الانتخابات .. (فرصة لتجديد ــ بداية لتهديد) دولة المواطنة

جرت الأسبوع الماضى المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية فى تسع محافظات. وتجرى اليوم جولة الإعادة فى العديد من الدوائر. وربما يكون مبكرا الحديث عن نتائج الانتخابات وأهم ما أتت به من جديد. ولكن القراءة الأولية للعملية الانتخابية بمكوناتها المتعددة من حملات انتخابية وتصريحات لأهم المرشحين ونقاشات إعلامية وأخيرا النتائج المعلنة تشير إلى أن هناك عددا من الملاحظات الأولية التى يمكن رصدها وتصب فى المجمل حول دولة المواطنة التى يمكن أن نوجزها فى السؤال التالى: هل النتائج المتدفقة للعملية الانتخابية تمثل تهديدا لدولة المواطنة أم تجديدا لها؟

دولة المواطنة.. حركة دائمة وستة مقومات

بداية تبنى دولة المواطنة لدينا على حركة المواطنين ونضالهم من أجل إقامة هذه الدولة. وتقوم هذه الدولة على ستة مقومات وذلك كما يلى: أولا: المشاركة. ثانيا: توافر منظومة متكاملة ومتعددة للحقوق. ثالثا: تأمين المساواة الكاملة وتكافؤ الفرص. رابعا: العدالة الشاملة. خامسا اقتسام الثروة العامة للبلاد. سادسا توفير المواطنة الثقافية للجميع على اختلافهم.

فى هذا السياق يمكن القول إن المتابع لحركة المواطنين عبر التاريخ سوف يلحظ أن ثورات المصريين كانت دائمة ولم تنقطع (على عكس السائد من أن المصريين خانعين لا يثورون). فلقد حفظ لنا التاريخ أنه منذ مصر الفرعونية وفى أعقاب الأسرة السادسة قامت أول ثورة شعبية فى التاريخ ضد اليأس والظلم والطبقية والإقطاع. ومنذ هذا التاريخ استمرت الثورات والانتفاضات. وعليه رأينا «التمرد الجماهيرى المزمن» على مدى العصر القبطى. وثورة البشامرة التى يمكن وصفها بالثورة «العارمة» الجامعة للمصريين: مسيحيين ومسلمين. وهبات الفلاحين المتكررة فى زمن المماليك. وانطلاق الوعى بالاستقلال فى مصر العثمانية والتحرك الجماهيرى نحو «المصرنة» إن جاز التعبير. المصرنة أو تأسيس الدولة الحديثة الوطنية مع محمد على التى شهدت ثورات ــ انتفاضات متتالية ومتعاقبة (رصدها بدقة شديدة الدكتور محمد حافظ دياب فى كتابه الذى يحمل نفس العنوان).

لقد نتج عن هذه الحركة مكتسبات ومنجزات على كل الأصعدة، وكانت فى كل جولة من هذه الجولات تقترب مصر بدرجة أو أخرى من دولة المواطنة. نعم كانت تواجه إعاقات تحول دون اكتمال دولة المواطنة بمقوماتها إلا أنها كانت دائمة المقاومة. كذلك ربما كان من سوء الحظ أن الفترة النهضوية الوطنية التى شهدتها مصر منذ 1919 إلى 1969، لم يتمكن المصريون من الدمج بين المواطنة السياسية والمدنية فى الفترة من 1919 إلى 1952 والمواطنة الاجتماعية والاقتصادية كما رأيناها فى الفترة الناصرية.

إلا أنه فى المجمل يمكن القول إن كل مكتسبات اكتسبها المواطن المصرى باتت جزءا لا يتجزأ من حركة المواطنين المصريين مهما طمستها المصالح أو بعض الدعاوى الايديولوجية.

ولعل ما رفعه المصريون فى موجتهم الأولى من حراكهم الثورى فى 25 يناير يعكس ما نقول حيث قدموا تضحياتهم تحت شعار «الكرامة الإنسانية: حرية وعدالة اجتماعية». وكأن لسان حالهم يقول: إنه آن الأوان للمصريين أن يستكملوا دولة المواطنة بأبعادها: السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وهنا مربط الفرس فى ما يتعلق بالعملية الانتخابية الجارية…

الانتخابات مرحلة من مراحل بناء دولة المواطنة أم لا؟

بشكل واضح وصريح إذا اعتبرنا العملية الانتخابية مرحلة من ضمن مراحل النضال الوطنى للمصريين دون تمييز من أجل بناء دولة المواطنة فإن هذا سوف يكون وبالقطع تجديدا لدولة المواطنة.

أما إذا اعتبرها البعض بداية نحو تأسيس جديد لهم دون غيرهم نبت الصلة:

● بالتاريخ،

● وبالنضال الثورى المشترك،

● وبما أنجزه شباب 25 يناير سواء بطليعته الرقمية أو بشرائحه الخطرة الهامشية، فإن هذا سوف يعنى «تهديدا» مباشرا لدولة المواطنة.

ينبغى أن نستثمر هذه المشاركة غير المسبوقة من المصريين ــ التى تجاوزت الـ60% من إجمالى من لهم حق التصويت، أغلبيتهم من الشباب، يمارسون العملية الانتخابية فى غيبة حزب السلطة وفى غيبة البيروقراطية الأمنية وحيادية المحليات للمرة الأولى فى تاريخ مصر المعاصر وبحضور واضح للإسلام السياسى ــ استثمارا يصب فى التواصل مع أمرين هما:

– الاستمرارية الحضارية المصرية.

– التواصل الثورى التاريخى.

فمن غير المعقول أن تتحدث تيارات ونحن بعد لم نزل قبل انتهاء ثلث العملية الانتخابية قبلت بالمشاركة فى العملية الانتخابية، عن عدم إيمانها بالديمقراطية وأنها كفر بين، وأنه لا ولاية لغير المسلم أو المرأة، أو التشكيك فى هوية مصر المركبة واختزالها إلى عنصر واحد. كذلك اختصار الشأن العام فيما هو أخلاقى على حساب السياسى والمدنى والاقتصادى. وهنا فيما أظن يكمن التهديد لدولة المواطنة.

وبات حديث المستقبل ينصب موضوعيا من قبل التيارات المحافظة على ما هو أخلاقى وما يتبعه من إعادة النظر فى الموقف من المرأة وغير المسلمين بالمعنى الدينى والسياسى. والإشكالية الكبرى هنا أن هذا يتم بمعزل عن ما أنجزته الخبرة المصرية من فقه متقدم وسقف اجتهادى عالى أنتجه المصريون. وفى نفس الوقت نجد الليبراليون ولأسباب كثيرة لا يقتربون من الملف الاقتصادى وبنية مصر الاقتصادية. وهو ما جعل المعركة الانتخابية فى المجمل تصبح معركة ثقافية على الرغم من أن الواقع المجتمعى أكثر تعقيدا من هذه الثنائية الاستقطابية البسيطة.

واشترك الجميع فى عدم الحديث عن النموذج التنموى لمصر، ومستقبل المجتمع المدنى وحرية حركته التى يجب أن تكون مكفولة بأشكالها التنظيمية المتنوعة، والتجديد الذى يجب أن يلحق بشتى المؤسسات لتكون حداثية قولا وفعلا لتلحق بالعصر خصوصا مع الانهيار التام الذى تشهده مصر فى كثير من القطاعات.

● الخلاصة، «الأغلبية» لا تعنى «الغلبة»،

والوطن يبنى بالشراكة بين الأغلبية والأقلية السياسية لا بالغلبة،

● كما أن التواصل مع ثورات المصريين وهو ضمان استكمال المهمة الممتدة لتجديد دولة المواطنة بمقوماتها الست.

 
 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern