الزمن الرقمى (3): تخنق «أربطة» العنق التفكير الجديد

مقولة باتت شائعة فى «الزمن الرقمي»...وهى تعكس «حدة» الأزمة بين تفكير قديم لم يعد صالحا فى زمن تتغير فيه العقول بإيقاع مطرد.

فبفعل التقنيات الرقمية تنشط العقول و«تتغير» ولا فرق فى هذه الحالة بين غنى وفقير ولا بين متعلم وغير متعلم، وبطبيعة الحال بين شاب أو كهل. فالتعاطى مع «الشاشة الرقمية» يحفز الجميع ويزيد من القدرات العقلية بدرجة أو أخري. وهو ما حاولنا أن نثبته فى مقالينا السابقين.



«تغيُر»، أسس لزمن جديد هو زالزمن الرقميس. ولجيل جديد هو جيل «الانترنت». أو «لمواطن الشبكى» أو «المواطن الرقمى»...أو «جيل ما بعد جوجل»؛ على اعتبار أن الحياة بعد اكتشاف «جوجل» (المحرك الانترنتى العابر لكل الحواجز) اتسمت بملامح مختلفة كليا عما قبلها. «اختلافات»؛ طالت رؤى الجيل الجديد تجاه المجتمع والعالم والجيل القديم. ما يتجلى فى تفكيرهم وسلوكياتهم وردود أفعالهم. وفى هذا المقام نرصد ثلاثة ملامح أساسية تميز «جيل الانترنت» وذلك كما يلي: أولا: الانقطاع «لجيلى»؛ حيث يتطلع «شباب جوجل» إلى التمايز عن جيل الكبار فى كل شىء. وتمكنهم التقنيات الرقمية من ذلك. ثانيا: فك الارتباط بالمرجعيات التقليدية من مؤسسات تنشئة معترف بها تاريخية مثل:الأسرة، المدرسة/الجامعة والمؤسسة الدينية. كذلك عدم الاعتداد بالوسائط الطبيعية القديمة الجامعة للشباب. وعليه صار، مثلا، «الكافيه» و«السيبرنت» بتجلياته المتنوعة، مثلا أحد أهم مجالات التقاء الشباب. ثالثا: الرغبة فى خلق «عوالم» (مع عالم)، أو «دنيا» جديدة مستقلة عن «جيل ما قبل جوجل». ومع مرور الوقت، تتسارع التقنيات الرقمية فى تجددها بوتيرة غير مسبوقة. ما يزيد من اختلاف الجيل الجديد كليا وتنامى تطلعهم نحو الأرقى بحسب ما تزرعه فيهم «شبكة الانترنت»...والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة كيف يمكن لمؤسسات التنشئة والتعليم أن تواجه الزمن الرقمى وجيله...

يبدو لى أننا نحتاج أن نعيد النظر فى عمليات التنشئة والتعليم. ففكر ولغة وسياسات زمن ما قبل جوجل لم تعد تجدي. كيف؟ وسوف نركز حديثنا على العملية التعليمية المطلوب توفيرها...

نشير بداية إلى تجربة حدثت فى الولايات المتحدة الأمريكية فى سياق حديث عن التعليم فى زمن «جيل الانترنت»...ففى عام 2008 ظهر فى اليوتيوب فيلم عن حال التعليم فى أمريكا. فماذا جاء فيه؟

«فى البداية تظهر صورة فصل خال من الطلبة ويغلب عليه اللون الرمادى الكئيب، وتوحى وحشته بأنه لم تطرأ عليه تغييرات كثيرة منذ مطلع القرن التاسع عشر، وما أن توضع سبورة لتعين المدرس فى الشرح يبدأ الفصل فى الامتلاء... ومع طول زمن الشرح من خلال السبورة. ينتقل الفيلم إلى عام 2007 حيث نرى الفصل يعود إلى كآبته مع اختلاف بسيط هو ظهوره بالألوان هذه المرة. بيد أن الألوان لم تستطع أن تخفى حالة الملل التى تتملك الطلبة...وفجأة يبدأ الطلبة فى رفع لافتات تعكس موقفهم من «العملية التعليمية». وفى دقائق معدودات يبلور الفيلم هذا الموقف من خلال أرقام وكلمات مفتاحية كما يلي: «فى فصلى 115 طالبا، 18% فقط من أساتذتى هم من يعرفون اسمى، لا أكمل إلا 49% فقط من مهام القراءة المكلف بها، أشترى بـ 100 دولار كتبا دراسية لا أفتحها أبدا، سوف أقرأ 8 كتب هذا العام، 2300 صفحة ويب، 1281 صفحة شخصية على الفيس بوك، سوف أكتب 42 ورقة بحثية فى هذا الفصل الدراسي، وأكثر من 500 صفحة كرسائل بريد الكتروني، لن تكون هناك فسحة من الوقت لممارسة الرياضة أو النشاطات المدنية لخدمة الحى،... عندما أتخرج لابد لى وحتى أجد عملا أن أعمل فى وظيفة جديدة تتناسب واقتصاد المعرفة، هل سوف تخدم العملية التعليمية هذا الأمر... وينتهى الفيلم برفع فتاة «لنموذج اختبار حيث علقت عليه أنه اختبار لن يفيدنى فى حياتى العملية».

أثار هذا الفيلم الذى أعده أحد علماء الأنثروبولوجيا الثقافية فى كنساس بالتعاون مع 200 طالب وطالبة الكثير من النقاش. خلاصته.

أولا: تعليم عصر الصناعة فى بعض المجتمعات والزراعى للبعض الآخر والريعى للبعض الثالث، لم يعد مناسبا للعصر الرقمى. وعليه لابد من ربط التعليم بما بات يعرف «باقتصاد المعرفة».

ثانيا: العملية التعليمية لابد ان ترتبط بالواقع ومستجداته وطرق التفكير واكتشاف الحلول الناجزة المبدعة لتقدمه. وربط التعليم بخدمة الحى والمجال العام.

ثالثا: الطالب/الطالبة أصبح لهما رأى فى العملية التعليمية. ومن ثم لابد أن يشتركوا فى التخطيط لها وفى تحديد مضمونها.

رابعا: أنهم يرون العملية التعليمية عملية شاملة متعددة المستويات.

خامسا: التعلم تجاوز الجدران الأربعة للمنشأة التعليمية. فالطلبة أصبحوا يدرسون عبر التواصل الرقمى (التعليم أون لاين).

سادسا: بات التفاعل التعليمى الانسانى والرقمى ضروريا.

سابعا: لم يعد دور العملية التعليمية أن توفر وتحتكر المادة التعليمية بل مساعدة الطلبة على الاكتشاف...

بذلك تنحل كل «أربطة العنق»...نتابع..


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern