(1)
اللامساواة، والصراع، والإقصاء، ثلاث كلمات لخص بها «كلاوس شواب»، مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى World economic Forum، مستقبل العالم وفى القلب منه الشرق الأوسط. ونقطة الانطلاق التى أسست لهذا المستقبل غير الطيب، والخطير، يرجع إلى أن: «62 شخصا (بالعدد بحسب التقرير62) يسيطرون على أصول تزيد عن تلك التى يملكها نصف سكان العالم الأكثر فقرا، أى ما يقرب من ٣٫٦ مليار شخص يعيشون على كوكب الأرض». ويستند شواب على التقرير الذى أطلقته مؤسسة أوكسفام العالمية وتم توزيعه فى اللقاء السنوى لمنتدى دافوس مطلع هذه السنة. والتى شرحت فيه تفصيلا صورة المستقبل المؤلم بعناصره الثلاثة: اللامساواة، والصراع، والإقصاء.. والسؤال المنطقى الذى يفرض نفسه علينا: هو لماذا وصل العالم إلى هذه الحالة الحرجة؟
(2)
بصورة محددة يجيب كلاوس شواب على هذا السؤال. وذلك من خلال حديث صحفى على هامش القمة العالمية للحكومات، التى نظمتها دبى فى الشهر الماضى، بأن «اللامساواة» ـ العنصر الأول فى المشهد المستقبلى القلق ـ ترجع إلى السياسات الاقتصادية التى تخل بتكافؤ الفرص بين المواطنين، حيث نجد هذه السياسات تنحاز للقلة أو للبعض من المحظوظين على حساب الأغلبية سيئة الحظ. حيث إن استمرار التفاوتات سوف يؤدى بالبشرية إلى حالة كارثية.. أما بالنسبة للعنصر الثانى من هذا المشهد، ألا وهو «الصراع» فيعود للأوضاع غير الآمنة التى اجتاحت كثيرا من مناطق العالم، خاصة الشرق الأوسط. ويسرت أن تمتلك الحكومات وبعض التكوينات غير النظامية أسلحة يتم استخدامها فى حروب تهدف إلى«تفكيك» ما هو قائم، وإعادة رسم الخرائط بما يهدد الأمن البشرى.. وعليه يسود العنصر الثالث من عناصر الصورة المستقبلية غير المشرقة، أى: «الإقصاء» أو «نفى» الآخر، ومن ثم «تشظى الهويات» إلى هويات صغيرة، فأصغر، فأصغر.. وعليه، ما العمل؟
(3)
يجيب كلاوس شواب بأن الحكومات عليها فى المرحلة القادمة أن تواجه التحديات الخطرة والتعاطى «الذكى» Smart، مع مصادر الخطر التى حددها ب: «اللامساواة»، و«الصراع»، و«الإقصاء». ولن تتأتى المواجهة إلا بمايلى: أولا: أن تدرك الحكومات طبيعة وحجم التغيرات الجارية فى العالم. فالعالم الآن يعيش ما أطلق عليه: «الثورة الصناعية الرابعة». (بعد ثورات البخار، والطاقة الكهربية، والإلكترونيات). وهى ثورة التقنيات الدقيقة الحديثة (وتتمثل فى التكنولوجيا الحيوية، والهندسة الوراثية، والأتمتة Automation حيث الاعتماد على الآلة لا الإنسان فى إنجاز كل شيء،…،إلخ). حيث سوف تحدث هذه الثورة تحولات فى ميزان القوى بين القطاعات الصناعية، والجهات الحكومية وغير الحكومية، والبلدان المختلفة. وأنه لا تقدم ما لم تأخذ هذه الحكومات فى اعتبارها ما يعرف بـ«الاقتصاد الشامل» اقتصاد متعدد الأبعاد: صناعى، وزراعى، وتقنى، ومعرفى، فى آن واحد. فى ظل رؤية واستراتيجية وسياسات تنموية مستدامة مرنة وقابلة للمراجعة والتطوير. تأخذ بأنظمة التفكير الشبكية التى تختلف جذريا عن التفكير الخطى البدائى القديم.. ويشترط فى المواجهة، وبحسب مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى، أن: «أداء جميع الحكومات حول العالم سيتم تقييمه من خلال نجاحها (أرجو الانتباه عزيزى القارئ) فى وضع رؤى واستراتيجيات وسياسات تهدف إلى تمكين جميع المواطنين من المشاركة فى الفرص الاقتصادية المتاحة».. وثالثا: يؤكد شواب، على «ضرورة العمل الكونى المشترك» لضمان التقليل من تداعيات العناصر المستقبلية المقلقة، خاصة أن واحدة من الكوارث القادمة أن أكثر من 40% من العمالة الحالية فى دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية قد تتعرض للاستغناء….
(4)
هكذا كانت رؤية كلاوس شواب رئيس المنتدى الاقتصادى العالمى للمستقبل غير طيبة فى حديثه الصحفى. وبالرغم من أننى لم أرتح قط لما كان يروج له المنتدى على مدى السنوات الماضية من توجهات اقتصادية أدت ـ هى نفسها ـ إلى ما يشكو منه الآن من لا مساواة. إلا أن الإيجابى هو الشعور بكارثية الوضع. فلم يقل لنا من المستفيد الأول من تجارة السلاح التى تؤجج الصراعات والنزاعات والحروب. كما لم يشر إلى أن الخلل الحادث فى الجسم الاجتماعى الكونى وفى كل بلد على حدة هو من جراء الأخذ بسياسات اقتصادية تم اتباعها على مدى عقود نتج عنه تركز الثروة فى أيدى قلة مختارة…
(5)
ولأننا جزء من العالم.. فإننى أظن، أن الوضع يحتاج إلى تصورات جذرية لفهم طبيعة النظام الاقتصادى القائم والدينياميكيات المحركة له ومن ثم آثارها على المواطنين: المادية والقيمية.. وابتكار استراتيجيات وطنية لديها قدر من الاستقلال عما هو سائد، بما يضمن: «المساواة»، و«التكامل»، و«الشراكة».. ونواصل…