«تجديد الاندماج الوطنى وإدارة التعددية الدينية: استجابات مبدعة لتحديات ما بعد 25 يناير».. عنوان المؤتمر الذى بدأت أعماله بالأمس بدعوة من التيار الشعبى لمدة يومين (ينتهى اليوم الأربعاء).. المؤتمر يعد الثانى فى سلسلة المؤتمرات العلمية التى ينظمها التيار فى محاولة منه لتقديم حلول وطنية بديلة لمشاكل مزمنة.. المؤتمر الأول دار حول الاقتصاد المصرى ومشاكله..
ويأتى المؤتمر الثانى ليتعامل مع قضية «ملتهبة» منذ أربعة عقود.. قضية اتفق الجميع على أنها قضية أمن قومى.. إنها قضية مصر التعددية.. مصر المركب الحضارى المتعدد العناصر.. وليس مصر الأحادية التى تُقصى عناصرها.. كما تشير الورقة التحضيرية للمؤتمر إلى أنه ينطلق فى معالجته لهذا الملف من على قاعدة المواطنة.. قاعدة مفادها أن كل المصريين ـ على اختلافهم ـ هم شركاء فى هذا الوطن دون تمييز.. ومن ثم لابد من التعاطى مع كل ما قد ساهم فى إعاقة مبدأ المواطنة.. وعليه كان العنوان هو تجديد الاندماج الوطنى.
ويعنى الاندماج الحضور الفاعل للجميع فى البنى المجتمعية المختلفة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية والثقافية.. فمن حق كل مواطن على أرض مصر أن يكون حاضراً فى مناحى الحياة فى إطار فرص متساوية بين الجميع.. فلا يتم تصنيف المواطنين على أساس دينى، أو على أى تصنيف آخر أو تصنيف مركب، وإنما على أساس الكفاءة والحق الوطنى فى إطار تقاليد تعاقدية تكفل المساواة بين المواطنين.
انطلاقاً مما سبق فإن المؤتمر يتجاوز الرؤيتين الطائفية/ الملية من جانب والأقلية من جانب آخر.. فالمطلوب ليس منحاً تعطى لجماعة من البشر فتعيش منعزلة عن باقى المجتمع.. ولا إعطاء مزايا لأقلية إثنية وكأنها سوف تتحرك فى إطار جماعتها الأولية.. إنه الاندماج الوطنى الذى تمارس فيه الحقوق ـ التى هى فى الاصل تكتسب ولا تمنح من أحد ـ فى إطار الجماعة الوطنية المصرية.
واللافت فى هيكلية المؤتمر هو محاولة تقديم رؤية متعددة المستويات: تاريخية، ومفهومية من جهة والانتقال بالحصيلة المعرفية التاريخية والمفهومية إلى مساحات عملية قابلة للتنفيذ.. وذلك من خلال ما يعرف «بإدارة التنوع الدينى فى سياق السياسات العامة Public Policies»؛ حيث يتم اقتفاء مسيرة المشكلات، والعوامل المختلفة التى أسهمت فى تفاقمها، والحلول التى اتبعت فى فترات سابقة للتعامل معها، وبيان أوجه الفاعلية والقصور فيها، وأخيراً طرح حلول ذات طبيعة برنامجية وإجرائية للتعامل مع المشكلات القائمة فى ضوء المستجدات التى طرأت على الملف الدينى، ومواقف الأطراف المتباينة على الساحة السياسية بعد رصد هذه الأطراف قديمها وجديدها.. سياسات فى مجالات:
■ التشريع، ومكافحة التمييز، والإعلام، والتعليم، والثقافة، وفى كيفية بناء التوافقات المجتمعية، ودعم المشاركة السياسية والمدنية والمجتمعية، وابتكار تدخلات تنموية وحقوقية داعمة للاندماج، كذلك اقتراح آليات مؤسسية ذات طابع مدنى/ شعبى، إلى جانب الحكومى، داعمة للمواطنة ومنبهة لما قد يحدث من توترات وقادرة على احتواء ما ينتج من نزاعات.. إلخ.
■ والضغط من أجل إتاحة الفرصة أمام كل الفعاليات والآليات وتعظيم أدوارهم كشركاء وحلفاء (الجمعيات الأهلية، المراكز القومية المتخصصة، المنظمات الحقوقية، المراكز البحثية، القوى السياسية، الحركات الشبابية، المبدعين، الجهة التنفيذية،.. إلخ) بحيث يسهمون فى دعم الاندماج وترشيد وتجويد إدارة التعددية.
المؤتمر محاولة وطنية شعبية لمقاربة قضية الاندماج الوطنى مقاربة علمية.. تراعى تاريخية وجغرافية القضية، وأهم القضايا المتعلقة بها.. وتصور حلولاً برامجية عملية.. ويقدم هذه المقاربة أجيال متعاقبة.