إحنا إيه قضيتنا؟

(1)

عقب ثورة 1919، تفتحت مساحات جديدة أمام المصريين كى يعبروا عن أنفسهم سياسياً ومدنياً وفى التأسيس لواقع جديد يقوم على: الحرية. وفى الخمسينيات والستينيات، كانت مصر يحدوها الأمل فى بناء مجتمع جديد: عادل، ومستقل. فى هذا السياق، أى عقب كل لحظة تغيير، كانت تثور مناقشات تصب فى محاولة تلمس طبيعة المجتمع المأمول، ونوعية علاقة المجتمع بالدولة، ونموذج التنمية المطلوب تطبيقه. كما تطرقت المناقشات لشتى الموضوعات والملفات منها: شرعية الحكم والحاكم، النخبة ودورها، الاقتصاد وتوجهاته، علاقة الدولة بالدين،

أهمية إدراك تاريخنا الذاتى كأحد مقومات بناء المستقبل… إلخ. كما لم تكتف المناقشات بالقضايا النظرية والفكرية بل عنيت أيضا بالاقتراب من ماهية السياسات المطلوبة التى تتناسب مع طموحات الدولة الجديدة فى بناء مجتمع قوى. لذا تناولت الحوارات سياسات: التصنيع، والزراعة، والتعليم، والثقافة…، إلخ، وكيف يمكن أن تستجيب للطموحات التى راودت الجميع.

(2)

كانت هناك «قضية/ قضايا»؛ تشغل بال الجميع. ذلك لأن التغيير الحقيقى يفرض على الجميع أن يقدم رؤاه بما يحقق تطلعات الناس فى تحقيق الأحلام المنشودة… ولعل المراجع لكثير من الأعمال الفكرية والأدبية ـ آنذاك/ فى كل مرحلة من المرحلتين المذكورتين ـ سوف يلحظ كيف تم الاقتراب من الكثير من القضايا الشائكة… قضايا حقيقية، لا يمكن التغاضى عن نقاشها ومثلت مساهمات حقيقية فى الفكر المجتمعى المصرى… راجع ما كتبه توفيق الحكيم فى «عودة الروح»، أو على عبد الرازق فى «الدين وأصول الحكم»، أو ما حاولت أن تقدمه جماعة الأمة القومية من حلول لما يتعرض له المصريون من مشاكل وتحديات… هل يختلف أحد على ما ناقشه توفيق الحكيم حول قضية «الشرعية» فى مسرحية «السلطان الحائر»، أو يوسف إدريس حول «العلاقة بين السيد والعبد/ السلطة والفرد» فى مسرحية «الفرافير»، أو نعمان عاشور حول «الطبقة الوسطى: طموحاتها واختياراتها» فى مسرحية «عيلة الدوغرى»، أو لطفى الخولى حول «القانون وأيهما أجدى المسار الراديكالى أم الإصلاحى لتطوير المجتمعات» فى مسرحية «القضية». أو سعد الدين وهبة وهو «يرسم خريطة المجتمع الجديد وتناقضاته» فى مسرحية «سكة السلامة»… كما نشير إلى أعمال نجيب محفوظ الإبداعية التى تطرح تساؤلات كبيرة حول الواقع… وكتابات خالد محمد خالد حول الدين فى المجتمع الجديد.

(3)

الخلاصة، انشغل المصريون وخاصة الذين انحازوا إلى التغيير ـ وتطلعوا إليه وشاركوا فى إنجازه ـ بالاجتهاد فى تقديم تصورات حول مصر الجديدة عقب كل لحظة تغيير عرفتها مصر.. وبغض النظر عن مدى موافقتنا أو اختلافنا لهذه التصورات فإنها كلها جديرة بالتقدير والتعلم والاستفادة والاستعادة.. وكنت أتصور أنه بعد حراك 25 يناير وتمرد 30 يونيو سوف نفرد وقتا للاجتهاد حول قضايانا الملحة.. بيد أن، ما أطلق عليه، «سجالات الغلوشة والفهلوة» و«حملات التجريح والتشهير والنميمة».. قد حرفتنا عن مناقشة قضايانا الحقيقية وأعادتنا إلى أطروحات فقدت صلاحيتها… وعن ـ وهذا هو المهم ـ من وضع جدول أعمال وطنى لمناقشة القضايا الأساسية.

(4)

علينا أن ننشغل بقضايا حقيقية، والأهم «أن نفتح ثقوباً فى جدران» كل ما هو مسكوت عنه وعالجته جذرياً.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern