سنوات الحراك «2011 ـ 2015».. (4 - 5) ربيع الالتفاف الوطنى

(1)

أطلقت سنوات الحراك ربيع التغيير فى 2011. والذى بدأ بما أطلقنا عليه «أسابيع الأمل» التى أسست للمواطنة الفعل من خلال الحراك القاعدى، أو من أسفل للمواطنين المصريين. إنها الأسابيع التى صاغت إرادة شعبية غير مسبوقة تاريخياً كان من نتاجها: «إسقاط فرعون» من عليائه. كما بلورت مطالبها فى عبارات مكثفة لخصت إلى أى مدى وصلت أحوال العباد والبلاد. وكانت هذه المطالب هى موضوع الصراع والمناورة بين العناصر السياسية (بأوزانها النسبية المتفاوتة لأسباب تاريخية كثيرة غير عادلة) الضالعة فى العملية التغييرية ما بين:

«الجدال الدستورى، والسجال السياسى، والنزال الدموى»، على مدى الشهور التالية لأسابيع الأمل (من إعلان نتيجة استفتاء 19 مارس إلى إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية الأولى فى يونيو 2012)، الانتخابات التى فى جولتها الأولى كانت تعبر بالرغم من كل شىء (أقصد الجدال والسجال والنزال) عن حالة ما من الشراكة الوطنية التى انطلقت فى مواجهة الاستبداد السياسى. إلى أن حداثة اللعبة السياسية المفتوحة المتحررة من سيطرة الحزب الشمولى الأوحد من جهة، والبيروقراطية بتجلياتها من جهة أخرى، والتى حكمت الممارسة السياسية لعقود، قد أدت إلى استعادة المشهد القديم فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لتكون مرة أخرى بين: الثروة والدين أو الشبكة والجماعة أو الصيغة التى ركن إليها النظام القديم… بالإضافة إلى سوء حسابات كثير من عناصر اللعبة، خاصة التقليدى منها… وهو ما شجع السلطة الجديدة لاختطاف الدولة لصالح مشروعه الخاص. واعتبار ما جرى مجرد تبادل المواقع بين اللاعبين الأساسيين اللذين تمت هندسة المشهد السياسى على مقاسهما.

(2)

فلقد كان من المفترض أن يلتزم المنتصر- أياً كان لونه- بمرجعية الشرعية التى جاءت به: «شرعية 25 يناير»، خاصة أنها مرحلة انتقالية لا يجوز فيها لأحد الأطراف أن يستأثر فيها بالسلطة دون شركاء النضال الذين ساهموا فى عملية التغيير. إلا أن السلطة الجديدة حادت عن هذه الشرعية. وكان الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر 2012 تكريساً لما أطلقنا عليه «زمن الاختطاف»… وهو ما جدد حراكا قاعديا/شعبيا فى مواجهة الاستبداد الجديد الذى كان يتشح باللين، وذلك لاستعادة «الربيع الأول» القائم على الشراكة الوطنية… حراك كانت قاعدته أوسع بكثير من حراك الربيع الأول. وهو ما تجلى فى مظاهرات الاتحادية. ثم كان الإعلان عن «حظر التجول» فى مناطق القنال والتى ووجهت بما أطلقت عليه- آنذاك- «حظر التغول»… وكانت السلطة تواكب ذلك بإعلانات دستورية «قطاعى»، فى محاولة لاحتواء تداعيات الإعلان الدستورى الاستبدادى. كان الشكل يبدو وكأن السلطة تستجيب للانتقادات التى تعرض لها هذا الإعلان الدستورى الاستبدادى إلى أن هذه الإعلانات القطاعى كانت فى واقع الأمر تجعله نافذاً.

(3)

واستمرت حالة الحراك الجديدة تنمو. وتشكلت جبهة الإنقاذ، والتى بالرغم من أى انتقادات- وقد كنت عضوا بها- إلا أنها- من منظور الباحث- أظنها قد نجحت فى تكوين الغطاء السياسى اللازم للحراك الميدانى… إلا أن هذا لم يمنع من تلقى التهديدات التى كان مفادها: «إما القبول بما هو قائم أو العنف»… والذى بدأ فعلا بقتل وإخفاء كثير من الشباب، خاصة الذين كانوا يعرفون بـ«الأدمن» أو محررى الصفحات الالكترونية النضالية مثل: جيكا وكريستى وغيرهما،… (فى الفترة من ديسمبر 2012 إلى فبراير 2013)… وهى الظاهرة التى وصفتها «باغتيال المستقبل» (راجع مقالنا الذى يحمل نفس العنوان مطلع 2013 حيث ذكرنا فيه أسماء 20 شابا وشابة ممن قتلوا أو خطفوا قسراً واجتهدنا أن نشرح بدقة علمية ما الدور الذى يلعبه بدقة «الأدمن» فى تفعيل الحراك)… ومع مطلع فصل الربيع عام 2013 تبلورت «تمرد» التى استطاعت- بالرغم من أى ملابسات- أن تخلق حالة من «الالتفاف الوطنى» ///***/// العار للطبقات والأجيال والجهات والثقافات حول ضرورة الوقوف ضد كل ما من شأنه تغيير طبيعة الدولة لمصرية… وهو ما لم تستوعبه السلطة الجديدة، فما كان منها إلا أنها أعلنت الحرب ضد هذا الائتلاف الوطنى العريض وذلك باستحضار رموز العنف التاريخى كظهير لها، إنها المواجهة التى وصفناها بالصراع بين مشروعى الوطن والجماعة.

(4)

استطاع ربيع الالتفاف الوطنى أن يصل ما انقطع. أقصد استعادة شرعية 25 يناير التى تقوم على الشراكة الوطنية بين الجميع. وإذا كان الربيع الأول قد انطلق فى مواجهة التوريث والتمديد المطلق أو كل ما هو ضد القيم الجمهورية، فإن الربيع الثانى انطلق فى مواجهة تفكيك الدولة الوطنية الحديثة لصالح مشروع إقليمى مضاد (ولعل ردة الفعل الوحشية التى تأتى فى صورة الذبح البربرية تعبر عن قيمة ما نجح فيه المصريون من إفساد المشروع الإقليمى ومن ثم الثمن الذى يجب أن يدفع)… أخذاً فى الاعتبار أن الرؤية الاقتصادية للنظامين كانت متطابقة، وهنا المفارقة التى لا يتحدث عنها أحد… جاء فصل الصيف الساخن لتأخذ سنوات الحراك مساراً جديداً… ونواصل…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern