المظالم الاجتماعية

(1)

لا يكاد المرء يلتقى أحدا وينطلق الحديث إلا وتجد لديه «مظلمة» ما… مظلمة تخصه مباشرة أو تخص أحد الذين يعرفهم… وتعكس أنواع المظالم ودرجتها وآثارها الفردية والاجتماعية إلى أى حد تغيب العدالة عن مجتمعنا… كما تغيب القنوات المؤسسية التى يمكن للمواطن من خلالها التعبير عن «مظلمته» والحصول على حقه… أو لمجموعة من المواطنين التعبير عن شكوتهم (مظلمتهم)

وتعويضهم عما تحملوه من ظلم على مدى زمنى معين… ويزيد من فداحة المظالم الاجتماعية أنها تكرس واقعا مجتمعيا تتقاطع فيه مشاعر كل مظلوم بين: اليأس والمرارة والإحباط، أو يمكن القول فى المجمل: الشعور «بالقهر» و«العجز» فى تجاوز المظلمة/ المظالم… ما يحتاج إلى وقفة حاسمة…

(2)

فلم يعد من المفيد «إخفاء» هذه المظالم، أو «التغطية» عليها، أو «التعمية» على ما تحدثه من أضرار أو قد تدفع هؤلاء المظلومين إلى اتخاذ أفعال تضر بالمجتمع ككل: ثأراً، وانتقاماً… كما لم يعد من المفيد تبنى لغة تلقى بمسؤولية هذه المظالم على: الزمن، أو المجهول، أو تعميم/ تعويم المسؤولية… لم يعد مقبولاً أن تبقى مجموعة من الشباب على قوة عمل معين دون عقود تنظم علاقات العمل من حقوق وواجبات، كما لم يعد مقبولاً أن يعانى المواطن «الأمرين» لتنفيذ القانون وتفعيل الحكام، ولا يمكن أن تظل الخدمات غائبة أو لا تصل كما ينبغى عن عموم المواطنين، أو لا تسلم الشقق المخصصة للكوارث والمحن لأصحابها لعقود من الزمن، ولا يتصور أن يحصل أحد على حق أحد فى التعيينات أو غيره لمجرد أنه قريب فلان أو علان أو أنه صاحب سطوة أو مكانة، أو شراء سلعة أو منتج ويتبين أن جودته أقل من سعره أو هناك غشاً ما وتم دفع أكثر من المستحق،… إلخ… هناك حاجة إلى «المكاشفة»، وأن هذه المظالم تعبر عن عوار فى بنى المجتمع المختلفة… وأن هناك أسبابا موضوعية قد أدت إلى انتشار هذه المظالم…

(3)

لابد من مواجهة المظالم الاجتماعية، لأن امتدادها «الفيروسى» فى الجسم الاجتماعى المصرى من جهة، وللمؤسسات الحكومية الخاصة من جهة أخرى، سوف يدفع المجتمع كله إلى حالة من «التحلل»… فلابد من تفسير الأسباب التى أدت إلى هذا الحضور الطاغى للمظالم، وتحديد المسؤول، وعدم ترك حل المظالم للصدفة أو لمن ينجح فى الوصول إلى أهل الحل والعقد، أو لولاد الحلال من الوسطاء الذين يساومون على الحصول على جانب من الحقوق للمتضررين و«أمرهم لله» مع طول زمن المظلمة وجعلها عصية على الحل… وغنى عن البيان كيف يزداد ألم «المظالم» كلما اتجهنا إلى أسفل فى الجسم الاجتماعى… فكلما اشتد الفقر والعوز، زاد ألم أصحاب المظالم الاجتماعية هناك…

(4)

يقينى أنه مع هذا الانتشار الواسع للمظالم الاجتماعية قد آن الأوان أن يتجمع ذوو الضمائر الحية لمواجهة هذه المظالم وضرورة تنظيم أنفسهم فى دفع أذى هذه المظالم بشكل مؤسسى يخضع الأسباب والمتسببين فى هذه المظالم للكشف والمحاسبة واتخاذ الإجراءات اللازمة المعينة لأصحاب المظالم…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern