فى يومى 7و8 يوليو الحالى، انعقدت قمة العشرين بمدينة هامبورج بألمانيا تحت شعار: «تشكيل عالم متشابك». وبالرغم من الإعداد الجيد ـــ نسبيا ـــ لفعليات اللقاء. والشراكة المميزة للمجتمع المدنى فى إعداد «أجندة القمة». كذلك حضور الرئيس الأمريكى ترامب اللقاء للمرة الأولى بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الحصيلة الختامية للقمة ــ وبحسب الدوائر العلمية والإعلامية والسياسية الغربية المتابعة ـــ جاءت مخيبة للآمال...لماذا؟
أولا؛ لم تحظ التحولات النوعية السياسية، التى طالت التراكيب السياسية من: أحزاب وقوى سياسية، ومؤسسات، وسياسات ـــ ليس فقط فى الدول الأوروبية ـــ بل كثير من دول العالم. وهى التحولات التى من أهم ملامحها التحرك القاعدى لما نطلق عليه الحركات المواطنية الجديدة مع القوى الشعبوية المتجددة خارج الأحزاب السياسية التى تعود شرعيتها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهى كتل تنادى بتأسيس لشرعية جديدة. خاصة مع التحولات الديموجرافية، والجيلية، والطبقية،...،إلخ.
ثانيا؛ اجتمعت قمة العشرين تحت مظلة «شرعية العولمة» بحسب ما جاء فى وثائقها الأساسية. وهى «المظلة/الشرعية». بالرغم من أنها تعرضت لكثير من الانتقادات ليس فقط فى الدوائر الأكاديمية والسياسية ـــ خاصة بعد أزمة 8002 الاقتصادية الأسوأ فى التاريخ ـــ وإنما فى الأوساط الجماهيرية من الطبقات الوسطى والدنيا. ولعل التظاهرات الاحتجاجية التى عبر عنها أهل «هامبورج» والتى لم ترفع إلا شعارا واحدا هو «رفض العولمة وسياساتها» تؤكد ما سبق. ويلاحظ هنا الرسالة الرمزية المتضمنة لهذه التظاهرات التى حملها أهل هامبورج نيابة عن جماهير العالم. أخذا فى الاعتبار أن هامبورج ليست مدينة عابرة أو فقيرة. حيث تعد من الولايات المانحة فى ألمانيا. ويصل الناتج الإجمالى لها إلى ما يقرب من 001 مليار يورو. ولديها صناعات مهمة مثل: الصناعات الكيماوية، والكهربائية، وبناء السفن العملاقة، وصناعة الطائرات، كذلك صناعة النشر. إذن الأمر أكثر من أن يوصف «بالشغب» ـــ وهذا ليس تبريرا للعنف ــ ولكن ظنى أن ما حاول أهل هامبورج توصيله لقادة العالم بسيط للغاية هو «ان العولمة لم تعد صالحة للتطبيق» فلقد أصابت البشرية باختلالات غير مسبوقة فى تاريخها . ومن ثم «عليكم أن تجدوا البديل العادل»...
ثالثا؛ على الرغم من الحالة «السائلة» التى يمر بها العالم والتى أقر بها مؤتمر الأمن الأوروبى فى فبراير الماضي، خاصة فى مجال الجغرافية السياسية. والتنامى الناعم لما يمكن وصفه «بالحروب الهادئة» فى كثير من بقاع العالم إلا أنها لم تنل اى اهتمام. لا مسألة أوكرانيا، ولا دول البلقان التى لها رؤى مغايرة لحضورها الأوروبى يختلف عن الرؤية الروسية. كذلك الشأن السورى وحسمه بين بوتين وترامب. كذلك ما يحدث فى بحر الصين،...، والمسألة التركية وعلاقتها بألمانيا،...، إلخ. كلها قضايا تم تعليقها وتسويفها لوقت لاحق.
رابعا: بالرغم من أن «الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق والعولمة» كلها قد نالها من النقد الشديد على مدى عقد من الزمان. ومن ثم كان من الأهمية بمكان أن تأتى قمة العشرين لتناقش قضايا كبرى حيوية تتعلق بمستقبل العالم وسد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. إلا أن قمة العشرين الأخيرة مالت لمناقشة القضايا الصغرى الإجرائية «Minor Issues»، من عينة: «إدانة الحمائية التجارية» (وقد وافقت عليها الولايات المتحدة الأمريكية بحسب ما جاء فى البيان الختامى بالرغم من ترامب يدافع عن هذا المبدأ)، و«حق الدول التى تدفع ضريبة الإغراق باللجوء إلى أدوات مشروعة للدفاع عن نفسها فى مجال التجارة» الالتزام باتفاقية باريس المناخية بالرغم من انسحاب ترامب ــ أمريكا منها. والأخطر الالتزام بتسهيل وصول الطاقة المشعة واستخدامها والعمل ــ نلاحظ فى نفس الوقت ـ على نشر «الطاقة المتجددة النظيفة». وهنا يعتمد البيان المبدأ ونقيضه. بالرغم من وعود كثيرة من قبل عبر مواثيق عالمية بنشر «الطاقة النظيفة فى كوكب أخضر»...وربما تكون قضية الارهاب هى القضية الوحيدة التى حظيت بإجماع على ضرورة مواجهتها والتنسيق فيما بين الدول لوجستيا وماليا وتقنيا و«عملياتيا».
الخلاصة، جاءت قمة العشرين تحاول ان تتعاطى مع الأمر الواقع باعتباره «ساكنا»...وكأنما لا هدف له سوى بقاء الأمر على ما هو عليه للحفاظ على شرعية ما هو قائم...«شرعية العولمة»...والتى أظنها تهتز بشدة...ولكن يبدو أن الشركات المتعددة الجنسية التى رعت اللقاء لها رأى آخر...
فالتسويات السياسية النخبوية الهشة، لا يمكن أن تصمد أمام التحولات النوعية التى يشهدها العالم والمواقف القاعدية الصارمة..
لذا جاءت نتائج قمة العشرين أدنى بكثير مما هو متوقع. وهو رأى أجمع المراقبون عليه من جميع الاتجاهات. والأهم أن المستشارة الألمانية ميركل نفسها قد أقرت بما يلى: «أعتقد أنه من الواضح تماما أننا لم نتمكن من الوصول لتوافق لكننا لم نضع حدا للخلافات ولم نخفها»...ويمكن أن تكون هذه العبارة مقبولة ــ ذلك لأن الخلاف لا غبار عليه فى ذاته شريطة مناقشة القضايا الكونية الحقيقية التى تمس الانسانية.