الاستنهاض الدوائى: حق للمواطن وضرورة وطنية

«الأدوية؛ أو المستحضرات الصيدلية، يعد توفيرها من الحقوق الرئيسية للمواطنين».

انطلاقا من أن الدواء هو أحد المقومات الأساسية للرعاية الصحية التى يجب تأمينها للمواطنين. وحق تأمين الدواء يقوم على أمرين هما: تصنيعه، وتطويره....فأين نحن من ذلك؟



واقع الحال يقول إن مصر كان لها باع كبير مبكر فى هذا المقام منذ أن اسس طلعت باشا حرب شركة مصر للمستحضرات الطبية عام 1940. ووصلت مصر إلى تصدير الدواء الوطنى فى الستينيات. ولكن مع تطبيق سياسة الانفتاح فى 1974 تراجعت «أوضاع الشأن الدوائى المصري»، بحسب خبيرنا الوطنى الكبير الدكتور محمد رءوف حامد فى دراسته المعتبرة فى فصلية «أحوال مصرية»: «نحو سياسة للاستنهاض الدوائى الوطني». والتى يبلور فيها خلاصة خبرته فى هذا المقام. والتى كرس حياته من أجلها وتحمل الكثير من الغبن.

ففى منهجية متميزة، وفى عبارات مكثفة، يضع خلاصة أفكاره تحت عناوين أربعة كما يلي: أولا: تعريف الدواء وعرض لبعض المفاهيم المتعلقة به. ثانيا: استعراض مسار السياسات الدوائية فى مصر. والإعاقات التى واجهت استمرار مصر فى تقدمها فى مجال صناعة الدواء. ثالثا: تقييم المنظومة الدوائية الراهنة. رابعا: كيفية الخروج من أزمة الدواء أو ما اطلق عليه خبيرنا الوطني: «إعادة الهندسة لمستقبليات الشأن الدوائى المصري».

أولا: الدواء هو المادة التى يكون من شأن استخدامها تغيير أو استكشاف أو حالات مرضية. ومن ثم يعد ضرورة لابد من توفيرها بشتى الطرق لكل من يحتاجها من جهة. ومن جهة أخرى لابد من تطويرها باستمرار للوصول إلى علاج أفضل. ما يعنى ضرورة البحث العميق والمتواصل من أجل الابتكار الدوائي. إذن، من البداية هناك علاقة وثيقة بين صناعة الدواء واستمرارية تطويره. فمن غير المقبول إقامة مصنع للدواء دون أن يتضمن قطاعا للبحث والتطوير.انطلاقا مما سبق توضع السياسات الدوائية الوطنية والتى منها: المساواة فى إتاحة الدواء لمن يحتاجه. وضمان جودة الدواء.

والأهم هو التركيز على ما يعرف «بالأدوية الأساسية» «Essential Drugs»، تمييزا عن الأدوية الاستهلاكية: أدوية الرجيم، والتجميل،...،إلخ.

ولا يمكن أن يتحقق ما سبق ما لم ترتبط السياسة الدوائية بالرؤية التنموية الشاملة للدولة.

ثانيا: وبمراجعته التطور التاريخى للسياسات الدوائية المصرية يقول لنا الدكتور رءوف حامد: «إن مصر كانت تمارس ما يعرف بالسياسات الدوائية الوطنية ـــ منذ الستينيات ـــ قبل أن يظهر المصطلح إلى الوجود فى السبعينيات». السبعينيات التى بدأ فيها التراجع الكبير عن الاستمرار فى السياسات الوطنية لصالح الاستيراد، أو أن يتم تصنيع 40% من الأدوية فى مصر من خلال تصاريح أجنبية (2% فى الأردن). مع غياب «منظومة فاعلة فى أنشطة البحث العلمى والتطوير التكنولوجي».

ويرصد لنا خبيرنا الوطنى رءوف حامد كيف تعرض قطاع الدواء لتغييرات هيكلية من 1974 من «مؤسسة الدواء»، إلى «المجلس الأعلى لقطاع الدواء»، إلى «الهيئة العامة للدواء»، إلى «الشركة القابضة للأدوية»، إلى اختفاء أى جهة تنظيمية. ثم أخيرا تشكيل «لجنة الخدمات». وقد أثرت هذه التغييرات البيروقراطية كثيرا على صناعة الدواء فى مصر. وأخيرا انتقل الثقل القيادى إلى القطاع الخاص. وبالأخير وصل الشأن الدوائى إلى أزمة ليست بالبسيطة. من أسباب الأزمة: أولا: الانشغال بالأمور الإجرائية التى لا تصب فى قلب السياسات الدوائية. ثانيا: الاعتماد على معايير خاطئة فى التقييم. ثالثا: تباطؤ ــ ما يعرف ــ بتعظيم الاستثمار فى الجودة(يمكن الرجوع لتجربة الأردن). رابعا: تدنى القفز إلى المستويات الأفضل سواء فى الصناعة، أو فى السياسات الدوائية.

ثالثا: بعد أن يراجع الدكتور حامد المنظومة الدوائية القائمة من: هيئات، وإدارات، ومراكز، وشركات، ومنظمات وكيانات مدنية واقتصادية وصناعية. يلفت النظر إلى أنه بالرغم من زيادة صادراتنا من الدواء(2مليار جنيه/2013) إلا أن الواردات قد زادت إلى ما يقرب من 13 مليار جنيه.وتكثر الأسئلة فى هذا المقام من عينة: نوع الأدوية المستوردة مقارنة بالمُصدرة. هل تنتمى للأدوية الضرورية أم ماذا. ويلفت النظر الدكتور حامد إلى أن الشركات المحلية والعالمية تواصل العمل فى مصر ـــ تقريبا ـــ فى نفس المجموعات الدوائية التى اعتادت تصنيعها على مدى عقود مضت. ولم تصل بعد إلى المجموعات التى تنقص الصناعة المصرية مثل: الأنسولين، وأدوية الأورام، ولبن الأطفال. ما يحتاج إلى مراجعة.

رابعا: يجتهد الدكتور رءوف فى طرح رؤية متكاملة لما أطلق عليه «استنهاض دوائى وطني»؛ لتأمين إتاحة الدواء للمواطنين. وذلك بضرورة العودة إلى إعداد سياسة دوائية وطنية. تتضمن الأدوية الأساسية. ما يستلزم تغييرات خاصة بصناعة الدواء تقوم على الابتكار، وانتاج مواد كيماوية جديدة، واعتماد البحث والتطوير كعمليات أساسية للإنتاج والاستحداث. مع توفر جهة مرجعية معنية بإدارة الشأن الدوائى مثل المجلس الأعلى للدواء...

وبعد يقدم لنا الخبير المخضرم رءوف حامد نموذجا للدأب والإصرار فى خدمة الوطن...تحية له ولأمثاله...نتابع...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern