أحرص على متابعة جديد الأفكار، وحصاد الإبداع الإنسانى العالمى من خلال أحدث الإصدارات، ومضمون النقاشات الأكاديمية، والسياسية فى المنتديات العالمية...
وعليه، أشرنا منذ ثلاث سنوات إلى التحولات الكونية الجارية والتى من ملامحها:
أولا: «الحرب الهادئة» «Cool War»؛ وما تعنيه، كمرحلة انتقالية حرجة تؤسس لقيادة كونية متعددة. تنفذ حروب يتم التعايش معها بنعومة.
ثانيا: تقسيم العالم إلى مناطق حيوية بقيادة قوى إقليمية تحت رعاية القوة عظمى المتعددة حيث تتراوح العلاقة بين التشارك الكامل، والتقاسم بالتراضي، والصراع الحاسم.
ثالثا: إعادة توزيع مناطق الثروة العالمية مرة أخري.
رابعا: تنامى الدور الاحتكارى لشركات (الطاقة والتكنولوجية) العابرة الحدود/المتعددة الجنسيات.
خامسا: محاولة تجديد مؤسسات أو التحايل على عدم انهيارها ببلورة تشكيلات جديدة تحمل نفس الأفكار والسياسات وتجدد النخبة القديمة بطبعاتها الجديدة. أخذا فى الاعتبار أن جوهر هذه المحاولة هو تجديد الرأسمالية أو تمديد عمرها بالرغم من الإخفاق فى إيجاد حلول ناجعة للأزمة المالية الأخطر فى التاريخى الانسانى وتداعياتها. أو بحسب المفكر الاقتصادى الألمانى «وولفجانج شترييك»: «محاولة شراء الوقت» «Buying Time».
بيد أن الجديد الذى بات يمثل إعاقة حقيقية لمخططات القوى الكونية ومؤسساتها فى المرحلة الانتقالية ما بين أزمة 2008 الكارثية والتأسيس لمرحلة تقودها القوى الجديدة (الصين والولايات المتحدة بالأساس، فألمانيا وفرنسا مع باقى أوروبا الأطلسية، فروسيا والهند، البرازيل،...)؛ أقول إن الجديد هو أن هناك تحولات داخلية جذرية تمس الجسم الاجتماعى فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والقارة الأوروبية بكل دولها: الشمالى والجنوبى، والشرقى والغربى على السواء. وهى تحولات تُلقى بظلالها على باقى دول العالم بفعل ثورة الاتصالات بدرجة أو أخرى (أحدث حالة تأثرت بما سبق الحالة الأرمينية). وجوهر هذه التحولات الجذرية، يتمثل فى الحراك القاعدى الذى يرفع «لاءات ثلاث» كما يلي:
أولا: «لا للمؤسسات القديمة. ثانيا: «لا للنخبة القديمة السياسية والاقتصادية». ثالثا: «لا للأفكار والسياسات المتواترة منذ منتصف القرن العشرين». ويتشكل هذا الحراك من الطبقات والشرائح الوسطى والفقيرة، بتنويعاتها الجديدة. وكتلة شبابية عريضة منها من ينتمى للشرائح الثرية ولكنه متمرد عليها وعلى أفكارها. وطلبة الجامعة وثانوى الذين أصبحوا رقما مهما فى الحراك. وتتراوح انتماءات هذا الحراك بين الحركات المواطنية الجديدة ذات المطالب الحقوقية. والتكتلات الشعبوية المتجددة. وينتظمون فى «حركات» جديدة أو أحزاب جديدة لمنافسة الأحزاب القديمة. وظنى أن العقل الأوروبى الأكاديمى أو السياسى من خلال الاتحاد الأوروبى قد انتبه لهذه التحولات فكانت له مساهمات مهمة فى هذا المقام. بداية من إثارة الحديث عن «اللامساواة» وما يترتب عليها من اختلالات. ومحاولة فهم طبيعة التحركات القاعدية بعيدا عن «الكليشيهات» النمطية.(عرضنا للكثير من حصيلة هذه المساهمات فى مقالاتنا من قبل). ما كان له أثره على نقاشات المنتديات العالمية مثل: دافوس، وفالداى الروسي، والفى 4،...،إلخ، التى يحضرها السياسيون، وممثلو الشركات الكبرى، والاستخباراتيون،...،إلخ.
وما يهمنا اليوم، هو رصد جدول أعمال النقاش الذى يشغل بال العالم اليوم من خلال متابعتنا وذلك كما يلى:
أولا: الأثر الاحتكارى الذى تمارسه شركات الطاقة ومثيلتها التكنولوجية على الأوضاع الاجتماعية الداخلية للدول ومنها نظام العمل، من جانب. والعلاقات السياسية بين دول العالم من جانب آخر. وهى الإشكالية التى وضعناها مرة فى صيغة سؤال مفاده: إلى متى ستظل نخبة العالم تربح نفسها وتخسر مواطنى العالم؟ أو بلغة أخرى هل تستقيم الحياة تحت ظل الاحتكار؟.
ثانيا: الصعود البارز/المركب «القومى والوطنى والثقافى والطبقى» «المُقاوم» للعولمة بتجلياتها.
ثالثا: عودة الحديث عن قضايا: السيادة والحدود والثقافة الوطنية، ودور وطبيعتها الدولة تجاه الخارج والداخل،...،إلخ.
رابعا: تراكم الأخطار التى يواجهها النظام الاقتصادى العالمى والتى من ضمنها ــ جبل الديون ــ بحسب جاييل جيرو، والعجز المالي، والاختلالات الحادة فى كل عناصر النظام الاقتصادى والمالي.
خامسا: الحاجة الملحة لمراجعة كل أنظمة الضمانات الاجتماعية، والقوانين الخاصة بالعمل، والضرائب،...،إلخ.
سادسا: بزوغ ظواهر اجتماعية خطيرة تهدد تماسك المجتمعات الغنى منها والنامى دون تمييز مثل: عدم وجود مساحات مشتركة بين النخب والعامة، أو بين الأغنياء والفقراء، أو بين الأجيال، وهى ظاهرة باتت مثار حوار فى فرنسا(نعود إليها فى مقال لاحق).
سابعا: أثر التغيرات المناخية ــ ككارثة أحدثتها الرأسمالية الشرسة ــ على واقع الفقراء.
ثامنا: هل من سبيل لتوسيع مساحة الشراكة فى الثروة والسياسة. والإجابة عن هذه الإشكالية تعنى إعادة النظر «جوهريا» فى أمرين هما: المنظومة الاقتصادية، والعملية الديمقراطية.
تاسعا: أى نموذج تنموى لحياة المواطن فى ظل الثورة الصناعية الرابعة؟. عاشرا: أى أنظمة تعليم، وثقافة نحتاج إليها مع نهاية المرحلة الانتقالية؟
إنها مرحلة حرجة وقلقة...إنها مرحلة مخاض صعب ستأتى بالجديد المغاير تماما لكل قديم عرفته البشرية... من هنا يأتى استنفار العقل الإنسانى فى محاولة الاستجابة للتحديات من خلال تحديد القضايا الإشكالية التى يجب الانشغال بها، والانخراط الجماعى الحر فى النقاش حولها... ونحن مدعوون أيضا إلى المساهمة الفاعلة فى هذا الحوار الكونى الذى سيحدد مصير البشرية.