لا لدولة اقتصاد السوق.. ومرحباً بـ«دولة الرفاه التنموية»

(1)

فى أسبوع واحد وقع فى يدى عدة كتب تتناول واقع العديد من الدول التى أخذت بسياسات الليبرالية الجديدة على مدى أكثر من ثلاثة عقود. وكيف أن هذه السياسات التى دعت بالأخذ باقتصاد السوق المفتوح على مصراعيه، وبالخصخصة، قد أدت إلى اختلالات هائلة وأزمات مالية متعاقبة. وفى هذا السياق، ومن محصلة هذه الكتابات التى تعتمد على وقائع، ودراسات ميدانية، وأرقام، وإحصائيات، وأفكار مبدعة سواء فى تفسير ما جرى أو فى محاولة ابتكار ما يعبر بالإنسانية إلى الرفاهة والسعادة.

(2)

يمكن إجمال السؤال المحورى الذى انطلقت منه هذه الدراسات فى: «أى دولة تستطيع أن تحقق التقدم؟ شريطة أن يكون «التقدم» قرينا بالسعادة والرفاهة»؟.. هل تكون دولة الرفاهة فى طبعتها الأولى التى عرفتها أوروبا بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى أو أزمة الكساد الكبير فى 1929 والذى تعثر لاحقا؟.. أم الدولة التنموية التى عرفتها دول ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديدا دول ما بعد الاستقلال، بحسب الأمريكى شالمرز جونسون، والتى تفاوتت نتائجها من مكان لآخر؟.. أم دولة اقتصاد السوق التى لم تخدم إلا القلة الثروية بالإضافة إلى إضعاف مفهوم الدولة فى المحصلة؟…

(3)

واقع الحال كانت الإجابة هى ضرورة التأسيس لدولة جديدة تتلافى سلبيات النماذج السابقة التى باتت ملكا للتاريخ.. وهذه الدولة الجديدة هى ما بات يطلق عليه: «دولة الرفاه التنموية»…وهى الدولة النقيض لـ «اللادولة» كما هو الحال فى دولة اقتصاد السوق، بما يجور على العدالة الاجتماعية. والنقيض أيضا لـ«الدولة ذات الدور المتضخم» كما هو الحال فى نموذج الدولة التنموية بما يجور على الحريات، مهما تحقق العدل، ذلك لأن السعادة والرفاهة ستكون غائبة. ومن هنا كان الحديث عن السعادة ـ مؤخرا ـ فى الدول الاسكندنافية، كشرط أساسى من شروط التقدم.. وكضمان أكيد لشراكة المواطنين فى بناء هذه الدولة «كشركاء»…ولكن ما طبيعة هذه الدولة…

(4)

فى هذا النموذج تعمل الدولة مع باقى أطراف المعادلة المجتمعية على قاعدة الشراكة، على الدمج بين السياسات الاجتماعية والسياسات الاقتصادية، بتأمين الضمانات الاجتماعية والخدمات العامة، وزيادة معدلات النمو والتوظف والاستقرار النقدى النسبى، وزيادة مستوى المعيشة، وترسيخ حالة ديمقراطية، يكون فيها للفرد دور حقيقى.. وتوزيع عادل قدر الإمكان للثروة…وتوفير التمكين الدائم، وإتاحة الفرص بنسب متكافئة أمام جميع المواطنين بغض النظر عن أية اختلافات. ومواكبة جديد المعرفة وتوطين التكنولوجيا فى إطار بنية مجتمعية معلوماتية معاصرة…

(5)

وتنطلق دولة الرفاه التنموية، فى كل قراراتها من تحليل مجتمعى شامل. تكون بموجبه قادرة على أن ترسم بدقة ما المطلوب تأمينه لمواطنيها فى شتى المجالات. خاصة أن شرط نجاح هذا النموذج هو التكامل بين كل عناصر المجتمع. فبناء الدولة /المجتمع فى دولة الرفاه التنموية يقوم على سلسلة مترابطة: تنموية، ديمقراطية،اجتماعية. فلا يوجد عنصر يأتى على حساب عنصر، ولا يوجد عنصر مؤجل.. ولا مجال للحديث عن الاقتصاد قبل الديمقراطية أو الديمقراطية قبل الاقتصاد. ولا يمكن أن يستقيم إيلاء الأهمية للاقتصاد دون التعليم، والثقافة،… وهكذا. إذن، دولة الرفاهة التنموية دولة تغييرية ديناميكية متجددة، شبكية،… ونتحدث عن محركات ومكونات هذه الدولة لاحقًا… ونواصل…

ما بعد المقال:

وقع سهوًا من مقال «هتاف المواطنين» للدكتور كمال مغيث؛ الأسبوع قبل الماضى، الفقرتان الأخيرتان منه، ولأهميتهما أنشرهما كما يلى:

■ صنف الهتافات إلى 12 نوعا كما يلى: هتافات القضية الاجتماعية، وقضية الحرية، سواء الحرية للوطن أو الحرية السياسية. وهتافات تتعلق بالوطنية المصرية، وبالوحدة الوطنية. كما كانت هناك هتافات تتعلق بالداخلية، وبالرحيل، وبالحشد وبالدعوة، وبمبارك وأولاده، وأخيرا بسليمان وشفيق… كما رصد المؤلف وظائف الهتافات وعددها فى الإعلان والحركة، والمطلبية، والحشد والتحدى، والتأكيد على الثأر وأخذ الحق، والتأكيد على الوحدة الوطنية، وتحطيم الأصنام، والسخرية، وعرض الحال، والزهو والفخر. مدللا بحثه بالهتافات المتنوعة..

■ إن «هتاف المواطنين/الثائرين»؛ ليس «مجرد ذكريات أحداث هامة شاركت فيها مع الآلاف من الأبناء ذقنا فيها حلاوة الظفر والانتصار وتجرعنا فيها مرارة الهزيمة والانكسار ولوعة الفقد،…»، وإنما هو وثيقة حية عن مكنون المصريين عندما يغضبون ويحتجون ويثورون.. كما أنها شهادة تاريخية تدحض مقولة «إن المصريين لا يثورون»، كما أن هتافاتهم تعكس وعيا فطريا راقيا تجاه ما يدور بهم.. تحية لكمال مغيث الباحث التربوى الكبير، على هذا الجهد الذى يجدد ذكريات أحداث نفخر بأننا عشناها بالرغم من محاولات البعض فى التسفيه منها..

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern