سنوات الحراك (2011 ـ 2015): «الانكشاف» أو «أسابيع الأمل».. «1»

(1)

أربع سنوات تمر على انطلاقة «حراك يناير».. وهو التعبير الذى نعتز بأننا أطلقناه- فيما أظن ـ مبكرا جدا، (منتصف فبراير 2011).. سبقنا تعبير «الحراك» «بالموجة الأولى» ولحقناه بالشبابى والشعبى.. وكانت كل تحليلاتنا تدور حول هذا المفهوم.. لقد كان هذا الحراك هو خلاصة مكثفة لثلاثة أنواع من الاحتجاجات هى: أولا: احتجاجات التوتر الدينى، وثانيا: الاحتجاجات السياسية والمدنية، وثالثا: الاحتجاجات الفئوية.. كانت السلطة تتعامل معها بالاحتواء وبالتأجيل والتسويف فى إطار إدخال مصر كلها إلى «الفريزر»، تحت عنوان كبير هو: «الاستقرار»..

فكانت المحصلة ثلاثة عقود من الركود والجمود.. إلا بعض الحركية فى المجال الاقتصادى فى إطار ـ ما أطلقنا عليه هنا فى هذا المكان قبل 2011 ـ قلة ثروية/ شبكة الامتيازات المغلقة.. لقيت هذه الحركية انتعاشا ماليا لم يصل إلى الحد الذى يمكن أن يقال معه إن مصر تقدم نموذجا تنمويا متميزا.. فلم يكن الأمر يتجاوز «تسيير/تصريف الأحوال والأعمال» بما يضمن الاستمرار والاستقرار..لا أكثر ولا أقل..

(2)

فى هذا السياق، كانت 25 يناير لحظة «انكشاف كبرى».. وإعلان أن مصر ليست بخير أو «بعافية» ـ وهو تعبير استعرناه من عاميتنا الثرية ورددناه فى الإعلام كثيرا ـ فلقد «انكشف» كل شىء.. فما من ملف يفتح إلا ويتضح أن به خللا مركبا وأن السلطة ليس لديها لا الإرادة ولا القدرة على معالجة أى خلل من هذه الاختلالات.. فليس لديها إلا التسويف أو المعالجة التسكينية الظاهرية التى تتحاشى علاج أسباب وجذور الخلل.. يضاف إلى ما سبق أن مصر كانت مرهونة فى العقد الأخير للكيفية التى تنتقل بها السلطة.. سواء كان الأمر محسوما أو لم يكن فإن النتيجة أن كل شىء كان فى مصر مؤجلا ومجمدا.

(3)

من رحم الانكشاف، ولد «الأمل»؛.. الأمل فى التغيير، وفى بناء مجتمع أفضل أعمدته (إذا ما استخدمنا عنوان إبسن الشهير) تقوم على: «العدالة والحرية والعيش والكرامة الإنسانية».. والتقى الجميع فى موقف حاشد عابر للطبقات والأجيال والانتماءات والمكانة والجنس وللدين.. وأصبحت «الدنيا هى ميدان التحرير»، بحسب إبراهيم عبد المجيد.. لم يعد الأمر مجرد مكان يرتاده الناس وإنما قبلة يتوجه إليها المواطنون يسبحون ويدعون أن يتحقق الأمل بهم فى أن يعود «الوطن إلى مكانه فى التاريخ» (أيام التحرير لإبراهيم عبدالمجيد).. هكذا عاش الناس «المواطنة الفعل»، بحضورهم الفيزيقى فى ميدان التحرير على مدى أسابيع الأمل التى بدأت فى 25 يناير 2011 (وانطلقت إرهاصتها مطلع العام احتجاجا على مذبحة الإسكندرية).. لقد باتوا يمارسون المواطنةـ عمليا ـ ويمنحون الحروف الدستورية حياة وحيوية ومعنى.. فالإصرار على الحضور والتواجد حتى يتحقق حلم: كسر الجمود، والإعلان الجمعى بأنه لا استمرار ولا استقرار مع واقع مؤلم ومتردٍ.. وقد كان، حيث تحقق الأمل خلال أسابيع.. وتم إسقاط رأس النظام: الفرعون/ مولانا/ أفندينا/ ولى النعم.. إنه تحول كبير ولاشك..

(4)

لقد كانت غضبة الناس كبيرة على أحوالهم وأوضاعهم التى لم تعد تسر.. تأخرت السلطة فى الترضية.. لم تدرك أن هناك أجيالا جديدة تسافر وترى وتتابع أحوال بلدان كنا نسبقها قد صارت تتقدم علينا بمراحل.. ولم تدرك أن الحراك الشعبى لابد أن تتم الاستجابة له بدرجة أو أخرى.. بالطبع مع إدراك أن هذا لا يعنى إحداث تحولات مجتمعية شاملة تمس بنى ومؤسسات الاستبداد لا قممها.. على أى حال انطلق الحراك الشبابى الشعبى فى موجته الأولى على أرضية انكشاف شامل لسلطة فشلت فى كل شىء تقريبا.. فكانت أسابيع الأمل التى توجت بإسقاط رأس السلطة، ما يعنى الانتقال إلى مرحلة أخرى ـ بالضرورة ـ فى سنوات الحراك (2011 ـ 2015).. ونواصل..

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern