«فيتشيجراد»؛ هي الاسم الأبرز الذي أطل علينا من خلال وسائل الإعلام المصرية الأسبوع الماضي. والسبب هو زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لحضور الاجتماع الدوري لمجموعة الـ «4V»، بدعوة من المجر التي تشغل رئاسة المجموعة في دورتها الحالية...وهو حدث مهم بكل المقاييس نظرا لأهمية هذه المجموعة...وأهمية أن تتعاون مصر معها...وظني أن الإعلام المصري لم يعط الحدث القدر الكافي من الأهمية...فما قصة هذه المجموعة؟ وما أهميتها؟
تأسست مجموعة الـ «4V» من ثلاثة دول هي المجر، وبولندا، والتشيك في 15 فبراير 1991. وأعلن عن هذا التجمع في قلعة «فيتشيجراد شمال المجر على ضفة نهر الدانوب الذي خلده الموسيقار النمساوي شتراوس». وفي عام 1994 انضمت السلوفاك إلى التجمع. لذا عرف التجمع بالـ«4V» (الـ «V» نسبة للحرف الأول من اسم المكان).
كانت هذه الدول تنتمي قبل شهور فقط من تأسيس المجموعة إلى المنظومة الاشتراكية منذ 1917. ولكن بعد أن تفكك الاتحاد السوفيتي رأت هذ الدول أنه من الضرورة أن تتحالف فيما بينها وتؤسس شكلا من أشكال التعاون في المجالات: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، لمواجهة الوضع الجديد الذي طال أوروبا الاشتراكية. وقد فرض عليهم الانخراط في هذا التجمع ما يلي: أولا: التماثل النسبي في درجة التطور الاجتماعي بين هذه الدول. ثانيا: التشابه الذي جمع بينهم من حيث الانتماء للمنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي والذي فرض عليهم جماعية المواجهة ضد المعسكر الغربي الرأسمالي منذ الحرب العالمية الأولى فالحرب الباردة إلى نهاية الثمانينات. والتشارك فيما ترتب من مواجهات من نتائج. ثالثا: الجغرافيا السياسية التي تضعهم في القلب الأوروبي في شكل دائرة: المجر في ثلثها الأسفل، يعلوها في المنتصف التشيك والسلوفاك فبولندا. ومن ثم امكانية اتخاذ المواقف الموحدة كتجمع يمثل أوروبا الوسطى.
وقد وضعوا في إعلانهم التأسيسي خمسة أهداف نجملها كما يلي: الأول: استعادة الاستقلال، والديمقراطية والحرية. الثاني: رفع كل ملامح الدولة الشمولية التي عرفتها هذه الدول على مدى عقود: اجتماعيا، واقتصاديا، وروحيا. الثالث: بناء نظام ديمقراطي برلماني، ودولة قانون حديثة تحترم حقوق الإنسان والحريات. الرابع: الأخذ باقتصاد السوق الحر. الخامس: الاندماج في الشراكة الأوروبية سياسيا واقتصاديا وأمنيا وتشريعيا.
صمد هذا التجمع على مدى ربع قرن وتطور التعاون البيني فيما بينهم في المجالات: الدفاعية، والتنموية، وصناعة الرعاية الصحية، والأمن السيبرنتيكي، والرقمنة في شتى القطاعات، والطاقة بأنواعها من حيث بنيتها التحتية وسياساتها، والمواجهة المشتركة للكوارث، والتبادل التجاري، والتقنيات والسياسات الزراعية، واقتصاد المعرفة، والتطوير العلمي والتجديد التكنولوجي. ويشار هنا إلى أن الناتج المحلي للمجر ولبولندا يتجاوز الـ 200 و600 مليار دولار على الترتيب. ويبلغ متوسط نصيب الفرد في البلدين الـ 20 ألف دولار. كما تتمتع دول المجموعة بحيوية سياسية حيث يوجد بها حركات مواطنية قاعدية بازغة جديدة بالإضافة للأحزاب القديمة وخاصة في المجر والتشيك والسلوفاك. ويشار أيضا إلى النشاطات الثقافية الممتدة اليومية التي يتم تنفيذها وفق جدول سنوي التي يتم تنفيذها بين دول المجموعة.
كما تتعاون المجموعة مع كثير من دول الجوار الأوروبية وفق سياسة منهجية موضوعة بعناية. حيث لدى المجموعة «مركز تفكير» يقوم بوضع الأولويات والتوصيات والاستراتيجيات لرئاسة المجموعة سنويا وفق تحليل علمي تشارك فيه شبكة من المراكز والمعاهد البحثية والاستراتيجية. كما لدى المجموعة صندوق لدعم التنمية والتعاون والشراكة مع دول الجوار في البلقان وشرق أوروبا.
ومن أهم ما استطاعت أن تنجح فيه هذه المجموعة هو إدارة حوار ندي بينها وبين الاتحاد الأوروبي حررها من الإذعان بالكامل للإجراءات الاقتصادية المجحفة التي يفرضها الاتحاد على دول الجنوب الأوروبي مثل اليونان. كما امتلكت ارادة سياسية مكنتها من اتخاذ موقف صارم تجاه المُهجرين على غير رغبة ألمانيا وغيرها من دول أوروبا التي كانت مستعدة لقبولهم...
إن تجربة مجموعة «فيتشيجراد»؛ جديرة بالدراسة، كما أنها جديرة بأن نستفيد منها...فدول هذه المجموعة خرجت من مرحلة ممتدة تتسم بالشمولية وناضلت ولم تزل تناضل من أجل أن تنجز التحول الديمقراطي. كما أن خيارها بالأخذ بنظام اقتصاد السوق كان مقيدا بالحرص على العدالة الاجتماعية وبالتقدم في شتى القطاعات في إطار اقتصاد المعرفة. كما حرصت على أن تؤسس لعلاقة جديدة بين المواطن ومؤسساته الحكومية والمدنية والدينية. كذلك التحرك الإقليمي المدروس. والعناية الشديدة بالتكنولوجيا الرقمية وتوطينها والأخذ بها في كل المجالات وفق تعاون جماعي في مجالي الشئون الرقمية والابتكارية. ويشار أن كل ما تقدم يعتمد على التفكير العميق من خلال مركز التفكير المعتمد للمجموعة وبحسب وثيقة مفهومية حاكمة...وهي كلها مساحات نحتاج فيها إلى خبرة الآخرين...بالإضافة طبعا لتطوير أي نشاطات سابقة...
إن توجه مصر، متمثلا في الزيارة الرئاسية الأسبوع الماضي، نحو مجموعة دول فيتشيجراد للتعاون والاستفادة من تجربتهم في عديد المجالات، يعد خطوة صائبة ومتميزة نتمنى لها النمو والتقدم...ما يستلزم وجود مجموعة عمل دائمة بين مصر والـ «4V»...