فرعون من الناس

(1)

هناك نوع من البشر يأسرك من الوهلة الأولى.. من هؤلاء فقيد الوطن: «عزازى على عزازى».. المثقف والصحفى والسياسى والمناضل والمحافظ والناقد الأدبى.. على مدى سنوات كنت أقرأ له وأقابله فى بعض المنتديات وأستمع له دون أن أتعرف عليه.. وكان دائماً يترك فى داخلى بصمة ما.

(2)

مرت الأيام، ووجدت صالون مجلس الوزراء يجمعنى به فى انتظار لقاء الدكتور عصام شرف قبل يومين من إعلان تشكيل المحافظين فى حكومته الثانية.. كان المشهد السياسى العام غاية فى التعقيد، و«الأعقد» هو قبولنا أن نكون فى هذا الموقف.. فنحن من خلفية ليس من المعتاد أن تستحضر فى هكذا مشهد.. وكنت ألف بعينى ألتمس من يقول لى: «لقد صرفنا نظر»، حتى أعود إلى ثكنتى رغم استشارتى لكثيرين.. أثناء ذلك باغتنى العزيز عزازى بالكلمة التى ظل دائماً ينادينى بها متى التقينا «مالك يا زعيم؟»…جاءت كلمته خليطاً من نبرة الأب والأخ والسياسى المناضل بتوازن غريب.. قلت له دون مقدمات: «هو ممكن الواحد يغير رأيه؟»…ضحك ضحكته الجميلة قائلاً: «لا فضل لأحد على أحد، دى 25 يناير، لسنا من الساعين للمناصب ولا من طالبى لقب معالى الوزير ولكننا نريد أن نستكمل دورنا فى موقع آخر، وهو ما تهدينا إياه 25 يناير عشان الناس».. جاءت كلماته برداً وسلاماً ببساطة وسلاسة.. وكانت تجربة عمر بكل المقاييس.. ومن هذا اليوم توثقت العلاقة بيننا فى العمل السياسى العام، ثم فى جبهة الإنقاذ، وفى التيار الشعبى، وفى كل اللقاءات التحضيرية للإعداد لـ 30 يونيو وما بعدها.

(3)

كان يأخذنى دوماً عندما يتكلم.. لم يكن يسهب فى الكلام.. كان محدداً ويصل إلى ما يريد.. كانت خبراته المتنوعة تصنع حالة من «التكثيف» والتحديد فيما يطرحه من أفكار وآراء.. كان يراعى الكبار ومن هم فى جيله ويستوعب الشباب ببراعة كبيرة وكأن الأيام أنضجته فى كيفية استيعاب الكبار الذين ـ ربما ـ بعض ما يطرحونه قد يكون خارج السياق، وتحمل الشباب إذا ما غلبتهم الحماسة وتجاوزوا بعض الشىء.

(3)

كانت لديه «كاريزما» خاصة.. وجهه الأسمر الطويل، وطول قامته، ترى فيهما الامتداد التاريخى الطبيعى للإنسان المصرى القديم: حاملاً حضارته عبر العصور.. الإنسان المعتز بنفسه/ الإنسان الفرعون.. ولكنه فرعون قادم من قلب الناس وصاعد بهم يحمل أحلامهم ليعمل من أجلهم وينتصر لهم.. تجده راكباً «تاكسى» وينزل مترجلاً نحو مركز إعداد القادة لحضور لقاء سياسى مهم.. يتحرك فى أى وقت لحل مشكلة غاية فى التعقيد لإنسان بسيط.. حاسم ومرن، جاد وساخر، عاش يناضل ضد الظلم والتطبيع والفساد والتخلف، وكان لسان حاله بحسب الشاعر عن الأسطورة الفرعونية القديمة:

«يا ويل من يتطاول، ويا ويل من يضحك» على المصريين، لأنه سوف ينال منه، ليس لإنقاذ نفسه ولكن من أجل أن يعيش المصريون كرماء وأحراراً.

(4)

غاب الدكتور عزازى بالجسد ولكن «روحه فى النضال»ـ كما يقول الشاعرـ حتى ينتصر الشعب الذى خدمه بكل أمانة ووطنية، وكانت ذروتها تمرد 30 يونيو.. فكان وداعهم لعزازى كريماً ومقدراً لكل ما فعل.. عزاء لزوجته الأستاذة سوسن الدويك ولأسرته.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern