(1)
هذا الرقم، هو عدد مشاهدى إحدى مباريات الدورى الإنجليزى الممتاز الذى انطلق منذ أسبوعين. وأهم ما لفت نظرى هو الدقة المتناهية فى تحديد وإعلان أعداد المشاهدين فى كل المباريات. فبمراجعة أعداد من شهدوا مباريات الدورى على مدى أسبوعين سوف يجد القارئ الكريم مدى الدقة فى تحديدها وليس التقريب لأقرب رقم صحيح، بمنطق: «حوالى»، و«تقريبا»، و«بالتقريب كده»، انطلاقا من منطق هو «حد ح يراجع ورانا»، أو «يا سيدى ما تحبكهاش أوى وما تبقاش نمكى، يعنى هو إحنا كملنا المعانى فى كل شيء وبقينا فاضيين نعد الجمهور بالرأس».
(2)
الحقيقة، طريق التقدم أو «الريادة»، بحسب التعبير الذائع والشائع مصريا.. يبدأ من هكذا تفاصيل من جانب.. كما أن الوصول لهذه الدقة يعنى أن هناك منظومة غاية فى الصرامة قادرة على أن تدير نشاطا رياضيا بهذا الحجم بإتقان، ما جعل الدورى الإنجليزى الدورى الأول فى العالم.. قد يقول قائل إن الدورى الإنجليزى هو الأقدم عالميا، ومن ثم فمن الطبيعى أن يصلوا إلى هذا الإتقان فى إدارته…واقع الحال نعم عرفت إنجلترا أول نشاط كروى منظم بحسب نظام الدورى فى عام 1888 على يد الاسكتلندى وليم ماك جريجور،.. ومن إنجلترا انطلق نظام الدورى إلى العالم أجمع.. ولكن ليس هذا هو سبب أولية الدورى الإنجليزى عالميا الآن…
(3)
نقطة البداية، كانت، عندما تمت مراجعة نظام الكرة الإنجليزى فى الثمانينيات، وتقرر أن يتم الانتقال إلى إدارة كرة القدم وفق المعايير الإدارية والاقتصادية التى تجعل اللعبة الإنجليزية تتطور ولا تكون «عالة» على أى جهة، دون أن يخل ذلك بفكرة توسيع قاعدة الممارسين للعبة كرة القدم من المواطنين الإنجليز وبخاصة الأقل دخلا أو الأفقر فى كل أنحاء إنجلترا: المركز والأطراف.. وعليه تم إشهار الدورى الإنجليزى للدرجة الأولى كشركة (تحت رعاية أحد البنوك الإنجليزية الشهيرة) باسم: «الدورى الإنجليزى الممتاز(البريميير ليج)» فى عام 1992، تعمل بالتعاون مع الدورى الإنجليزى..
وفى أقل من 10 سنوات أصبح إيراد الدورى الإنجليزى الممتاز مليارى دولار برعاية شركات عملاقة تستثمر أموالها بطريقة علمية فى الدورى الإنجليزى الممتاز، وتقوم بعمليات تسويق غاية فى الاحترافية… كان من نتاجها إجراء تحديث كامل للمنشآت الكروية، وتأسيس مدرسة للكرة فى كل ناد تقريبا، وانتشار اللعبة فى أرجاء البلاد. وصارت هناك مناطق تتضمن أكثر من 5 نواد مرة واحدة، موزعة على أقسام الدورى الأربعة بالإضافة إلى الدورى الممتاز.. لم تعد نوادى العاصمة والمدن الكبرى تحتكر الدورى.. فكل بقاع إنجلترا ممثلة فى أقسام الدورى المتدرجة التى تخضع لنظام صارم للصعود والهبوط. والأهم اتساع قاعدة الممارسين للعبة فلا تصبح حكرا على الأغنياء وإنما متاحة للجميع.. كما وضعت قواعد صارمة لنظم التعاقد الخاصة باللاعبين والمدربين وكيفية الاستثمار عموما فى الدورى.. ووضعت مسافات واضحة وتوزيع أدوار منضبط بين الشركة فى إدارتها الاستثمارية للدورى وبين الاتحاد كجهة فنية ومجتمعية مطلوب منها تحقيق العدالة الكروية بين المواطنين ورفع مستوى اللعبة،… إلخ.. وعليه يمكن تحديد عدد مشاهدى المباريات بالضبط.
(4)
إنها تجربة جديرة بالدراسة على كل المستويات.
كما أنها تقدم الكثير من الدروس المستفادة على أصعدة متنوعة.
كما أنها ـ فى المقابل ـ تثير الكثير من الأسئلة عن أحوال/ أدوار مؤسساتنا وتشكيلاتنا العامة والمدنية.