عثمانية مقيدة ومحدودة

فشل النموذج التركيالأردوغاني، نعم فشل.
بعض الفشل يعود كما أوضحنا إلى التركيبة الاجتماعية لهذا النموذج والتى تشكلت من السماسرة، وأصحاب التوكيلات، ورجال المال والأعمال المستوردين، والبورجوازية الريفية،...،إلخ. هذه التركيبة التى آمنت بتوجهات الليبرالية الجديدة، وأمنت مصالحها فى ظل سياساتها. كما هادنت أوروبا لاعتبارات كثيرة، فنالت بركة الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا تحديدا، خاصة بعد أن استطاعت أن تروج للنموذج باعتباره قادرا على أن يسيطر على المتطرفين. ومن ثم نمت فكرة إحياء العثمانية الجديدة الممتدة فى الاتجاهات الأربعة.



بيد أن أصحاب النموذج لم يدركوا أن إحياء الإمبراطورية العثمانية لا يمكن أن يقوم على قاعدة اقتصادية هشة. وأن النموذج الإمبراطورى لايمكن أن يستقيم مع النموذج الديمقراطى التعددي. فإما صيغة «السلطان والرعايا» أو «صيغة الأحزاب والمواطنية». وهنا تحديدا يكمن «الفشل الكبير»، لأنه حمل مجموعة من الاخفاقات أو بالأحرى انقلابات على الواقع التركى وذلك كما يلي: الإخفاق/الانقلاب الأول: على الشركاء من عينة جل وأغلو رفقاء مسيرة الصعود السياسي. الإخفاق/الانقلاب الثاني: على الحلفاء مثل جولن وحركته الثقافية الاجتماعية الإسلامية ذات الطابع الروحي. الإخفاق/الانقلاب الثالث: التحول من النظام البرلمانى الحزبى إلى الرئاسي، أو بالأحرى «تكريس السلطنة». الإخفاق/الانقلاب الرابع: القسمة الاجتماعية والسياسية الحادة بين الأتراك بين ثنائيات من عينة: «المحافظون والمحدثون»، «المتدينون والعلمانيون»، «المتأتركون والمتفرنجون»،...،إلخ. ما أدخل البلاد منذ سنوات فى حالة استقطاب حادة وخطرة. تجلت مظاهره فى حياة الأتراك والأحداث. فما جرى فى ساحة «جيزى» أعيد تفسيره على أنه صراع بين «العلمانيين» و«المتدينين» وهو حدث كان أعقد بكثير من اختزاله فى هكذا تقسيم (يمكن مراجعة كتاب: «فشل النموذج التركي» ــ 2016 الذى أشرنا إليه المقال السابق). الإخفاق/الانقلاب الخامس: اعتماد «السلطان» لخطاب سياسى يقوم على: «نحن وهم». وهو ما وجد قبولا لدى ما يمكن أن نطلق عليهم:«نخبة السوق»، أو «شبكات الـ «Mediocre» الذين بايعوه «سلطانا». خاصة مع قدرة الحزب على تعيين الموالين على حساب تكافؤ الفرص والكفاءة بطبيعة الحال، (وهو ما شهدته بنفسى فى زيارة رسمية إلى اسطنبول فى 2011 عندما تشرفت بشغل منصب نائب محافظة القاهرة. حيث رأيت كيف يعمل حزب العدالة والتنمية على تعيين من يوالونهم فى الوظائف الحكومية). الاخفاق/الانقلاب السادس: الاستئثار بالمجالين السياسى والمدنى على حساب باقى أطراف اللعبة السياسية والمدنية منذ 2007. وذلك من خلال التقييد على الحريات ومصادرة الصحف وملاحقة الشباب،...،إلخ. الاخفاق/الانقلاب السابع: ويتعلق ببدء حملات تطهير لغير الموالين فى شتى هياكل الدولة منذ فترة طويلة وجاء الانقلاب وسرع بها علنا. الاخفاق/الانقلاب الثامن: وهو الذى يشير إلى وجود ميليشيات ــ على ما يبدو ــ تعمل لحساب العدالة والتنمية. وهو الأمر الذى لم يتوقف عنده الكثيرون ويحتاج إلى بحث جدي. الاخفاق/الانقلاب التاسع: يتمثل فى التراجع الاقتصادى بعد أن كانت بداية العدالة والتنمية مبشرة وكان الصعود التركى لافتا. وهو أمر لابد أن يؤخذ فى الحسبان وتتم دراسته جيدا...لكل ما سبق، يمكن التأكيد على فشل النموذج.

وهنا نشير إلى اللقطة التى التقطها مؤلف كتاب «فشل النموذج التركي»، إلى موت فكرة تسويق النموذج التركي: المدني/الدينى لبلدان المنطقة العربية وخاصة مصر وتونس. حيث لم يعد هناك أى نموذج يمكن تسويقه. فما تبقى هو محاولة ممارسة هيمنة فى إطار الحلم العثمانى المتعثر. فما كان مقبولا من قبل الغرب فى بداية التجربة الأردوغانية لم يعد مقبولا الآن. والامتداد العثمانى الذى حلم به السلطان لم يعد متاحا. ونذكر هنا بالتراجعات التركية أمام روسيا فيما يتعلق بالاعتذار عن سقوط الطائرة الروسية ومن ثم التراجع عن الكثير من المواقف المتشددة فيما يتعلق بالشأن السوري. كذلك الدخول فى كثير من المناورات مع الأكراد. كذلك أمام أوروبا خاصة مع عدم قدرة تركيا على ضبط حركة المهاجرين/اللاجئين/النازحين ــ أيا كان المصطلح المستخدم ــ نحو أوروبا، واتهامها من قبل بعض الدول الأوروبية بشكل مباشر بمسئوليتها فى تسرب العناصر الإرهابية. كذلك تراجعها أمام إسرائيل بعد أن كانت تحاول أن ترفع راية المقاومة ضدها... مما سبق يتأكد لنا فشل النموذج التركي... والمفارقة الجديرة بالذكر، هو أن النجاحات الأولى الداخلية هى التى شجعت على تبنى حلم العثمانية الجديدة والامتداد خارجها كانت خادعة. ولم تنجح فى تقدير التحولات الإقليمية والكونية المطردة. لذا نستنتج أن العثمانية الجديدة لن تبرح حدودها إلا قليلا. وأنها ستكون «مقيدة» وذات تأثير «محدود». خاصة مع الصراع الذى نشأ بالفعل بين الداعمين والحلفاء الذين جددوا الانحياز على أسس مذهبية وحصنوا هذه العثمانية بالقداسة. ومن ثم سيكون مجالها الحيوى محدودا. وبين المعارضين المتعددين: سياسيا، وطبقيا، وثقافيا، ومذهبيا، وقوميا، وإقليميا،...، إلخ، فى الداخل والخارج.

ولا يبقى إلا أن نشير إلى أن ثقافة النماذج وهندسة المجتمعات قد فقدت صلاحيتها مع الحركات القاعدية للمواطنين...ونتابع...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern