التوتر الدينى: 11 ملاحظة و9 أسباب

انطلقت أحداث التوتر الديني في نهاية سنة 1970 فيما عرف «بجبانة أخميم»، قبل سنتين من واقعة «الخانكة» الشهيرة. وذلك بحسب دراستنا التاريخية لهذا الملف ـــ وكما أوجزناها في مقالنا قبل الماضي ـــ كجزء من كتابنا الموسع: «الأقباط والمسلمون بين دولة المواطنة وسلطة الغلبة».



ومنذ هذا التاريخ أُختصرت التوترات الدينية في «مسألة الكنائس». ولم يهتم أحد بدراسة هذه التوترات وأن يصنفها ويميز بين دوافع كل واقعة وما يترتب عليها من نتائج على أرض الواقع.بالرغم من تكرار التوترات على مدى أكثر من 40 سنة وتنوع ملابساتها، وامتدادها إلى المجال العام، وتعدد أطرافها واتخاذها أشكالا متنوعة.كذلك دراسة طبيعة السياق المجتمعي «الداعم للتوتر أو المانع له». وهل هناك أماكن بعينها يكثر فيها التوتر دون غيرها أم أن حدوث التوترات لا يتأثر بالمكان وطبيعته وهو ما أطلقت عليه مبكرا «جغرافيا التوتر الديني». كذلك إدراك الوقائع المجتمعية الجنائية العادية والدائمة الحدوث يومياالتي تتحول إلى دينية بفعل الاحتقان المجتمعي باستثمار أن أحدطرفيها مصري مسلم والطرف الآخر مصري مسيحي. وهل تنتشر هذه التوترات في طبقات وشرائح الجسم الاجتماعي أم في طبقات/شرائح بعينها ولماذا؟...،إلخ...وأظن أنه بدون محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة المدعمة بالخلفية التاريخية والسياقية العامة التي قدمناها في مقالينا السابقين لا يمكن أن نتقدم في حل «شفرة» هذا الملف.

ونوجز أولا بعض الملاحظات العامة المستخلصة من دراسة عشرات العينات من الأحداث. وثانيا نقدم تسعة أسباب/أشكال للتوتر الديني. ونشير مرة أخرى ونلح على استخدام تعبير «التوتر الديني بدلا من التعبير الوافد إلينا من الحالة اللبنانية ألا وهو الفتنة الطائفية.

أولا: من دراستنا لاحظنا الملاحظات التالية: الملاحظة الأولى: أن التوترات الدينية تكثر في المناطق الأكثر فقرا والأقل تنمية. الملاحظة الثانية: اختزال الهموم القبطية في مسألة بناء الكنائس ـ على أهمية الأمر ـ دون النظر إلى ما أطلق عليه الهموم الحياتية للأقباط كمواطنين من: تعرضهم للتشكيك في العقيدة الدينية، دون تبرئة من انزلق من الأقباط في هذا المقام. كذلك تعرضهم لأي تمييز في حياتهم اليومية. الملاحظة الثالثة: اللجوء إلى الحلول التسكينية والمؤقتة. الملاحظة الرابعة: اللجوء إلى العرفي على حساب القانون. وعدم الانتباه أن الإكثار منه يقلل من شرعية الدولة. الملاحظة الخامسة: اختزال التعاطي مع الملف من خلال البيروقراطية الأمنية دون غيرها.

الملاحظة السادسة: عدم الانتباه إلى طبيعة التحولات التي طرأت على نوع التوترات الدينية ومعدلات تكرارها ودلالاتها الرمزية. الملاحظة السابعة: الإصرار على التعاطي مع الكيان الديني لحل المشكلات المدنية للأقباط، ما يكرس مفهوم الملة/الطائفة/الذمة. وإن كان ذلك مقبولا في الشأن الديني إلا أنني أرى أنه لا يستقيم مع الشأن المدني العام. ومن ثم يتم تغييب السياسي والمدني والثقافي. وفي هذا الإطار ولحل غياب الحضور السياسي للأقباط تم طرح فكرة «الكوتة». ورغم عدم ارتياحي لها قلنا لنجرب. وأظن أن الواقع أثبت أن هناك جهدا مجتمعيا لابد من عمله لجعل الحضور القبطي طبيعيا. خاصة ان حراك 25 يناير قد فتح آفاقا أمام الكثيرين.

ما يعني أن الانفراجة المدنية والسياسية تنعكس إيجابا على هذا الحضور.وأظن أن الطريقة التي مورس بها هذا الأمر لم تكن موفقة. الملاحظة الثامنة: خلال عقود وفي إطار لعبة التوازنات السياسية مع الإسلام السياسي، ظل ملف العلاقات الإسلامية المسيحية رهينة هذه التوازنات. الملاحظة التاسعة: الاستجابة البطيئة من جانب قطاعي الإعلام والثقافة للعب دور في ضوء الكثير والكثير من المقترحات التي قدمت في هذا المقام خاصة بداية من تسعينيات القرن الماضي.الملاحظة العاشرة: سيادة فقه تمييزي على حساب فقه «البراح» ذى السقف العالي والذي يعبر عن الحالة التعددية المصرية. الملاحظة الحادية عشرة: التعامل مع الأقباط ككتلة متماثلة العناصر والمصالح بصورة دائمة. أفهم ذلك فيما يتعلق بالديني ولكن لا أفهمه في السياسي والاقتصادي والثقافي أو المدني.

ثانيا: أما عن أسباب التوترات/النزاعات فيمكن أن نوجزها فيما يلي: السبب الأول: بناء الكنائس أو شائعة بذلك. السبب الثاني: خلافات مجتمعية تتحول إلى دينية الطابع إذا كان هناك اختلاف ديني بين أطرافها. السبب الثالث: التمييز الديني. السبب الرابع: صراع على أرض(حالة أبو فانا بين الرهبان والعربان). السبب الخامس: أطروحات فقهية متطرفة/شاذة(التعييد على غير المسلمين). السبب السادس: سجال ديني. السبب السابع: الضغط على الدولة من خلال إحراجها بالتضييق على الأقباط: بفرض إتاوة، عنف ديني موجه،...،إلخ. السبب الثامن: العلاقات العاطفية. السبب التاسع: التحول الديني.

وبالرغم من «الاختراق» “breakthrough”؛ الذي قام به رئيس الدولة في الذهاب إلى الكاتدرائية لتقديم التهنئة للأقباط، والاعتذار لسيدة الكرم كمواطنة مصرية وطلبه بإعمال القانون، إلا ان الأطراف المعنية لم تتلقف ما سبق لتجاوز الأزمة...والآن إلى الحلول والتدخلات...ونتابع...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern