8 أفراد يملكون ما لدى 4 مليارات نسمة...

قنبلة من العيار الثقيل، أطلقت منتصف هذا الشهر...مضمونها معلومة تقول إن:
ثروة الـ8 أفراد الأكثر غنى في العالم،
تساوي ما لدى 3مليارات و600 مليون مواطن يعيشون على كوكب الأرض...


هذه الحقيقة المرعبة التي تفوق الخيال الانساني، والتي وصفت بالقنبلة أعلنتها مطلع الأسبوع الماضي، مؤسسة أوكسفام التنموية الدولية. وذلك بمناسبة إعلان تقريرها السنوي عن مجمل نشاطاتها ومشروعاتها في بلدان العالم المختلفة. فلقد عكس الرقم الحالة التي وصل إليها العالم والتي تتسم بالاتساع المتنامي بين القلة الثروية والأغلبية الأكثر فقرا. أو ما بات يعرف في الأدبيات التنموية والاقتصادية بـاللامساواة في داخل الدولة الواحدة أو بين دول العالم وبعضها. وهي الحالة التي تعيد تشكيل الجسم الاجتماعي والطبقي بما ينذر بأوضاع مجتمعية حرجة...وتدليلا على حراجة الوضع يشير التقرير إلى أنه في الفترة من 1988 إلى 2011، زاد تمركز الثروة في أيدي الـ 1% الأكثر ثراءاً في العالم. كما تزايدت دخولهم 182 مرة خلال هذه الفترة...في المقابل، كان نصيب الفرد من الـ10% الأكثر فقرا في العالم من الزيادة 3 دولارات سنويا...ما يعني أن البشرية أصبحت في مواجهة كوارث حقيقية تمس مستقبل الكوكب. ولا تستثنى من ذلك دولة غنية أو أخرى فقيرة. فاللامساواة وغياب العدالة حالة ممتدة تعاني منها كل الدول بفعل سياسات الليبرالية الجديدة.ومن ثم لابد من المراجعة والمواجهة.

وعليه انشغلت الكثير من المؤسسات والأكاديميات ومستودعات الفكر بتدبر الأمر. فانطلقت موجة من الانتقادات للمؤسسات الدولية والمنتديات التي لم تزل تروج لتوجهات الليبرالية الجديدة حيث باتت تحملها الفجوة المتنامية بين من يملكون ومن لا يملكون وأثر ذلك على تردي وتراجع ونكوص وانتكاس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبالتبعية الحقوق السياسية والثقافية.

ولعل أبرز هذه الانتقادات قد نالها منتدى دافوس الذي تصادف عقده في اليوم التالي لإعلان أوكسفام تقريرها السنوي. بما حمل من أرقام وحقائق وملاحظات.من هذه الانتقادات نذكر ما يلي: أولا: انفصال نخبة دافوس (بما تضم من رجال مال وأعمال، وساسة، ورجال دولة حاليين وسابقين، وشخصيات عامة، وقادة للمجتمع المدني، وأجهزة مخابرات، وباحثين) عن الواقع الكوني وإشكالياته الحساسة. ثانيا: عدم مواجهة المنتدى للقضايا الحقيقية التي يواجهها غالبية سكان الكوكب. حيث يخصص وقته لنقاش ما يواجه هذه النخبة من مشاكل تعوق مصالحها. ثالثا: إهمال منتدى هذا العام لما أثاره كلاوس شوب مؤسس المنتدى على هامش لقاء العام الماضي بأن 62 شخصا يسيطرون على أصول تزيد على تلك التي يملكها نصف سكان العالم الأكثر فقرا(وهي تنويعة لما جاء في تقرير أوكسفام).

وأن مستقبل العالم تتهدده الأخطار التالية: اللامساواة، والصراع، ورفض الآخر...فعلى النقيض تماما. نجد لقاء المنتدى الراهن ينعقد تحت عنوان:القيادة المستجيبة والمسئولة؛ وذلك من أجل مواجهة تنامي الشعبوية وأخطارها اقتصادهم ــــ بحسب تعليق ساخر لأحد المعلقين المعتبرين. أو بحسب تعليق ساخر آخر، أنهم سوف يهملون التحديات الكونية الحقيقية وسيستمرون وهم يتناولون عجائن الكافيار والجبن والمياه المعدنية يتناقشون حول: التنافس الجيواستراتيجي، والمنافسين/ الخصوم الجدد، والتضامن العولمي، الإحساس المشترك باللايقين، تحولات الهوية الانسانية، والانتقال من الهراركية(التراتبية السلطوية) التقليدية إلى التراتبية الشبكية،...،إلخ. وهي قضايا على أهميتها فإنها لا تعكس هموم الأغلبية من مواطني الكوكب.إلا أنها لا تمس جوهر الحالة غير العادلة التي تجتاح أوضاع هؤلاء المواطنين.

في هذا السياق عن موقفها في مواجهة الفجوة التي تباعد بين الأغنياء والفقراء وتخاصم بينهم. فأعلنت عن رؤيتها، التي تقع فيما يزيد على ثلاثين صفحة، والمعنونة كما يلي:القوة البشرية ـــ معا ــــ ضد الفقر

The Power of People Against Poverty

وتوالى الاعلان عن رؤى كثير من المؤسسات، والأطروحات الفكرية حول كيفية تجاوز حالة: امتداد اللامساواة و غياب/تغييب العدالة. خاصة مع التقدم التكنولوجي الذي يمكن أن يطيح في الولايات المتحدة الأمريكية بما يزيد على 40% من العمالة الحالية. أو مع استمرار الأخذ بالسياسات المالية التحررية بكل ما شابها من تداعيات على الواقع...إلخ.

ويشار هنا إلى أن الرؤى والأطروحات التنموية والسياسية والأكاديمية لا ترى في الشعبوية، خطرا كما تراها النخبة(وسوف نتعرض في مقالات لاحقة حول الحركات الجماهيرية الجديدة). بل تراها تحركات إيجابية يمكن استثمارها في تغيير الأوضاع المجتمعية المزرية. وذلك من خلال ما يلي: أولا: قبولها. وثانيا: ودمجها في الأبنية المجتمعية المتنوعة. ثالثا: تمكينها بالقدرات والمهارات وبإتاحة الفرص المتنوعة أمامها.

وعليه، تركز الرؤى والأطروحات الراديكالية على: أولا: تفعيل دور المواطن في أن: يعبر عن نفسه وحقه في أن يتم الاستماع له، وأن ينشط مواطنيا. ثانيا: اتاحة الفرص المتنوعة التي تسمح له بممارسة ما سبق. ثالثا: تمكينه في أن يؤمن طعامه، وصحته، وتعليمه، وحقه في الشراكة في الخير العام...نتابع...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern