رؤى وبدائل اقتصادية مختلفة

لم تزل شعارات 25 يناير: «العيش…والحرية…والكرامة الانسانية…والعدالة الاجتماعية..»، «فريضة غائبة»… بهذه العبارة أطل علينا الدكتور جودة عبد الخالق فى مستهل مؤتمر المستقبل الاقتصادى الاجتماعى لمصر الذى نظمه التيار الشعبى المصرى، تحت عنوان «إنقاذ الاقتصاد المصري: نحو برنامج بديل»، وذلك على مدى يومين(7و8 ابريل الماضيين)…فالسياسات الاقتصادية التى جاءت بها السلطة الجديدة لا تختلف كثيرا عن سياسات ما قبلها والتى أوصلت البلاد إلى مجتمع الخمس… ودائما تبرر السلطة هذه السياسات بأنها السبيل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة (لاحظ ليس للتقدم) ولا يوجد غيرها. ومع مرور الوقت نجد أن هذه السياسات فى حقيقتها لا تخدم إلا القلة الثرية على حساب غالبية المواطنين…لذا يأتى هذا المؤتمر ليعطى أملا فى أن هناك رؤية مغايرة مبدعة لعقول مصرية وطنية…لماذا وكيف؟

●●●

إعادة الاعتبار إلى المسألة الاجتماعية/الاقتصادية

من البداية نجد الذين أعدوا المؤتمر يحرصون على أن يطرحوا رؤية اقتصادية مغايرة يمكن ترجمتها فى سياسات قابلة للتنفيذ. مع الوعى بضرورة الربط بين البعدين الاقتصادى والاجتماعي. وأخير مس كل ما هو مسكوت عنه من قضايا اقتصادية حيوية مثل: النموذج التنموى المطلوب لمصر فى العالم الجديد، وكيفية تقليل معدلات الفقر، وزيادة معدلات التشغيل، اصلاح هيكل الأجور، واصلاح النظام الضرائبى، ونظام وأموال التأمينات، ومواجهة التضخم والغلاء، واقتراح استراتيجيات جديدة مبتكرة فى المجالات التصنيعية والمائية والزراعية والتنمية الريفية وتنمية محاصيل الحبوب، وتطوير السياسة النقدية والأداء المصرفى بهدف تحقيق الاستقرار النقدى والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، و تقييم قانون الصكوك، وكيفية تطوير التعليم، ودفع البحث العلمى، ودعم قضايا المرأة من أجل تحقيق العدالة، وكيف يمكن رفع الإعاقات التى تحول دون تطوير القطاع الصحى، ولم يفت المؤتمر أن يجتهد فى إيجاد بدائل للاقتراض من صندوق النقد، والاقتراب من ملفات يتم التعتيم عليها أو غير مطروقة مثل الملف الخاص بقطاع التعدين وكيفية الاستثمار الأمثل لهذا القطاع، كذلك ملف المحطات النووية وتقديم توصيات متميزة حوله، وكيفية الاستفادة المثلى من الطاقة الشمسية، والوقود الحيوى من المخلفات البيئية، ولم يفت المؤتمر أن يطرح رؤية قانونية إطارية لاقتصاد جديد فى مجتمع جديد…ومن أهم ما طرحه المؤتمر أيضا هو الوثيقة الحقوقية المصرية فى المجالين الاقتصادى والاجتماعي…

هذه هى موضوعات المؤتمر، حاولت أن أذكرها كلها للتأكيد على المعالجة الشاملة والتفصيلية للمسألة الاقتصادية / الاجتماعية، وفق رؤية عامة حاكمة منحازة لأغلبية المواطنين لا لقلة…وسياسات عملية تهدف فى النهاية لتحقيق تقدم حقيقى لا انتعاش مالى يغطى على الأحوال المتردية للبلاد والعباد…إنه جهد يعيد الاعتبار للمسألة الاجتماعية / الاقتصادية ويبطل التوجه الذى يجعل من الاقتصاد مسألة فنية تقنية محض…ونقتطف الآن بعض الأفكار التى طرحت فى هذا المؤتمر…

●●●

التنمية المستقلة والسياسات المطلوبة

بداية نشير إلى أن القارئ لبنية اللقاء سوف يلحظ أن هناك منهجية محكمة لهذه البنية، جعلت الموضوعات تأتى فى تراتب منطقى يسهل للمتلقين من غير المتخصصين فهم المسألة الاقتصادية الاجتماعية من جهة، وأن هناك رؤية مغايرة أكثر عمقا وانحيازا للناس من جهة أخرى. الأهم أنها كانت واعية بدحض الحجج النمطية التى دأب الليبراليون الجدد على طرحها على مدى عقود.

ففى ورقته المعنونة «نموذج التنمية المستقلة»، يصحح الدكتور ابراهيم العيسوى ما استقر زيفا حول معنى الاستقلال بأنه مضاد للعولمة، وأنه دعوة للانغلاق…فيقول: «إن هذه الاعتراضات يمكن ردها إلى تعريف غير دقيق لمعنى الاستقلال وإلى فهم غير واقعى لمبدأ الاعتماد على الذات، وإلى متابعة غير وافية لمضمون سياسات العولمة ولتطبيقاتها العملية، خاصة من جانب الدول المتقدمة التى تروج لظاهرة العولمة. كما أن رفض نموذج التنمية المستقلة قد يقوم على تجاهل للخبرات التاريخية القديمة والحديثة فى التنمية، أو على قراءة غير دقيقة لمكونات رئيسية فى هذه الخبرات، لا سيما الدور التنموى للدولة ودور سياسات الدعم والحماية فى إتاحة فرصة للصناعات الناشئة للوقوف على أقدام ثابتة دون خوف من المنافسة الأجنبية غير المتكافئة». وفى ضوء ما سبق يؤكد العيسوى على أهمية ما يلى:

● إن جوهر الاستقلال هو الاعتماد على الذات،

● الانتقائية فى التعامل مع العولمة،

فى هذا السياق يتم تحديد ركائز نموذج التنمية المستقلة وذلك كما يلى:

● الرفع الكبير لمعدل الادخار المحلى وتمويله للجانب الأكبر من الاستثمار،

● تأسيس الدولة التنموية والتخطيط القومى الشامل: من ضبط الاستهلاك والاستيراد، والسيطرة على الفائض الاقتصادى ومركزته، الاستثمار الانتاجى، النهوض بالقدرات العلمية والتكنولوجية،

● المشاركة الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة.

● انضباط علاقات الاقتصاد الوطنى بالخارج.

● التعاون فيما بين دول الجنوب على شتى الجبهات.

ويأخذ التصور السابق فى الاعتبار أهم ما يمكن أن يواجه النموذج التنموى المنشود من تحديات، وفق خبرات الآخرين.

●●●

ويضع الدكتور جودة عبد الخالق إطارا عاما للسياسات الاقتصادية والاجتماعية تقوم على مبدأى: الكفاءة والعدالة، لتحقيق منظومة اقتصادية ترتكن على الصناعة والزراعة/الأمن الغذائى، شريطة أن تكون السياسات العامة: الكلية والمالية بالإضافة إلى الحماية الاجتماعية «للغلابة»، فى حالة تكامل وترابط.

وتشرح الدكتورة نادية رمسيس فرح أسباب التدهور الاقتصادى فى مصر منذ مطلع التسعينيات بسبب الأخذ بسياسات الليبرالية الجديدة أو ما يعرف بسياسات التكيف الهيكلى حتى لو حققت نسبة نمو 7%.لأنه نمو خال من التشغيل ولا يصب عائده إلا لقلة. وسبب استمرار الأزمة هو الاصرار على تبنى نفس السياسات. وتطرح الدكتورة نادية نموذج الدولة القائدة الذى طبق فى البرازيل التى تبنت سياسة تصنيع قومى مع اعتماد خطة قومية للعلم والتكنولوجيا. وطرحت أيضا كيف يمكن استعادة دور الدولة فى المدى القصير. ولماذا يجب رفض الاقتراض كما طرحت بشكل عملى أهم السياسات التى تزيد من الانتاج وخاصة التصنيعى القادر على تحفيز النمو الاقتصادى وزيادة معدلات التشغيل.

وتتواصل الاجتهادات فى معالجة القضايا المتنوعة التى ذكرنا عناوينها فى المقدمة، من عقول مصر الكبيرة (مع حفظ الألقاب):أحمد البرعى (عافاه الله من الوعكة التى ألمت به) وميرفت التلاوى و سلوى العنترى و عبد السلام جمعة وزكريا الحداد و طه عبد العليم وعبد العال حسن عطية وابراهيم العسيرى و حسام الزيات وكمال نجيب وأشرف البارودى ومحمد حسن خليل وابراهيم عبد العظيم وفريد الجبالي. ولا ننسى أحمد السيد النجار دينامو اللقاء…

إنه جهد يذكرنا بجهد جماعة النهضة القومية التى حاولت أن تجتهد فى وضع رؤية لحل مشاكل مصر قبل ثورة يوليو وكان من رموزها ابراهيم مدكور وميريت غالى وابراهيم شكري…الخ.

تحية للتيار الشعبى المصرى على مبادرته التى نتمنى أن تسوق إعلاميا بشتى الوسائل وأن تكون هناك آليات لمناقشة القضايا النوعية قاعديا…


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern