الأقباط والمسلمون بين دولة المواطنة وسلطة الغلبة

لماذا تعددت وتسارعت وتيرة «التوترات الدينية»، مؤخرا؟، ولماذا تبدو الأطراف المعنية المنخرطة فى التعاطى مع إشكالية العلاقات الإسلامية المسيحية المصرية عاجزة عن تقديم حلول ناجعة وحاسمة فى مواجهة التوترات؟، ولماذا تحدث أصلا؟...



هذه الأسئلة، وغيرها، تعد أسئلة مشروعة وضرورية. ويقينا تحتاج إلى إجابات جديدة. إجابات غير نمطية تدفع بنا إلى حلول وممارسات «ابتكارية/لا اجترارية»، تصب فى تدعيم دولة المواطنة...فلقد عانى المصريون من الاستبعاد والإقصاء من الشراكة فى الحكم قبل الدولة الحديثة فى ظل الدول المتعاقبة التى أدارتها سلطات حكم وافدة: «الطولونية»، و«الإخشيدية»، و«الفاطمية»، و«الأيوبية»، و«المملوكية» و«العثمانية». حيث سادت سلطة الغلبة فى المجمل. أو قهر المصريون باعتصارهم بشتى الوسائل..

فى هذا السياق مرت العلاقات المسيحية الإسلامية فى مصر بأربع مراحل كما يلي: أولا: التأسيس المشترك خلال القرن الـ19. ثانيا: السجال المدنى فى الفترة من 1906 و1918 والتى شهدت مؤتمرى عام 1911:القبطى والمصري. وقد كانا غاية فى الرقى والتحضر لأنهما قاما على أساس مدنى بين مدنيين حول أحوال تتعلق بالمجال العام:السياسى والمدني. ثالثا: الشراكة الوطنية من 1919 إلى 1969(ببعديها المدني/السياسي، الليبرالى تجاوزا ــ قبل 1952، والاقتصادي/الاجتماعي، الاشتراكى تجاوزا ــ بعد 1952)، وهى المرحلة التى تعبر عن حراك الطبقة الوسطى المصرية بمسلميها ومسيحييها. وبالمناسبة لم تشهد هذه المرحلة التى تمتد إلى خمسين عاما إلا «توترين». الأول قبل 1952 فيما عرف بكنيسة الزقازيق. وبعد 1952 فيما عرف بكنيسة بورسعيد. وأخيرا المرحلة الرابعة:النزاع الديني، عبر أربعة عقود/أربع مراحل من 1971 إلى 2011.

عرفت مصر انطلاقة التوترات الدينية من خلال واقعة «جبانة أخميم» فى نهاية 1970، ثم «الخانكة» 1972 ثم توالت التوترات: الزاوية الحمراء، وأبوقرقاص، وامبابة، والكشح،...،إلخ. وربما يبدو من المنطقى أن نسأل لماذا انطلقت التوترات بهذه الحدة؟...نجمل الإجابة فيما يلي:

أولا: تكريس سلطة الغلبة المتحالفة مع القوى الدينية على حساب باقى القوى السياسية.

ثانيا: انطلاق فقه يعيد النظر فى الوضع القانونى لغير المسلمين. ثالثا: التعامل مع الأقباط عبر الكيان الدينى أى العودة إلى نظام «الطائفة/الملة» العثمانى، الذى تمردت عليه مصر فى حينه.رابعا: إعادة تقسيم مصر على أساس دينى ومن ثم المجال العام(وعليه طرحنا تعبير «تديين المجال العام منذ وقت مبكر وقد طورناه لاحقا إلى «إضفاء المقدس على المجال العام»)...فى هذا الإطار مرت مصر بمراحل أربع متقاطعة ومتداخلة كما يلي: أولا: «العُنفية»(1970)، ثانيا: «الاحتقان» (2000 ـ)، ثالثا: «السجال الدينى المتبادل عبر الفضائيات» (2004)، رابعا: «التناحر القاعدى» (2007).

خلال هذه الفترة كانت «العلاجات»، ذات طابع بيروقراطى لا تتجاوز: الترطيب، والامتصاص، والتسكين، وبقاء الأقباط خاصة الشرائح الوسطى والدنيا فى داخل الكيان الديني. فلا حدث تعديل فى المناهج أو تصويب فى الإعلام بالرغم من كل ما أقترح إلا فى حدود الاحتواء الآني. وتبلورت معادلة سياسية عناصرها ثابتة ومستقرة: سلطة الغلبة، الكيان الديني، وسد المجال العام. لا يمنع أن المجال الاقتصادى كان يشهد حراكا لا يحول دون حضور المختلفين دينيا. ولا يمنع فى هذا السياق الحديث عن دولة المواطنة. وبالرغم من بعض المحاولات الإصلاحية داخل تيار فى الدولة من جهة، وتيار دينى مجتهد حاول أن يطرح اجتهادات تصب فى اتجاه المساواة وفق إسلام الخبرة المصرية. إلا أن التوتر استمر بخاصة فى المناطق الأكثر فقرا والأقل تنمية، وبين المصريين الذين ينتمون إلى الشرائح الأدنى فى الجسم الاجتماعى.

وانطلق حراك 25 يناير وتمرد 30 يونيو ليؤسس لقواعد جديدة منها: الحراك المشترك، النضال من أجل تفعيل المواطنة، تبلور أكثر للدوافع الاقتصادية والطبقية ومن ثم الحراك المجتمعين، تراجع قبضة المؤسسات التى كانت تحظى بتوكيل إدارة المواطنين ــ تجاوزا ــ، وصعود كتلة شبابية بازغة لديها تصورات مغايرة للمجتمع وللواقع،. والعمل بكوتة الأقباط،...وقيادة جديدة استطاعت أن تحدث «اختراقا» غير مسبوق فى العلاقات الاسلامية المسيحية تمثل في: المعايدة الرئاسية فى الكاتدرائية، والاعتذار لسيدة قرية الكرم باعتبارها مواطنة مصرية...

بيد أن المؤسسات المعنية وبخاصة البيروقراطية التى لم تتلقف رسائل الواقع الجديد، من جهة. بالإضافة إلى الفقه الإقصائى الجديد الذى استعاد فتاوى مؤثرة تحرم بناء الكنائس فى ديار الإسلام وتحمل الحاكم مسئولية ذلك، كما تحرم المعايدة على غير المسلمين، من جهة اخري. قد اسهما فى خلق حالة منسلطة الغلبة من أسفل. والنتيجة، تعدد التوترات وتنوع أشكالها التى تبلغ تسعة أشكال. وتعطيل إعمال القانون بدرجة أو أخري، وتصدر تعبير «الطائفة» مقترح قانون بناء الكنائس ـ ركيك الصياغة والما قبل حديث ــ الذى يعنى العودة إلى زمن الباب العالى/الملة العثمانلية.. والسؤال، بعد التنظير هل هناك حلول؟... نعم... ونتابع..


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern