لقطة و زمنين

(1)

هناك الكثير من اللقطات فى حياتنا التى تعكس كيف أن المشهد العام لحياتنا بات ينقسم بشكل حاد بين زمنين.. زمن ينتمى إلى الماضى بشكل تام.. وزمن مغاير يعبر عن مستقبل مختلف.. وأن هناك مسافة باتت قائمة بين الزمنين.. من هذه اللقطات: لقطة تتعلق بأفراحنا المعاصرة.. فلقد دعيت مؤخرا إلى أكثر من فرح فى الفترة الأخيرة.. ووجدت المشهد العام يتكرر كأنه صورة بالكربون.. فما إن يستقر العروسان على كرسييهما وتبدأ فعاليات حفل الزفاف، التى تكتسب شرعيتها ـ واقعيا ـ مع انطلاق عمل الـ«D.J»،

(راجع مقالنا المبكر حول ثقافة الدى جى ـ 2004)- حتى نجد الحضور قد انقسموا إلى فريقين: فريق يتكون من الشباب والـ«تين إجر» والأطفال، يمثلون أغلبية الحضور، وفريق من الكبار، ممن تجاوزوا الأربعين، فما فوق يعدون أقلية بين الحاضرين.. وما إن يبدأ برنامج الأغانى الذى أعده «الدى جى» حتى نجد الفريق الشاب ينطلق بكل جوارحه وعضلاته المتفرقة مع الأغانى، يرددون كلماتها التى يحفظونها عن ظهر قلب، ويرقصون على نغماتها الإيقاعية الضاربة والصارخة.. يحملون أجهزتهم من «المحمول» و«الباد».. فماذا عن الفريق الآخر؟

(2)

أما عن فريق الكبار، فنجده يستقر قاعدا، حيث تتعدد ردود الأفعال بين: الذهول، والرفض، وعدم فهم ما يجرى، والرغبة فى مجاراة الشباب، ومحاولة فك شيفرة ما يجرى، أو الاستسلام لما يجرى، أو الغياب عما يجرى بوسائل كثيرة: بالخروج من القاعة، أو استعادة زمن الماضى فى المخيلة… إلخ. والمتأمل للمشهد سوف يجد كيف تعود الحياة لفريق الكبار أو يستعاد إلى المشهد، عندما يضع «الدى جى» أغنية من زمن جيل الكبار كأنه أعاد الروح والحياة له، فنجدهم ينخرطون فى المشهد.. ولكن سرعان ما يعود «الدى جى» إلى أغانى زمن فريق الشباب، الذى أظنه اعتبر الأغنية التى تسربت من الماضى فترة راحة إجبارية ـ بلغة لاعبى كرة القدم ـ يعود بعدها إلى الحلبة لاستكمال الحفل الذى لا تتوقف فعالياته قبل الفجر بأى حال من الأحوال.

(3)

هذه اللقطة دالة جدا، وأظنها تلخص الكثير من اللقطات التى بدأت تتكاثر، وتنتشر فى المشهد العام فى حياتنا، وتعكس كيف ينقسم واقعنا بشكل حاد بين زمنين.. زمن ينتمى للماضى، وآخر قيد التشكل، مهما كان رأينا فيه، ينزع نحو المستقبل.. قد يقول قائل إن هذه سنة الحياة.. بيد أن الخبرة التاريخية تقول عكس ذلك.. كما أن الإشكالية تكمن فى أن كثيرين ممن فى مواقع السلطة على اختلافها لا يقرأون الرسائل التى ترسلها مشاهد كهذه.. كما أن تداعيات هذا المشهد تتجسد عندما ندخل فى مناطق أخرى مثل السياسة.. عندما نستدعى مقاربات أو معالجات أو إجراءات أو شخصيات أو… إلخ من الماضى.. ونستعيد أفكارا ولغة تنتميان لزمن فات فى سياق يتغير باطراد.. ويحاول جيل الشباب أن «يفلتوا» به وبأنفسهم إلى المستقبل بشتى الطرق.. لم نزل نعانى من تداعيات ما وصفناه وقت معركة الجمال بـ«معركة السوفت وير والسنج».. (المصرى اليوم، فبراير 2011).

(4)

فى مقالنا الأخير، تحدثنا عن المجتمعات الحية، كيف تتعامل مع كل من الماضى والمستقبل.. حيث يكون الماضى للاستفادة لا للاستعادة.. وكيف أن جل حركة هذه المجتمعات هو المستقبل، فهو قبلتها، ووجهتها، ومحور تطلعاتها وأمانيها، وهدف خططها، ومركز مشروعاتها.. لهذا تجدد أفكارها، وتطور أدواتها، وتبدع فى معالجاتها، كى تواكب العصر، وتضمن لها مكانا فى المستقبل.. وتتعاقب الأزمنة دون معاناة!.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern