«فالجماعة التى أغلقت على ذاتها أى محاولة لنقد منهجها وأفكارها بطرد كل العناصر الإصلاحية من داخلها والتنكيل بها، لم يكن لها أن تستمع إلى أى صوت ناقد من خارجها، وهكذا قطعت الجماعة على نفسها طريق الأمل فى الخروج من شرنقة الفكرة المؤسسة والاستجابة للواقع المتغير حولها»...
بهذه الكلمات تقدم دورية «رؤى مصرية» عددها عن الإخوان المسلمين بعد 30 يونيو: «انقسامات حادة ومستقبل غامض»؛ من خلال تسع مقاربات لباحثين شباب متميزين. قدمنا لخمس منها الأسبوع الماضى تناولت: أولا: الصراع على التنظيم. وثانيا: المحددات النظرية لتحول الأحزاب الدينية إلى جماعات عُنفية. وثالثا: التقاطعات بين الجماعة والقاعدة. و رابعا: الجماعة بين ثورتين وهل كان فشل تجربة الحكم حتميا؟. وخامسا: خيارات الإخوان المستقبلية: العنف أم المصالحة؟...
وتتواصل الرؤى بطرح سادس من ابراهيم عامر يناقش فيه موقف «الإخوان والسلفيين من الخلاف على الولاية الدينية إلى الصراع على الهيمنة السياسية». والتى تعد مصدر تساؤل دائم من الباحثين والسياسيين والجمهور. وبداية يقول الباحث: «مازالت جماعة الإخوان مكونا مختلفا يصعب فهمه، ومن ثم هضمه داخل المجتمع». وهى «فى بنيتها الفكرية وتوجهها السياسى أقرب لجبهة أو مظلة جامعة لتيارات إسلامية مختلفة فى الفكر السياسى منها إلى تنظيم سياسى محدد المشروع والبرنامج». أما الحركة السلفية فلا يمكن أن نتحدث عن «كتلة واحدة تسمى التيار السلفي». وانطلاقا من هذه النقطة يحاول الباحث أن يضع ملامح كل اتجاه بدقة من حيث التوجه والتنظيم وتكوين الأعضاء، وأوجه الاتفاق والاختلاف،...،إلخ. ويتتبع العلاقة التاريخية بينهما قبل الثورة وبعدها. والتراوح بين المعارضة والتأييد من قبل التيار السلفى للجماعة بالرغم من عدم الاختلاف على الهدف الرئيسى ألا وهو تطبيق المشروع الإسلامي. وحول مستقبل العلاقة بينهما يضع الباحث ثلاثة سيناريوهات كما يلي: سيناريو تصاعد الخلاف والاتهام المتبادل بالمسئولية عن الفشل. سيناريو التقارب والتفاهم، ودور السلفيين فى التوسط. وأخيرا سيناريو بناء توافقات جديدة يقوم بها الجيل الجديد من أعضاء الجماعة والتيار ومواكبة المستجدات.
ويقدم مهاب عادل حسن رؤية أخرى سابعة ــ حول ما أطلق عليه: «الأفول المحتمل». حيث يناقش مستقبل الجماعة فى ضوء التحديات الإقليمية والدولية الراهنة. وينطلق الباحث من فكرة جوهرية هى «افتقاد الجماعة شرعيتها فى مصر ارتبط بالانقسام الكبير الذى شهدته البنية التنظيمية الداخلية للتنظيم». وهى حالة امتدت إلى «فروع عدة فى المنطقة العربية». يضاف إلى ما سبق ضغوط بعض القوى الإقليمية لتقويض نفوذ فروع جماعة الإخوان فى داخلها. والتى كانت ذروتها «الضغط فى اتجاه تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي». وتنامى نفوذ قوى اليمين المتشدد فى أوروبا وأمريكا وتزايد ظاهرة الإسلاموفوبيا. ويشير الباحث إلى أن تجنب الأفول يرتبط بإقدام الجماعة على خطوات للإصلاح الهيكلى وكذا رؤيتها ومنهاجيتها فى التعامل مع مفهوم الدولة القومية فى مصر الذى تسببت له الجماعة فى أضرار كبيرة وتجاوز المراجعات النمطية. وإلا فالبديل هو «الأفول».
وعن «الجمود الفكري»؛ يسهم الباحث مصطفى كمال ـــ فى الرؤية الثامنة من رؤى مصرية ــ فى الاقتراب من قضية حيوية ومهمة وأساسية وتتعلق بإشكالية: «فصل الجماعة للعمل الدعوى عن السياسي»؛ ـــ وهى قضية شغلتنى مبكرا وأثرتها فى ورقة عام 2005 عن علاقة الدينى بالمدنى والدعوى بالسياسى . وها هي، بعد ما يقرب من 20 سنة، لاتزال هذه الإشكالية محل بحث. يؤصل لها الباحث منذ تأسيس الجماعة، ويخلص إلى ما يلي: «تتجلى أزمة العلاقة بين الدعوى والسياسى عند الجماعة فى أن المنظرين للجماعة يروجون فيما يتعلق بالسياسة ومناهج الحكم لمنهج يقترب من التراث ويكاد يكون منفصلا عن الواقع ومتغيراته، مع محاولة البحث عن تفسير مقبول لهذا الواقع وآليات لمواجهته». ومثال ذلك تفسيرهم لسقوط الخلافة لغياب الالتزام بالإسلام الحقيقي. فظلت مسألة الخلافة غاية تعبدية، مع إغفال جميع التطورات التى طرأت على مفهوم الدولة والحكم والنظام السياسي، والتى عرفت طريقها إلى الواقع من خلال التجربة الإنسانية أو الخبرات التاريخية التى يعد الإسلام نفسه ومنتجاته جزءا منها». ما جعل الجماعة ترفض الحزبية لعقود. ومع تأسيس حزبهم تعددت الأخطاء وتضاربت المواقف. وعن المستقبل يشدد الباحث على ضرورة الفصل إلا أنه يرى أنه فى ظل الانقسام الداخلى للجماعة سوف تميل ــ فى الأغلب ــ نحو العنف والتشدد.
وأخيرا يحدثنا بهاء محمود عن التمويل. ويشير إلى صعوبة تحديد حجم التمويل خاصة مع التداخل بين التبرعات والصدقات والتمويل المنظم من مؤسسات يحدد بعضها، وقيمة ما دفعته فى سنوات متنوعة. ويؤكد تأثير المصادرة فى التضييق على الجماعة. بالإضافة إلى الانقسام والاختلاف وضعف القدرة على الحشد.
رؤى مصرية أصيلة ورصينة حول ملف حيوي. رؤى شابة متحررة من التحيزات الغربية والسياسية...تحية لكل من ساهم فى هذا الجهد الجاد...