فؤاد حداد وثلاثة رؤساء (2)

(1)

كان لويس عوض، مثقفنا الموسوعى الكبير، يصف صلاح عبدالصبور بأنه أمير شعراء الفصحى، وصلاح جاهين بأنه أمير شعراء العامية. فلقد كانا، بالإضافة إلى أمل دنقل وفؤاد حداد،…، وغيرهم، يعبرون عن المجتمع الجديد الذى حلم به المصريون. ولكن شعرهم التجديدى لم يكن ـ بحسب لويس عوض ـ ينطلق مالم تكن هناك «ثورة تتمخض» عنهم… لذا ارتبطوا، كجيل، بثورة يوليو 1952. بل أكثر من ذلك يمكن أن نقول توحدوا بها وبرئيسها الكاريزمى، وانخرطوا فى معاركها الكبرى، بدرجات متفاوتة. فاحتفوا بإنجازاتها وتألموا لإخفاقاتها. وقاوموا ما نطلق عليه: «يوليو المضادة» بتجلييها الساداتى والمباركى… لذا فمن الأهمية بمكان تتبع إبداعهم الشعرى

التجديدى عبر أزمنة متعاقبة وخطابات الرؤساء. فى هذا المقام نعود لكتاب الأخ الدكتور سيد ضيف الله: «صورة الشعب بين الشاعر والرئيس» ـ إصدار كتب خانة 2015. وهى الدراسة التى بدأنا نعرض لها فى مقالنا السابق والتى يطبق فيها المؤلف منهج النقد الثقافى على خطاب فؤاد حداد الشعرى والخطابات السياسية المتعاقبة لرؤساء مصر: ناصر، والسادات، ومبارك»…

(2)

وقبل استعراض الكتاب.. يهمنا أن نشير إلى مكانة فؤاد حداد الشعرية وما أضافه للعامية المصرية. حول ما سبق يقول غالى شكرى فى كتابه العمدة والرائد: «شعرنا الحديث…إلى أين؟»ـ 1968، ما يلى: «لم يستعد شعر العامية المصرية أنفاسه التى تمزقت أوصالها سواء فى إذاعة المدينة أو على ربابة القرية والحى الشعبى إلا مع أشعار فؤاد حداد وصلاح جاهين. تمكن فؤاد حداد من أن يخلص شعر العامية المصرية من كليشيهات النشيد القومى والأغنية المذاعة. كما خلصه من ابتذال الهواة للتراث الشعبى فى أساطيره وحكاياته وحواديته وخرافاته. فلم تعنه قط الشكليات الوزنية المتزمتة التى تتعصب لها أبحر الخليل، ولم يعنه قط الموضوع كهيكل عظمى محدد سلفا. وإنما استطاع فؤاد حداد أن ينتهى بشعر المصرية إلى ما يمكن تسميته بالمضمون الفنى الذى يعالج التجربة المصرية فى محورها الشعبى على أبعد مدى لأنغامها المحلية»… هذا هو فؤاد حداد صاحب دواوين: «من نور الخيال وصنع الأجيال فى تاريخ القاهرة، وكلمة مصر، والمسحراتى، ولازم تعيش المقاومة، وأيام العجب والموت، وديوان التسالى بالمزاج والقهر، ومواويل من أول الدنيا، وسبيل الفؤاد، والحضرة الذكية،…،إلخ…فى هذا السياق نقدم جانبا من كتاب سيد ضيف الله صورة الشعب فى شعر فؤاد حداد وفى المقابل كيف رأى رؤساء مصر: ناصر، والسادات، ومبارك الشعب؟…

(3)

بداية يشير ضيف الله إلى أن: «قراءة فؤاد حداد بهدف التعرف على قراءته لنفسه وللعالم وللشعر نفسه، هى قراءة للثقافة، لأن قراءة فؤاد حداد لكل ذلك هى الثقافة بعينها، أعنى الثقافة فى ديناميتها وليس فى ثباتها»…فالإبداع الشعرى الفردى هو نتاج لحظة تاريخية ثورية أو غير ذلك. ومن ثم تكون بدرجة أو أخرى معبرة عنها بدرجة أو أخرى. واللحظتان الكبيرتان عند فؤاد حداد بالنسبة لناصر يحددهما ضيف الله كما يلى: أولا: قيام ثورة يوليو 1952. وثانيا: نكسة 1967، وحولهما نعرض نماذج لرؤية الشاعر ولرؤية الزعيم ناصر… ونستكمل عرضنا للرئيسين التاليين فى مقالنا القادم…

(4)

تقديس الشعب كانت رؤية حداد قبل 1952، كما تجلت فى قصيدته «أحرار وراء القضبان» قبل ثورة يوليو. وعليه لابد من إعادة تعريف من هو الحر ومن هو العبد. فبالرغم من السجن، فالمحبوسون لديه يعدون أحرارا. ومن صنع السجن هم العبيد.: «فى سجن مبنى من حجر، فى سجن مبنى من قلوب السجانين، قضبان بتمنع عنك النور والشجر، زى العبيد مترصصين»… كان إيمانه بالشعب كبير. ويؤمن بمن يحبس الشعب يكون فى منزلة عابد الوثن. وهنا يعلن انحيازه: «ليه ما قبلتش أعبد الأوثان، ليه ما اكتفتش بأضعف الإيمان»… ويجيب: «مارضيتش أعيش من غير عيون وودان، ما رضيتش أعيش من غير فؤاد ولسان»… فى سبيل تحرر الشعب كان حداد يعول على المخلص أو البطل الإيجابى الذى يأتى ليخلصهم من الحرمان والظلم. وبالرغم من أن هذا التعويل يعد لا حداثى ولا يستقيم مع دولة حديثة ويبدو وكأنه يستعيره من الشاعر القديم. إلا أن سيد ضيف الله سرعان ما يستعيد لنا أشعار فؤاد حداد فى المسحراتى لكى يثبت لنا أن شاعر النصف الثانى من القرن العشرين يستمد قوته ومعرفته من ذات قوة ومعرفة الحاكم. ومن ثم يتشارك مع الحاكم فى السهر على الوطن: «يا سبر إيدك فى قلب الليل هلال رمضان، نزل على وقال لى أسهر على الأوطان»… ماذا عن خطاى الحاكم…

(5)

فى المقابل كان الشعب لدى ناصر من خلال خطبه كما يلى: أولا: «المحرومون». ثانيا: «القابلون للاستغلال». مميزا بين المتعلمين من جهة وبين العمال والفلاحين من جهة أخرى. انطلاقا من أن المتعلمين يمثلون عائقا أمام إشباع الحاكم لبطون الجوعى، لأنهم مدللون. كان هذا هو الشعب الذى صنعه ناصر فى خطابه. وعبر قصائد ديوان «بقوة العمال» وغيرها، يقول المؤلف كيف توحد حداد بناصر لا عن تبعية بقدر توافق صوت الشاعر مع حلم الزعيم… ولكن… ونواصل…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern