مصر:المقاومة للزمن والقائمة دوما بمواطنيها

مصر الجمال الدائم، المقاومة للزمن... فأرضها يخترقها نهر ينبض بالحياة أعطي لها سمة الأبدية وفيها تعانق الماء مع اليابس ومد يده بالحب للطائر والحيوان والإنسان ليرتبطوا جميعا في كمال ووحدة أزلية.. فمصر «لم تأت من فراغ ولم تكن وليدة صدفة أو مجرد لحظة إبداع، ولكنها كانت بناء فلسفيا جعل من «الوطن فكرة» ينتصر بها الفرد علي هشاشته وعمره الموقوت ويتصالح بها مع حتمية نهايته من خلال دوام واستمرار هذا الوطن» بمواطنيه...الكلمات السابقة وردت في كتاب: «صناعة مصر» 2003 «Egypt,s Making» لأحد علماء الحضارة المصرية المحدثين اسمه مايكلرايس».



ففي هذا الكتاب يشرح رايس، بعبقرية سر العلاقة بين أرض مصر ومن يسكن علي أرضها. حيث الأرض تصبح أقرب إلي الجسم الذي يحتوي جميع الأجسام بحسب أحد المفكرين. وعليه تصير علاقة الإنسان بالأرض (الطين، والنيل) أكثر من أن تكون تاريخا وعادة وأُلفة وعبورا. إنها علاقة كينونة وصيرورة...وهي العلاقة التي عبر عنها فيلسوف العامية شاعرنا الكبير صلاح جاهين بالكلمات التالية:

«ما تعرفيش يا حبيبتي ...أنا وانتي مين؟...

إنتي عروس النيل...وأنا النيل بذاته»...

في هذا السياق، مرت علي بهية الكثير والكثير. تارة تظلم من أولادها. وتارة تتعرض لكل صنوف الألم والعذاب من الحكام الوافدين، ومن المستعمرين. وتارة من اللاعبين المختلفين في لعبة الإقليم والأمم. إلا أنها كانت «تقاوم، وتقوم»...ولكن الأخطر فيما سبق هو أن تتعرض للدماء علي أيدي من ولدوا من رحمها...ولكنها كانت دوما «تضمد وتصفح» و «تقاوم وتعبر وتقوم»...وبحسب وصف أدونيس الشاعر الكبير: «تحيط الأرض ــ الأم بجسم ابنها وتتخطاه. فيها وبها يتكون، وفيها يذوب. منها يظهر وفيها يغيب» وعلي أرضها يثور، وينتج، ويبني، وأحيانا يسترخي، ويستهلك، ويهدم،...لكن بالأخير تحتضنه الأرض وتحتمل الانحراف ثقة في أنه يعود لتلده من جديد ليعاود من خلالها القيامة والنهوض والتقدم...

لذا كان محقا المؤرخ العلامة محمد شفيق غربال في كتابه: «تكوين مصر» أن يقول: «مصر هبة المصريين». ذلك لأن هذا التكوين كان من صنع المواطنين «المصريين»...ما أصبغ عليها من سمات المصريين وروحهم. ومصر هنا هي العابرة للزمن والحية والشاهدة إلي الآن وإلي ما شاء الله...وعليه صارت «الأرض» ذات قيمة كبيرة لدي المصريين...مهما شوهها البعض، وجرحها البعض الآخر، و «قصر معها» البعض الثالث،...إلا أنها ستظل في أعين الأغلبية ــــ دوما ـــ ناطقة وحية وسيدة جميلة ذات هوية: نطلق عليها: تارة «إيزيس» وتارة «مريم» وتارة «بهية»؛ ولكن الكيان هو هو.. وبالخبرة التاريخية أجمع المصريون ـــ رغم الشدة والبلاء وقسوة الحكام الوافدين ـــ علي وصف مصر: بـ «المحروسة» والكنانة وأم الدنيا وأرض الفرح...

في خضم أحداث الأحد الدامي، رأينا نورا يتمثل في عدد من «الموحدات» رغم ما يبدو من انقسام، وغضب، وسجال،...،إلخ. يتجلي الموحد الأول في: رفض وطني جمعي ــ يعبر عن التيار الرئيس للمصريين علي اختلاف ألوانهم ــ للعنف والتدمير. أما ثاني الموحدات فيتمثل في: الطمأنينة إلي حضور الجيش كأحد مؤسسات الدولة الحديثة لتأمين الأمن المطلوب وعدم الاختلاف علي عملية حق الشهيد. وأخيرا الموحد الثالث الذي يعكس رغبة حقيقية في استعادة مصر المقاومة/ القائمة...المقاومة لكل أشكال الشر. والقائمة علي كل المستويات لتكون في مصاف الدول العظمي.. ولكن ما هي ملامح مصر: المقاومة/ القائمة..

مصر التي ــ أظنني ــ أرانا نتوحد حولها ونتوسل حضورها تتسم بما يلي: أولا: المركب الحضاري الثري بغض النظر عن الأوزان النسبية لعناصره. ثانيا: الجدل بين الأرض ومواطنيها ما يحتاج إلي وعي وثقافة لإدراك هذه العلاقة. ثالثا: الجمال الدائم ما يعني تجديد حضاري وعمراني غير مسبوق. رابعا: فهم جوهر أن مصر صاحبة اختراع: «ساعة لربك وساعة لقلبك» أو التدين الناعم لا التدين الصلب. إنها العلاقة المتصالحة بين العقل والروح (لاهوت إكليمنضس وفقه الليث بن سعد وابداع طه حسين ولويس عوض. خامسا: مصر التنموية العادلة والحرة.

مصر التعددية المجتمعية: السياسية، والمدنية، والثقافية.

وبعد، إن تمسكنا بالموحدات السابقة. وبمصر المقاومة/ القائمة كما أوضحنا. هو السبيل الوحيد لتجاوز اللحظة التاريخية الشريرة. شريطة حضور مواطنيها في هذه العملية المركبة. انطلاقا من الصيغة التاريخية الحضارية التي تربط بين الوطن ومواطنيه. حيث هذه الرابطة هي المدخل لبلوغ «مصر الجمال الدائم»...في مواجهة «الشر الداهم» الذي: تمدد من الأطراف إلي المراكز...وتسلل من الحدود إلي الحواضر ليحاصر الجميع دون أن يفرق بين أحد وآخر.. ويكاد يخنقنا.. إلا أن مصر المقاومة للزمن، والقائمة من عثراتها ـــ بمواطنيها جميعا دون تمييز ـــ سوف تنتصر وتفرح علي جميع الأصعدة...والمجد للشهداء: شهداء الإقصاء الديني، وشهداء الاستبداد السياسي والاستغلال الاقتصادي عبر العصور. علي وعد بحسب قول شاعر النيل حافظ ابراهيم: بـ بوقفة الحزم و«بعزمة المستعد»...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern