حواضن الشباب:تكوين ودمج وتمكين

أعلن رئيس الوزراء الفرنسى الأسبوع الماضي، أنهم بصدد تأسيس ما أطلق عليه: «مراكز دمج المتطرفين». انطلاقا من أن “التطرف”؛ يعد التحدى الأكبر الذى يواجه فرنسا، وجيلنا، من دون أدنى شك”. وسيتم افتتاح أول مركز من هذا النوع بداية الصيف المقبل. على أن تمتد الفكرة إلى كل أنحاء فرنسا.



وأظن أننا فى أمس الحاجة فى مصر إلى بلورة فكرة مشابهة متعددة الأهداف ومتنوعة مجالات الأنشطة. فلا تقف عند حد التعامل مع الشباب الذين تظهر عليهم علامات التطرف، وإنما أيضا الشباب الذين فى خصومة مع الدولة/المجتمع لسبب او لآخر.والشباب الموهوب الذى لا يجد كيف يعبر عن نفسه.والشباب الذى يريد أن يمارس السياسة والعمل العام ولا يجد فى الكيانات القائمة ما يعبر عن توجهاته أو اتجاهاته...وفيما يتعلق بالمتطرفين لا ننتظر التعاطى معهم بعد أن يكونوا قد انخرطوا فى العنف أو الارهاب. خاصة وأننا جربنا أن يراجع “المتطرفون” أنفسهم فى أثناء تمضيتهم للعقوبة. وهى التجربة التى عرفت “بالمراجعات” والتى أظنها تحتاج إلى مراجعات، بحسب ما كتبنا عنها فى 2005 بعد قراءة متأنية لها. أماكن تكون أقرب إلى “ساحات حرة” كما كتبنا مرة. ساحات تحت إشراف أشخاص لديهم قدرة على التواصل مع الشباب: يعرفون اللغة التى ينطقونها، ويفهمون همومهم وتطلعاتهم، ومساحة الاختلاف بينهم.

ففى مراحل الانتقال لابد من إدراك رغبة الشباب، الذين يعبرون عن الجديد الذى لم يتبلور مؤسسيا، فى أن يخوضوا تجاربهم بأنفسهم. كما جرى فى مطلع الستينيات فى الولايات المتحدة الأمريكية مع انطلاق حركة الحقوق المدنية وموسيقى الروك أند رول وفرق البيتلز التى باتت عابرة للحدود. كذلك تجربة ثورة الشباب فى فرنسا حيث رفعت شعار “المنع ممنوع” ضد كل ما هو قديم (بغض النظر عن تقييمنا). حيث الظاهرة تتكرر ــ بدرجة أو أخرى ـــ على اختلاف الزمان والمكان. ولكنه تكرار أكثر تعقيدا. نظرا لأن هؤلاء الشباب هم نتاج الزمن الرقمى بقيمه وأفكاره وتقنياته.

ويمكن لهذه ’’الساحات الحرة‘‘ أن تبدأ من بنية تحتية موجودة بالفعل تتمثل فى مراكز الشباب وقصور الثقافة المنتشرة فى عموم القطر المصرى العظيم الموحد منذ “وهبه الله للمصريين”.ساحات تفتح للشباب لينخرط من خلال ورش عمل متنوعة كى يتعلم ويتدرب ويجرب ويعبر عن نفسه فى شتى المجالات: الفنية والحرفية والرياضية والثقافية والمعرفية والسياسية...ونقترح أن تعمل هذه الساحات الحرة تحت عنوان: «التكوين...والدمج... والتمكين»؛ (لا التهذيب والإصلاح)وذلك كما يلي:

أولا: التكوين الثقافي؛ حيث يتم إعداد برنامج للتكوين الثقافى يتكون من ستة محاور:الأول تاريخ مصر من منظور حركة المواطنين عبر العصور ورصد نضالاتهم من أجل الحرية والعدالة. الثاني: العالم الجديد؛ويتضمن قراءة لاقتصاده،ونظامه،والحركات الإنسانية ذات الطابع المدنى والتى ساهمت فى تجديد البشرية فى العديد من المجالات مثل البيئة وحقوق الإنسان ومناهضة العولمة،كذلك الاطلاع على التطور الكونى ومقاربة الثورات المتعددة. الثالث: التذوق والثقافة الرفيعة؛ ويشمل أساسيات التذوق فى المجالات البصرية والسمعية والأدبية(فن تشكيلى وسينما ومسرح وموسيقى وأدب،...). الرابع: تاريخ العالم وما هى محطات التحول الحاسمة فيه. الخامس: الدين فى علاقته بالواقع؛ وكيفية مقاربته لقضايا من نوعية العدل والمساواة والحوار والآخر والثقافة والحضارة.

ثانيا: الدمج المجتمعي؛ ونعنى به الحرص على الحضور الشبابى بحسب الكفاءة وبغض النظر عن المكانة والثروة والدين والجنس واللون وعلاقات القرابة، ـــ فى كل البنى والهياكل بمعايير منضبطة وعلمية. وذلك فى عضوية: المجالس المحلية، ومجالس إدارة الجمعيات وقصور الثقافة ومراكز الشباب وإدارة النشاطات العامة والمدنية والطلابية. وفى إطار تصور منهجى يمكن مع الوقت أن يمتد الدمج إلى الكيانات الحزبية والمدنية لضمان انخراط الشباب فى شتى مجالات الحركة المتعارف عليها. فلا يكونون خارج المجال العام: السياسى والمدنى والثقافي، سواء بالرفض أو الانحراف أو بالعنف أو ...

ثالثا: التمكين التنموي؛تنمية القدرات الذاتية للشباب بالتدخلات التنموية المناسبة لكل حالة أو لكل مجموعة متشابهة عند التميز الفنى أو العلمى أو الأدبى أو المهارى،...،إلخ. ولا تقف التدخلات عند التمكين الذاتى للشباب وإنما تمتد إلى البيئة الذين يعيشون فيها. وذلك بتوفير قدر من جودة الحياة فيها على مستوى: البُنى التحتية المادية، والخدمات، وفرص التعبير، وتحقيق الذات، والعلاقات الطبيعية مع الآخر،...،إلخ، شريطة العدالة الجغرافية. وذلك لما للحاضنة الأولى من تأثير على تحديد رؤية الشباب للوجود، والحياة، والعالم، والمجتمع، والآخر.

إن الحواضن/الساحات الحرة القاعدية؛ضرورة من أجل مستقبل مصر: الشباب...ونتابع.....


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern