(1)
عندما عرضت مسرحية على سالم وجلال الشرقاوى «مدرسة المشاغبين»، مطلع السبعينيات،(شاهدتها تعرض على مسرح الإبراهيمية بالإسكندرية) كانت نقطة تحول فى تاريخ الكوميديا المصرية، من جهة. كما كانت إيذانا بأن هناك تحولا حاسما قد طرأ على الشباب المصرى، من جهة أخرى. تحول شمل: نظرة الشباب ـ آنذاك ـ إلى الحياة والآخرين والمجتمع، وإلى جيل الكبار والمعلمين، وإلى مؤسسات التنشئة التقليدية،…،إلخ. وفى المجمل رغبة الشباب أن يعيش تجربة مغايرة عن الأجيال السابقة له.. وبالطبع لم تسلم المسرحية من انتقادات حادة من «حزب المحافظين» المجتمعى العتيد. وهو الحزب الذى لا يدرك، ويرفض أن يدرك، أن الأصل فى المجتمع هو الحركة والتغير لا السكون والجمود. ومن ثم ضرورة فهم التغيرات والمستجدات…لأنه من المحال دوام الحال والأحوال…
(2)
المفارقة أن «مدرسة المشاغبين» كانت تحاول إلقاء الضوءعلى اختلافات قد حلت «بالجيل الطالع»، إذا ما استعرنا اسم مسرحية المؤلف المسرحى الكبير نعمان عاشور. اختلافات حقيقية وجذرية طالت البعض، حيث باتوا يفكرون بطريقة مختلفة عما هو نمطى. كما بدأ البعض يختارون مسارات غير التى يراها جيل الكبار. إلا أن رد فعل إدارة المدرسة وضع هؤلاء فى فصل أطلقوا عليه «فصل المشاغبين»، حماية لباقى فصول المدرسة من أن تهب عليهم رياح المشاغبين.. وهو منطق حاكم لذهنية وردود فعل السلطة الأبوية. فبدلا من محاولة فهم الظواهر الجيلية/المجتمعية فى سياقها الطبيعى. يتم «عزل»هؤلاء المختلفين الجدد بوصفهم مرضى بوباء معدٍ. كما لابد من وسمهم بصفة مشينة مثل «الشغب». وأن يتم الترويج إلى أن ما يحدث هو بفعل «قلة مندسة»(شرذمة/فئة ضالة/خارجون، بحسب ما دأبت على استخدامه خطابات رموز السلطة الأبوية على مر العصور) وأن القاعدة الشبابية سليمة…ونالت المسرحية الكثير من النقد. تارة باسم المعايير الفنية، وتارة باسم الأخلاق والتربية،…،إلخ. الأكثر أن المسرحية أُتهمت بإفسادها جيلا بأكمله.. ولكن لا مانع أن السلطة وقت انتفاضة يناير 1977 تعرض مسرحية المشاغبين وقت حظر التجول وقتها.. والقطعى أن شغب الشباب ـ بالمعنى الواسع ـ أى التغير والتحول لم يتوقف.. فقبل نهاية السبعينيات عرضت مسرحيات أولادنا فى لندن(وقد شاهدتها فى مسرح كوته بالأزاريطة ـ الإسكندرية) ثم مسرحية العيال كبرت، وسك على بناتك، وإنت حر،… إلخ…لتشهد على تفاقم المسألة الشبابية…
(3)
وواقع الحال أن الدراسات الشبابية قد أثبتت أن «المسألة الشبابية» تكون إرهاصة لتحولات كبرى، فالكتلة الشبابية بسبب: الحيوية، والطاقة، والحركة الدؤوب، واكتشاف العالم دون دليل، والرغبة فى كسر التابوهات والاحتكارات الجيلية والسلطوية والطبقية، وخلق تجربة مغايرة عما سبقهم من تجارب، والانسدادات السياسية والمجتمعية والثقافية والاقتصادية، والبحث عن عالم جديد يسع طموحاتهم وتطلعاتهم والعالم الذى يريدون تشكيله «بمعرفتهم»،…،إلخ. أقول بسبب كل ما سبق، ويزيد، يعملون على التعبير عن أنفسهم بشتى الطرق. ويفتحون القنوات التى تمكنهم من ذلك. وفى هذا المقام هناك كتاب هام (إصدار 2013) عنوانه:«1963: عام الثورة». حيث يوثق كيف نجح الشباب من خلال: الموسيقى، والمسرح، والموضة، واللغة الخاصة، والتقاليع الجديدة،…،إلخ، تغيير العالم. وهناك مجموعة من الكتب المهمة التى صدرت فى توقيتات متنوعة لتقييم حركات الشباب فى 1968 وما شابهها من حركات لاحقة، حيث كلها أجمعت أن المسألة الشبابية والثورة وجهان لعملة واحدة. وأنها ظاهرة تواكب شيخوخة المؤسسات المختلفة فى أى مجتمع. وليس صدفة أن هذا يحدث فى سياق اقتصادى/اجتماعى متعثر أو متذبذب…
(4)
فى هذا السياق، خصصت وقتا لمشاهدة أعمال مسرحية لمجموعة من الشباب تعكس أننا أمام ظاهرة تتسم بما يلى: أولا: فنيا؛ فالأعمال المقدمة ـ بعيدا عن تقييمها النقدى العلمى من حيث النصوص والحركة المسرحية،…،إلخ، تمثل حالة فنية/شبابية جديدة لا تقل عما أحدثته مدرسة المشاغبين فى «الزمانات». وثانيا: سوسيولوجيا: حيث لا يمكن ـ بالمنطق الذى حاولنا أن نشرحه حول المسألة الشبابية ـ أن ننكر أننا أمام جيل جديد من الشباب يعبر عن حالة مجتمعية تاريخية، يجسدها فنيا ومن خلالها يقول ما يراه حول واقعنا الراهن، والتاريخ، والعلاقات،…،إلخ.ما يعنى أننا أمام ليس فصلا/مدرسة للمشاغبين وإنما «جيل جديد من المشاغبين». يلتقون ويبدعون من خلال تياترو مصر تحت رعاية أشرف عبدالباقى الممثل الدؤوب الذى بدأ فى مسرحية خشب الورد ـ إذا لم تخنى ذاكرتى ـ والحادثة، ثم قدم فى السينما: رشة جريئة (الكوميديا المركبة)، وأريد خلعا، وبوبوس ثم من خلال الدراما التليفزيونية أبدع فى إسماعيل ياسين، ومذكرات زوج، ثم فى الست الكوم الممتد «راجل وست ستات»…حيث جسدوا فى تياترو مصر؛ مصر «التياترو الكبير» ببساطة وحيوية ومرح…
(5)
جيل من الشباب من خلفيات مختلفة ذات قدرات فنية متميزة، يعبرون عن جيلهم وزمنهم ومختلفون كليا عما هو قائم. يتميز شغبهم بأنهم يكسرون كل ما هو «تابو».. ينتقدون كل شىء: الإعلانات، المسلسلات، الأشخاص، الأوضاع، التاريخ، الأساطير،…،إلخ. بدرجة تتجاوز فصل/مدرسة المشاغبين…ونواصل…