وصف مصر والعالم بالمصرى: لا تقدم بغير خرائط معرفية «2»

(1)

«وصف مصر»، مشروع قومى بامتياز. هذا ما خلصنا إليه فى مقالنا الأول من هذه السلسلة. حيث إن هناك حاجة ماسة لمعرفة ما لدينا من موارد بشرية ومادية تفصيلا من: عقول وتخصصات من جهة، وثروات طبيعية موجودة ومحتملة، طبيعية ومخلقة، من جهة أخرى. كذلك ما هى الخبرات المتراكمة لدى مصر فى شتى المجالات سواء التى تم إطلاقها وتعثرت أو المطروح تبنيها مثل: صناعة المادة الفعالة فى الدواء كذلك السيارة الوطنية وقت يوليو الثورة والدولة وأجهضت مع يوليو المضادة فى السبعينيات. أو التى استجدت مع التقدم التكنولوجى واختبرت فى أكثر من مكان مثل توليد الطاقة من الرياح والشمس،… إلخ.

(2)

وظنى أن نقطة الانطلاق لهذا المشروع هى أن يتشكل كيان من عناصر رفيعة المستوى لديها قدرة ذات إطلالة واسعة وثقافة موسوعية تمكنها من التعاطى مع مساحات معرفية متنوعة. فهذه ليست مهمة التكنوقراط أو البيروقراط، بقدر ما هى مهمة وطنية معرفية شاملة تحتاج عقولا ذات قدرات رؤيوية وموسوعية ومبدعة ومطلعة على جديد العالم ومن قبل مصر؛ كى تضفر ما يتجمع لديها بشكل يصلح أن يكون قاعدة انطلاق لتقدم تنموى شامل ومركب… فهكذا فعل نهرو منذ نهاية الستينيات عندما أراد معرفة ما لديه بالضبط وإعادة تضفيره فيما يخدم احتياجات الهند. وتوطين كل المعارف والتقنيات فى ربوع الهند على قاعدة توزيع عادل بصرامة على أقاليم الهند الممتدة. حيث تخصص إقليم ما فى الطبيعة النووية، وآخر فى تنمية المحاصيل وتطوير الزراعة،.. إلخ. ويدير هذه الأقاليم الأشخاص «الصح» سواء استحضروا من الخارج أو صعدوا بعناية من داخل الهند وفق معايير غاية فى الدقة. وكانت النتيجة أن انطلق «الفيل الهندى يقفز» كما وصفناه من قبل وصفا استخدمته الإيكونوميست، لاحقا. بيد أن هذا لم يكن يحدث ما لم يخصص نهرو مجلسا للمعرفة فاعلا لإنجاز هذه المهمة القومية. (راجع مقالاتنا لكتاب أمة من العباقرة حول هذه التجربة).

(3)

ذكرنى صديقى بالمهمة التاريخية التى قام بها على مبارك من خلال الخطط التوفيقية. ومن خلال عمله فى ديوان الأشغال ثم فى السكك الحديدية وفى مجالى الرى والتخطيط العمرانى،.. إلخ.. وأخيرا دراساته التى اتسمت بتجميع جديد المعرفة فى: أوصاف البحار، خواص الأعداد، والموازين، وتغذى الأجسام، وعلم الهندسة،.. إلخ.. وهنا نبهنى صديقى لماذا لا تخصص حلقة حول على مبارك كنموذج فى وصف مصر وأثر ذلك على مصر الحديثة. قلت فكرة طيبة وتنفذ…

(4)

وأنا أواصل الكتابة. لاحظ صديقى وهو يقرأ معى ما أكتب. أن وصف مصر يرتبط بوصف العالم. فقلت له: أنت مصيب مائة بالمائة. لأن الأمر إذا كان يرتبط بالتقدم والمشروع التنموى المركب المطلوب لابد من إنجاز هذه المهمة المزدوجة وذلك لأن الوصف الذاتى لابد له من وصف الآخرين لأسباب كثيرة نفصلها لاحقا.. وما يمكن الإشارة إليه الآن هو أن هذا الأمر ضرورة وشرط للتقدم. وألا يتم إلا من خلال «خرائط معرفية» عن كل شىء.. فما المقصود بالخريطة المعرفية؟ وما أهمية أن يكون لدينا خرائط معرفية؟

(5)

الخريطة المعرفية هى نص دراسى شامل وجامع حول مساحة معرفية ممتدة أو أكثر. حيث توفرـ هذه الخريطة ـ المفاتيح المطلوبة لفهم الظواهر، وتطورها، وأهم الفاعلين فيها، وأثرها التاريخى، ومستقبلها. كذلك تأمين ما تراكم من معلومات حول المجال المعرفى الذى تتم دراسته. كذلك ما تراكم من معالجات علمية وفق المناهج العلمية المتعاقبة/ المتجددة حول المساحة المعرفية المبحوثة. وفى المحصلة تصبح الخريطة المعرفية مدخلا معتبرا ومعترفا به لأى مساحة معرفية مطلوب التعرف عليها. كما تضمن الخريطة المعرفية ألا يضيع جهد شخص أبدع أو أنجز، أو تندثر قيمة أو فكرة أو إبداع، أو معلومات أساسية حول شخص/ مكان/ نظرية/.. إلخ.. وظنى أن هذا يعصمنا من تلك الظاهرة الدميمة التى تجعلنا نبدأ من الصفر فى محاولة عبثية لإعادة اختراع الدراجة عند التصدى لمعالجة ملف من الملفات. حيث لا نأخذ فى الاعتبار أى خبرة تاريخية محلية أو عالمية، وكأنه مكتوب علينا أن نستغرق فى اختراع الدراجات مرات ومرات.. ندلل على ذلك فى مقالنا القادم. ونبدأ فى التعرف على نماذج لوصف مصر.. ونواصل…

ما بعد المقال: تصحيح واجب

ورد إلى من الصديق العزيز المناضل الوطنى الكبير والسياسى المصرى القدير حمدين صباحى تصحيح حول ما ورد عن العالم الكبير محمد عبدالفتاح القصاص، فى مقالنا السابق، حيث أوردت اسمه بالخطأ كما يلى: محمد عبدالمنعم القصاص والصحيح محمد عبدالفتاح القصاص فعلا كما ذكر الأستاذ حمدين. وأنا أتحمل هذا الخطأ بالرغم من أننى كتبت عنه أكثر من مرة ولعلى أول من كتب عن مذكراته الغاية فى الأهمية ووصفته بعاشق تراب مصر بالرغم من أنه بلديات حمدين، فلقد عشق مصر بطولها وعرضها مثل حمدين صباحى، وبذل الكثير وتحمل الكثير والكثير فى فترات حرجة ومثله حمدين.. الشكر كل الشكر..

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern