سنوات الحراك (2011 ـ 2015).. (3) زمن الاختطاف

(1)

جرت الانتخابات الرئاسية فى 2012 نتيجة مخاض مركب تداخل فيه: «الجدال والسجال والنزال»، الذى امتد على مدى شهور. جدال دستورى، وسجال سياسى، ونزال دموى فى الميادين.. ولكن أسابيع الأمل الأولى كانت من القوة والأثر بما يمكنهما من أن «خلق» ديناميكية مجتمعية جديدة، لم تستطع القوى السياسية ولا الدينية ولا «الدولتية» (نسبة إلى دولة) أن تراها بدقة. وهى تحديدا ما وصفتها بالكتلة الجديدة التى تمثل العمود الفقرى لأسابيع الأمل ورمانة الميزان فى شهور «الجدال والسجال والنزال». وهى كتلة مليونية «بكر» أخذت مسألة التغيير بشكل جدى. لذا كانت متمردة على كل الحسابات النمطية والتقليدية وهو ما تجلى بشكل قطعى فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية…

(2)

وتشير الدراسة المتأنية إلى ما يلى: أولا: الاستجابة الجدية للعملية الانتخابية من خلال المرشحين الرئاسيين الذين مثلوا بوضوح وبصورة مباشرة ألوان الطيف المصرية. (وهنا يجب أن تجرى دراسة مقارنة على ضعف الاستجابة للانتخابات البرلمانية: شعب وشورى، التى أجريت فى نهاية 2011 ومطلع 2012، مقارنة بالانتخابات الرئاسية). وثانيا: دعم فكرة الجمهورية بقيمها وتقاليدها الحديثة التى تقوم على المؤسسية والحداثة والعصرنة والعدل والتى قطعا لا يعد التوريث من ضمنها، وغير ذلك الكثير. ثالثا: التأكيد على فكرة الشراكة الوطنية بين جميع القوى، بغض النظر عن الأوزان النسبية فى الشارع من جهة، والقبول بالتعددية بينها من جهة أخرى. رابعا: القناعة بأن عملية التحول الديمقراطى هى عملية أكبر بكثير من أن يحملها عنصر واحد من عناصر الشراكة الوطنية مهما كان يحظى بالأغلبية. خامسا: أن تقلل الانتخابات الرئاسية من خلال هذا العنصر القادم الجديد «البكر» من التقاسم التاريخى السياسى الذى عرفته البلاد من خلال صيغة ما أطلقت عليه: «احتكار الشبكة واستئثار الجماعة»؛.. وهو ما تجلى من خلال الانتخابات البرلمانية على مدى عقود (منذ انتخابات 1984) وشكل صيغة سياسية ذات توجهات اقتصادية/ وقاعدة اجتماعية واحدة على الرغم من اختلاف المرجعيات (تراجع التشريعات التى تم الاهتمام بها فى مجلس الشعب المنحل ثم الشورى)…ولكن…

(3)

بالرغم مما سبق جاءت الجولة الثانية من الانتخابات مكرسة للصيغة القديمة بين مرشحى: الشبكة والجماعة، نفس الصيغة التاريخية القديمة مع بعض التعديلات. منها أن هناك ممن ينتمون للكتلة الثورية أعطوا أصواتهم لمرشح الجماعة حتى لا تعود شبكة الامتيازات المغلقة للحكم مرة أخرى.. وهناك ممن على النقيض التام مع الأيديولوجية الدينية وحضورها فى المجال السياسى انحازوا للمرشح المضاد.. وهكذا عادت الصيغة القديمة إلى المسرح السياسى مرة أخرى.. من هنا انطلقت المبادرات لتخفيف حدة المشهد منها: اتفاقية فيرمونت، والمفاوضات النوعية من أطراف شتى لضمان المشاركة السياسية وفق روحية 25 يناير التى تقوم على الشراكة الوطنية، خاصة أن أحوال البلاد تحتاج الجميع لاستكمال التحول الديمقراطى الذى لا يمكن أن يتم إلا بشركاء التغيير مجتمعين، بصرف النظر عن مواقعهم.. ولكن مرة أخرى..

(4)

فى ظل الديناميكية الجديدة التى جاءت بها نتيجة انتخابات الرئاسة بدأت مصر مرحلة جديدة اختلفت فيها اللعبة السياسية. واختلفت مواقع أطرافها. وكان الكثيرون يحدوهم الأمل فى تحول ديمقراطى وفق قواعد جديدة فى ظل سياق جديد لم تعرفه مصر، رغم كل الملاحظات التى أثيرت حول خارطة الطريق. إلى أن جاء الإعلان الدستورى (22 نوفمبر الماضى) بمضمونه «التحصينى» و«التقييدى»؛ وبإخلاله بالتوازن بين السلطات. وباستعداء القضاء وبتأسيسه لأجهزة موازية لها، ما أدى إلى البدء فى التأسيس لزمن جديد هو: «زمن الانحراف» عن شرعية يناير. خاصة أن مجموع هذه الإجراءات قد ارتبطت ـ شئنا أم لم نشأ ـ بتمرير قسرى للدستور أو ما أطلقنا عليه: «شرعية الإكراه». وهو الدستور الذى وصفناه آنذاك بتعبير: «دستور الغلبة».. لم تستطع كل محاولات الحوار العلنية والكواليسية أن تصحح ما جرى. لا الدستور المعدل ولا المكمل ولا المصحح.. كما كان مضمون الحوارات الكواليسية هو ضرورة القبول بالأمر الواقع وإلا!…

(5)

ولم يكن واضحا لماذا هذا الاستقواء: هل هو اتفاق غزة الذى وقعت عليه الجماعة كضامن (أول توقيع مصرى لإسرائيل منذ كامب ديفيد) ونالت به دعما غير مسبوق. هل هو ضعف القوى السياسية وضعفها التنظيمى، أم «التربيطات» الاقتصادية العابرة للحدود.. إلخ.. على أى حال أدى الخطأ التاريخى للإعلان الدستورى الاستبدادى إلى الدخول فى مرحلة نضالية جديدة فى سنوات الحراك.. ونواصل.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern