الدين للديان والوطن للإنسان

(1)

كتب البابا تواضروس الثانى البابا الـ118 فى سلسلة باباوات الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، نصا تاريخيا فى افتتاحية المجلة الرسمية للكنيسة.. نصا تأسيسيا مكثفا يجدد به تقديم الكنيسة المصرية الأرثوذكسية فى لحظة تحول تاريخية.. يستعيد فيه ثوابت تم اختبارها تاريخيا من جهة، ويحدد دور الكنيسة الراهن والمستقبلى من جهة ثانية، وثالثا يميز النص بين المعادلتين الوطنية والسياسية.. فالكنيسة حاضرة فى الأولى، وترفض أن تكون طرفا فى الثانية..

(2)

يبدأ قداسة البابا النص بالتأكيد على أن «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة وطنية حتى النخاع».. و«تاريخها المجيد على مدار عشرين قرنا يشهد بذلك».. ويدلل قداسة البابا فورا على ذلك بقوله: «وهى المؤسسة المصرية الوحيدة التى لم تحتل على مدار القرون بل بقيت وطنية خالصة».. «مهما تغيرت الأجواء ومهما تغير الحكام وتعاقبت الأجيال».. ونشير هنا إلى أن الكنيسة الوطنية تعنى أنها تأسست هنا وأن أعضاءها هم أبناء الوطن المصرى الذين قبلوا المسيحية فى القرن الأول الميلادى وأسسوا كنيستهم الوطنية.. بهذا المعنى أصبحت الكنيسة القبطية كما أحب أن أقول دائما كنيسة مركز لا تتبع أحدا خارجها كذلك أعضاؤها ليسوا وافدين…

(3)

ويؤكد قداسة البابا انطلاقا مما سبق على أن الكنيسة «ليست حزبا ولا جبهة ولا ائتلافا بل كيانا روحيا فى عملها وأهدافها ودورها، كما أنها ليست فى خصومة أو عداوة أو صراع مع أحد على الإطلاق بل تحب الكل وتخدم الكل بدون استثناء أو استبعاد بدون أى شروط».. وعليه يأبى قداسة البابا أن تكون الكنيسة: «ورقة فى ملعب السياسة أو ديكورا فى ملعب الإعلام لتحقيق مآرب سياسية أو إعلامية لأى أحد بل بعيدة كل البعد عن هذه الأغراض».. دلالة ما سبق أن الكنيسة ليست طرفا فى اللعبة السياسية خاصة مع تحرك الأقباط فى المجالين السياسى والمدنى وفى الحراك الشعبى بموجتيه الأولى والثانية، كل حسب توجهاته السياسية والفكرية كمواطنين، حيث تجاوزوا حالة «الملة»/الطائفة، التى حاولت بعض الأطراف أن تحبس فيها الأقباط ولا تراهم إلا عبرها..

(3)

وهنا يحدد قداسة البابا دور الكنيسة بقوله: «الكنيسة معنية بالشأن الروحى أولا وأخيرا للإنسان المسيحى، وخادمة لكل إنسان فى المجتمع كما أنها معنية بهموم الوطن بأفراحه وأحزانه ولا تتأخر عن مشاركة كل المجتمع بالصلاة والعمل والخدمة والمساعدة من أجل تحقيق السلام الداخلى والسلام الاجتماعى والانسجام الشعبى بالفكر والقول والفعل فى مجتمع بلادنا العزيزة».. بهذا المعنى أذكر أن الكنيسة عاشت عبر العصور تنحاز للوطن فى أحلامه وهمومه.. وتنتصر للمبادئ الوطنية مثل: الاستقلال، ومواجهة المستعمر حتى لو كان متماثلا فى الدين (يمكن مراجعة الموقف من حملات الفرنجة والتى غيرت موقف صلاح الدين من الأقباط فكافأهم بدير السلطان)، ولكل جهد وطنى من أجل دعم تقدم هذا الوطن…

(4)

ويختم البابا تواضروس الثانى رسالته بالآتى: «إننا نصلى كل يوم من أجل العباد والبلاد واثقين أن الله يحفظ مصرنا وشعبها بكل خير وفرح وسلام لأن الدين للديان والوطن للإنسان أينما كان وكيفما يكون».. إنها خلاصة الخبرة المصرية ومضمون شخصيتها الوطنية… التى تحدث عنها جمال حمدان وطاهر عبدالحكيم وأحمد صادق سعد وصبحى وحيدة ووليم سليمان قلادة ومحمد العزب موسى وحسين فوزى ولويس عوض وخالد محمد خالد وطه حسين وأنور عبدالملك… إلخ،… إنه تيار الوطنية المصرية ـ ليس الشوفينى القومى الضيق ـ بل المركب الرحب..

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern