طاقة «أمل» شبابية من لبنان

سافرت إلى بيروت، «ست الدنيا»، التى تحتل فى وجدانى وذاكرتى قسطا، غير قليل، من حياتي، على مدى أكثر من عشرين عاما. وذلك لحضور ندوة تنظمها مؤسسة أديان؛ حول: «الإصلاح التربوى لمواجهة التطرف فى المنطقة العربية».



وأهم ما لفت نظرى فى هذا اللقاء هو ما يمكن أن نطلق عليه «طاقة الأمل»؛ التى تحرك القائمين على اللقاء كى يؤتى بالثمار المرجوة منه. وأنهم فى المجمل من الشباب. إذن، نحن فى المحصلة، أمام طاقة أمل شبابية، من لبنان وخارجها... فعلى الرغم من كل ما تشهده المنطقة من عنف يستلهم مبرر حدوثه من قيم وأفكار إقصائية تقوم على النفى والتدمير بين مكونات المنطقة. وإخفاقات فى قطاعات عدة. ما نتج عنه اليأس والإحباط والخوف من الغد. ما أصاب شبابنا بالهلع. والحيلولة من أن يكون له أى حضور فاعل. ومن ثم التفكير فى الهرب، والرحيل من حاضر، فقدوا الثقة على أن يخرج منه الغد الأفضل الموعود...وعليه تنامت ظاهرة «الهجرة»، بغض النظر عن الطريقة، أي: «شرعية أو غير شرعية»، «آمنة أو غير آمنة»، «للخارج أو للداخل بالعزلة أو السلبية أو الصراع»،...،إلخ.

إلا أننى فى المقابل رأيت شبابا» يؤمن:»بالتعددية، والشراكة، والتنوع...يقدم نموذجا «حيا»، يجسد ما سبق، عمليا ـــ بفرح وعلم ـــ على أرض الواقع. وذلك من خلال الانخراط فى أعمال مشتركة ذات طابع ميدانى لعلاج تداعيات المشهد «الإقصائي»، والحوار بهدف إطلاق «تصورات مبدعة تستجيب للواقع المؤلم. وأنه لا سبيل لتجاوز «محنة التفكيك» ما لم يتماسك «دعاة الوحدة» على «قاعدة المواطنة الحاضنة للتنوع»، وهو المبدأ الحاكم لكل ما يفعلون.من هذا المنطلق، يتم تنظيم أنشطة «أديان».

وفى هذا السياق، نُظم مؤتمر «الإصلاح التربوى لمواجهة التطرف»، مع عدة مؤسسات حكومية ومدنية عربية، كجزء من المواجهة الشاملة لهذا الخطر». وعليه دعيت مجموعة من الخبراء والمسئولين السابقين والحاليين، والسياسيين، وصانعى السياسات، لمناقشة ما يلي:أولا «التطرف:جذوره وأدواته فى المجتمعات العربية». ثانيا مقتضيات الإصلاح التربوى لمواجهة التطرف». وثالثا «استعراض خبرات تطبيقية فى إصلاح المناهج». ورابعا: الخروج بتوصيات تكون قابلة للتنفيذ».

ولعل أهم ما يثير الاهتمام هو حالة الحيوية الشبابية للعاملين فى «أديان» من حيث: أولا إعدادهم للقاء على المستوى اللوجيستي/التنظيمى والمعرفي. وهى الحالة التى انعكست على الخبراء إيجابا فى أن يجتهدوا فى تقديم الجديد: المعرفى والعملي...وثانيا ديمومة عملهم معا على مدى 10 أعوام وتقديم كشف حساب عما أنجز خلال هذه الفترة(تم الاحتفال عشية اللقاء بعيد ميلاد تأسيس «أديان» العاشر، حيث تأسست فى عام 2006). والأهم فى هذا المقام، وثالثا هو تطلعاتهم للعام 2026، أى بعد 10 أعوام أخرى(فى الذكرى العشرين للتأسيس). حيث قدموا تطلعاتهم من خلال عرض فنى غير نمطي. حيث قدموا هذه التطلعات على شاشة إلكترونية على خلفية أشكال فنية لافتة وموسيقى مصاحبة مختارة بعناية.

والجميل أن هؤلاء الشباب قد حلموا ـــ ليس فقط ـــ للبنان وإنما للإقليم والمنطقة وللعالم كما يلي: أولا: على مستوى لبنان؛ الاسهام فى تحقيق المسار التاريخى للعبور بلبنان من واقعه الطائفى إلى المواطنة الحاضنة للتنوع فى إطار دولةحديثة وديمقراطية. وثانيا: على مستوى المشرق؛ الإسهام فى تكوين قدرات القادة الجدد المخولين تحقيق نهضة دول المشرق المتعددة ثقافيا وخاصة فى العراق وسوريا. وثالثا: على مستوى العالم العربي؛ جعل التنوع مقبولا ومعترفا به كواقع فى الإطار الدينى والسياسى والثقافي، وتعزيز تبنى التعددية كقيمة اجتماعية وسياسة. ورابعا: على مستوى العالم؛ تطوير السياسات الجديدة التى تعزز المناعة فى مواجهة سائر أشكال التطرف، وتنمى الترابط الاجتماعى والاستقرار.

أظن، أن القارئ المتأنى للتطلعات المذكورة سوف يلحظ بسهولة ويسر عمقها. وإنها تعكس إدراكا نقيا وواضحا لزمننا المتشابك والمتداخل الدوائر. وانهم يمثلون ـــ يقينا ـــ كتلة حية جديدة؛ لا تجد فرصة التعبير عن نفسها بفعل حصارها من كتلة «الفشل» التى تشيع «اليأس، وكتلة»الجهل» التى توظف»البأس» الديني/الطائفى والسياسى لضرب «الأمل». إن تجربة «أديان»، وقد عاصرتها منذ التأسيس.مقارنة بالكثير من التجارب التى مرت على فى مصر وخارجها. تعد من التجارب الجديرة بالاحتفاء. فهى شبابية، وجماعية، وحيوية، ورؤيوية. ولها نشاطات ميدانية وأيضا نخبوية من خلال المؤتمرات الفكرية ومعهد المواطنة (الذى أتشرف بعضوية مجلس مستشاريه).فلا نجاح ميدانيا بغير رؤية حاكمة. ولا قيمة لرؤية دون تطبيق عملي.

وقبل كل ذلك كما قلت: تجربة مفعمة بطاقة أمل شبابية. ما أحوجنا أن تنتشر فى منطقتنا...أى أن نفتح المجال أمام الشباب كى يناقشوا واقعهم، ويبدعوا فى إيجاد كل ما هو مبتكر من شأنه تقدم مجتمعاتنا، وينخرطوا دون عوائق فى خدمة المهمشين والمسحوقين. وأظن أن مصرنا ومنطقتنا بها من طاقات الأمل ما يحتاج منا لإلقاء الضوء عليها فى مقابل «اليأس». وأن المستقبل سينتصر ـــ يقينا ـــ للحيوية المُحبة للحياة...ونتابع...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern