لعنة الطاقة

منذ أكثر من سنتين، سألنى المحاور ما سبب الصراعات التى تدور على المسرح العالمي. أجبت، دون تفكير كثير، ابحث عن «الطاقة»؛...وأضفت، ’’الطاقة، أصل لكل الشرور‘‘؛ التى تراها فى كل مكان...



وصمت برهة. وواصل محاورى يطرح على سؤاله التالي. إلا أننى تذكرت فجأة سيل من عناوين المصادر والمراجع التى تتحدث عن الطاقة وعلى رأسها: النفط والغاز، وغيرها «كالماء» بالطبع. وكلها دون استثناء، يجمع بينها، التأكيد على الشرور الناجمة عن الانخراط فى مجال الطاقة...أو وهو ما أفصحت عنه فجأة بصوت صارخ بعض الشيْ، عطفا على إجابتى التى بدأتها وصمت، أو قل إنها:’’ لعنة الطاقة‘‘؛ التى لم يقترب منها أحد إلا و «احترق» بدرجة أو أخرى...

وأضفت، وإليك للتدليل على إجابتي، بعضا من هذه العناوين/ المصادر المعتبرة، والتى يأتى فى مقدمتها ما كتبه مايكل كلير (وأنظر العناوين الفرعية لها). أولا: «الحروب على الموارد: الجغرافيا الجديدة للنزاعات العالمية». وثانيا: «دم ونفط: أمريكا واستراتيجيات الطاقة...إلى أين؟».حيث تأتى فصوله متحدثة عن الصراع الأمريكى المتجدد حول النفط. ومن العناوين/المصادر الأخرى: ثالثا: نقمة النفط. رابعا: نهب النفط...،إلخ.

فالقارئ لهذه المصادر، بدقة، التى تعرف بدراسات: «جيو ـــــاستراتيجية الطاقة»، سوف يجد تفسيرا وافيا، وتحليلا دقيقا لأسباب الصراعات والتحرشات التى تجتاح الكون. والذى يتطور فى طبيعته ليكون أكثر شراسة مقارنة عن ذى قبل. كيف؟.. يمكن رصد أربعة تحولات نوعية طرأت على ما يمكن أن نطلق عليه «صراعات الطاقة»، وذلك كما يلي:

أولا:أن الصراع حول الطاقة لم يعد حكرا على قوى بعينها: الاستعمارية الكلاسيكية التاريخية أو القطبية العالمية الثنائية أو المتعددة المستحدثة. وإنما تجاوزها ممتدا إلى دول من المستويين الثانى والثالث فى القوة. قد تكون متوافقة أو متعارضة فى المصالح. وعليه، أصبحنا نرى حضورا مكثفا للصين وروسيا وإيران على كل الأصعدة. كمابتنا نجد تكون لمصالح مشتركة بين تركيا واليونان، ومعهما إسرائيل.بداية من الحضور «المنفرد» المادى المباشر، مرورا «بالشراكة المباشرة»(مع آخرين) فى عمليات الاستكشاف، والحفر، والاستخراج. ونهاية بالدعم السياسى لمشروعات الآخرين وتأمين حقهم فى الطاقة الناتجة.

ثانيا: كما دخل ملعب الصراع أيضا قوى تصنف «كفواعل» غير «دولتية». أو جماعات تسلك سلوك الدول فى السيطرة على الأرض والطاقة والبشر. وهنا نرى كيف استطاعت الجماعات الحوثية فى اليمن أن تشكل كيانات مؤسسية فى مجال النفط لإدارة الثروة اليمنية البازغة بعيدا عن سيطرة الدولة.

ثالثا: على التوازى لما سبق، هناك تزايد غير مسبوق، لدور الشركات العاملة فى مجال الطاقة لتكون لها رؤية وكلمة قد تتعارض مع مصالح دولها، أحيانا...بفعل التشابك والتقاطع المخيفين فى المصالح.وهنا يمكن أن نفهم كيف أن بعضا من شركات الطاقة الأمريكية رفضت أن تنفذ العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا فى وقت من الأوقات.وأن نرى شركة روسية مثل: روسنفت تتحالف مع شركة إيكسون الأمريكية للبحث عن الطاقة البحرية لصالح لبنان.لا يقف حد الشركات عند حد الخروج على سياسات دولها وإنما يتعداه، وهو ما ينقلنا إلى رابعا.

رابعا: فلقد باتت الشركات من خلال الشراكة الاقتصادية تمنح الشرعية السياسية للتجمعات الإثنية. وتمنحها استقلالا واقعيا. ومن ثم تتعامل معها وكأنها دولة تامة الاستقلال مثلما حدث مع المنطقة الكردية الذاتية بفعل، ما أطلقت عليه مبكرا،: «شرعية النفط».

مما سبق، تشير التحولات الأربعة السابقة إلى أننا الصراعات حول الطاقة سوف تزداد. وأن حلبة الطاقة الصراعية سوف تتسع لمشاركين جدد. وأن 2017 سوف تشهد الكثير والكثير فى هذا الاتجاه. وأن’’لعنة النفط‘‘ سوف تشتعل فى منطقتنا أكثر من أى منطقة أخرى. كما أن إفريقيا ستكون منصة انطلاق لاكتشافات نفطية غير مسبوقة تواكبها صراعات سياسية لعينة متوقعة.

إذن، سيظل الصراع حول الطاقة قائما. «ولعنة الطاقة» سارية...كما ستتعدد التصورات والخطط حول الطاقة فى الإقليم والعالم. بيد أن الفارق بين ما يجرى فى منطقتنا والعالم هو أن الصراع العالمى وخاصة فى المناطق المتقدمة يدار بصورة عقلانية مثلما هو حادث فى السياق الاسكندنافي...بينما منطقتنا «تُلبس» الصراعات أثوابا إثنية متنوعة: دينية، ومذهبية، وقومية،...،إلخ. كا هو الحال فى سوريا والذى تعد منصة انطلاق لاستراتيجية الطاقة الروسية والإيرانية من جانب والتركية من جانب آخر. والتى تعكس تقاطعا فى المصالح يتجاوز الدين والمذهب والقومية واللغة.

الخلاصة، وبحسب أحد الباحثين، إن»كل جبروت وكل قدرة فى عالمنا هو علاقة بين طاقة وزمن...سواء كان الجبروت اقتصاديا أم سياسيا أم عسكريا، فإنه تعريفا، مسألة طاقة...وكل إرادة أو بأس أو مشيئة جبروت تستدعى بالضرورة، وتحتاج وجوبا، لكى تتفعل، إلى موارد مطابقة كافية من الطاقة»...لذا لا مانع من استخدام القوة ـــ بلا حدود ـــ فى سبيل ذلك...

أن ملف الطاقة من منظور جيو استراتيجى أحد أهم الملفات الجديرة بالاهتمام...فى ظل تحولات دراماتيكية تحتاج لمقاربة مبتكرة...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern