حلم التغيير الواعي

(1)

«أنا لدىّ حلم»، كان عنوان الكلمات الملهمة للملايين من الأمريكيين.. أطلقها «مارتن لوثر كينج»، فى أغسطس من عام 1963، فى واشنطن بجوار تمثال إبراهام لنكولن، أى منذ نصف قرن بالتمام والكمال.. كان الحلم بسيطا جدا، هو أن يتجاوز المجتمع الأمريكى العنصرية البغضاء نحو المساواة والعدل.. فى هذا الخطاب قال كينج:

« أقول لكم اليوم يا أصدقائى، بالرغم من أننا نواجه مصاعب اليوم والغد، مازال لدىّ حلم..».

«لدىّ حلم بأن يتمكن أولاد العبيد السابقين وأولاد مالكى العبيد السابقين من الجلوس معاً فى أحد الأيام حول مائدة الأخوة.. لدىّ حلم». «لدىّ حلم بأن أطفالى الأربعة الصغار سيعيشون يوما فى أمة لا تُحكم عليهم بناءً على لون بشرتهم، بل على مضمون خصائصهم الشخصية.. لدىّ حلم».

تعاطفت معه الحشود من حوله، وأظنه كان يثق فى أن هذا التعاطف قد امتد ليمس الملايين ممن يشاهدونه عبر التليفزيونات الأمريكية.. وعليه، وكأنه يحدثهم فردا فردا، قال: «إذاً اتركوا رنين جرس الحرية يُسمع».

(2)

كان أكثر المتفائلين- آنذاك- لا يظن أن شيئا سيتحقق للمظلومين من السود فى أمريكا.. فالغضبة السوداء كبيرة- كما يقول المؤرخ الأمريكى المعتبر «هوارد زن»- ذلك لأن ذاكرتهم لا تقدر أن تنسى أزمنة المهانة التى عاشها السود فى أمريكا.. ولكن مارتن لوثر كينج كان واعيا بما يحلم.. مدركا أن رؤيته سوف تتجسد على أرض الواقع.. فلقد انحاز بالكامل للنضال «اللاعنفى» من: عصيان مدنى جماعى، وتوعية المواطنين بحقوقهم، وبتقديم حلول مبدعة برامجية تتبناها الأحزاب والحكومات والمجتمع المدنى، وتفعيل الحركة المدنية المجتمعية فى الستينيات بكل أشكالها النضالية التى عرفها العالم بعد ذلك وبات يدرسها، من: بناء تحالفات، وممارسة الضغط من خلال جماعات منظمة، والتكامل بين جهود حركية وتنظيمية متنوعة، وتنظيم مسيرات ضخمة…إلخ، لتصحيح آثار الحرمان والتهميش اللذين تعرضت لهما أجيال عديدة من السكان السود فى أمريكا، وذلك فى صورة ما أطلق عليه: «التعويض العادل».. وهو ما يعنى- حسب إحدى رسائله لمجلس الشيوخ الأمريكى- المزيد من النضال من أجل «إعادة هندسة بنية المجتمع الأمريكى».

(3)

وكان مارتن لوثر كينج من الوعى المجتمعى أن أدرك أنه لن يحصل على حقوق السود وحدهم دون أن يحصل على حقوق كل المهمشين.. وإلا أصبح ما سيحظى به السود «امتيازات».. وعليه بات يتحدث عن «ضرورة توزيع أفضل للثروة فى هذه البلاد (أمريكا) على الجميع» دون تمييز.. ووضع تصوراً «لإنقاذ الأحياء الداخلية للمدن، وتخصيص حد أدنى مضمون من الدخل لجميع الأسر، وطرح احتمالية تأميم الخدمات والصناعات الأكثر حيوية،» وكان يقول: إن حل مشكلة الفقر بحلول جذرية.. ومن ثم أعلن فى 1967 انطلاق حركة وطنية سُميت حملة الناس الفقراء.. وقدر لها أن تستوعب، ليس السود فقط، وإنما توحد جبهة شعبية عريضة من المهمشين فى مواجهة الاحتكارات السلطوية والثروية.

(4)

والآن وبعد خمسين عاما على كلماته الرؤيوية (45 عاما على اغتياله).. باتت الأجيال الجديدة من الأمريكيين تضع «كينج» جنبا إلى جنب فى نفس المرتبة مع الآباء المؤسسين لأمريكا من عينة: لينكولن، وجيفرسون.. وأن أفكاره- كما تقول مجلة «تايم» فى عددها الأخير- سوف تكون ملهمة لأمريكا القرن الواحد والعشرين.

الخلاصة: تتقدم الأوطان بالاستجابة للأحلام وجعلها حقيقة.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern