرته ودوره منذ شهرين فى ذكرى خمسينية اغتياله بمقال لنا فى الأهرام).

وعلى مدى عشرين صفحة تجتهد الدورية (من خلال مركز الأبحاث ــ رفيع المستوى التابع للدورية) بالمعلومات والأرقام والجرافيك والأفكار أن تجيب عن ملامح صورة العالم الجديد الذى بدأت ارهاصاته تتشكل ومن ثم دعت لطرح سؤال: ماذا إذا؟ فى مجالات عدة: السياسة الدولية، والاقتصاد، والبيزنس، والتعليم، والغذاء والزراعة والطعام اليومى للإنسان، والعلم والتكنولوجيا والفضاء، والتاريخ. ولم يقتصر الأمر عند السؤال المحورى المطروح. فمع كل سؤال كبير مطروح تولد معه الكثير من الأسئلة الفرعية الغاية فى الأهمية والتى تستدعى تضافر العقول من كل التخصصات بشكل جماعي، وغير تقليدي. حيث تتوافر لديهم ثقافة موسوعية حداثية تتسم بالشبكية والخيال والتربيط.

فعلى سبيل المثال، نجد السؤال المحورى الكبير الذى يتعلق باحتمالية الاستغناء عن العمالة الصناعية المدربة التاريخية التقليدية لصالح العمالة المؤقتة، أو العمالة أون لاين، أو الآلية، وما سيترتب على ذلك من ارتباكات فى سوق العمل، وفى أدوار الاتحادات العمالية، وتغيرات متراوحة فى ردة فعل العمالة الراهنة من: مواكبة المستجدات بامتهان مهن مستقلة يدير فيها المرء نفسه مثل سائقى اوبر، أو الاصرار على مقاضاة كل من يخل بقوانين سوق العمل، أو الاستجابة لأنظمة العمل الجديدة. وهكذا يفتح السؤال المحورى الكبير الكثير من القضايا التى تتعلق بطبيعة العمل، وموازين القوة المتحكمة فى إدارة الأعمال، وعلاقات العمل والقوانين المنظمة لها ومدى الحاجة إلى تحديثها،...،إلخ...ما دفع المعنيين فى الكثير من الأدبيات بوصف ما يحدث بأنها مرحلة الاقتصاد المزعج Gig - Economy

مثال آخر، هو تغير النظرة والمعالجة للداتا المعطيات. حيث تتحول إلى مادة للعمل أو منتج له قيمة، وله عماله وصانعوه ومن سيقومون بتطويره. وفى هذا السياق يناقش الملف قضايا عدة من عينة: كيف ستتم مكافأة عمال الداتا المتحدين الجدد. خاصة أن هناك احتمالية أن يكون لدى هؤلاء العمال الجدد أن يحجبوا الداتا عن الشركات العملاقة أو يطالبوا بمقابل مالى كما تفعل هذه الشركات. وماهى طبيعة موازين القوى المستقبلية فى هذا المجال، خاصة مع تنامى القدرة على توليد المعلومة ومن ثم المنظومة المعرفية. وعليه تطور اقتصاد المعرفة إلى الحد الذى يحكم فيه الكثير من المساحات الحياتية. ومن يضمن الحق فى المعرفة والعدالة بين الجميع فى إمكانية الوصول إليها..

تثور كثير من التساؤلات أيضا فى القسم الخاص بالتاريخ أو ما يتعلق بمارتن لوثر كينج. وماذا إذا لم يقتل؟ هل كان اختلف الحلم الذى تمناه. بداية ما السؤال على نموذج يمكن تطبيقه على الكثير من الوقائع التاريخية. إلا أن أهميته فى أنه يعيد طرح العديد من الإشكاليات التى ناضل من أجلها كينج ولم تزل تداعياتها حاضرة مثل: العلاقة بين البيض والملونين وتجدد الصراع بينهما، والموقف من الحروب غير العادلة. فلم تزل ذكرى حرب فيتنام تسبب ألما شديدا فى الذاكرة التاريخية الأمريكية. وأخيرا الفقر والصراع الطبقى فى أمريكا.

تبدو الأسئلة المطروحة وكأنها منفصلة عن بعضها البعض. ولكن فى حقيقة الأمر هناك رابط يجمع فيما بينها يصل بالقارئ فى النهاية إلى أن هناك واقعا جديدا قيد التبلور ترتبط عناصره المختلفة ببعضها البعض...واقع جديد يتضمن: قيما، وعلاقات، وأولويات، وصناعات جديدة. وما الأسئلة فى النهاية إلا مساهمة قديرة من عقول مركز معلومات الإيكونوميست ــ المقروءة جيدا فى أوساط النخبة وصناع القرار والمعنيين بالمعرفة الرصينة اختلفت معها أو اتفقت ــ مقدمة فى إطار صحفى غاية فى المهنية المتقدمة لإثارة الحوار ــ وهو فى هذه الحالة حوار حقيقى حول قضايا تمس الانسان المعاصر فى حياته مباشرة ــ حول ما يتعرض له كوكبنا من تحولات جذرية مغايرة لكل ما عرفته الانسانية عبر تاريخها.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern