المواطنة المتمردة

 (1) بدأت / بزغت مسيرة المواطنة المصرية مع تأسيس الدولة الحديثة فى مصر. وهى مسيرة غنية وعميقة، وجدير بكل مصرى مؤمن بالدولة الوطنية الحديثة أن يفخر بها على المستويين النظرى والحركى. فى هذا السياق نطالع خطابات الطهطاوى والأفغانى وكامل عبد السيد وعبد الله النديم… حيث الحديث عن حب الوطن، والنخوة الوطنية وعن الانتماء… وعن عصبية الفقراء أى الحركة السياسية على أساس المصالح الاجتماعية. ثم نرصد حركة المصريين مع عرابى وثورة 1919 تنقل تناول المواطنة من الفكر إلى الحركة.

ووجدنا 1919 تبلور أول صيغة لكيفية نجاح حركة المواطنين فى تحقيق بعد من أبعاد المواطنة هو البعد السياسي/ المدنى. ووجدنا دستور 1923يتحدث ـ بالأساس ـ عن الحقوق والحريات السياسية والمدنية للمواطنين. واختلف الحديث… لم يعد نظريا أو أخلاقيا أو معنويا، أى تجاوز الدعوة إلى المواطنة والتبشير بها إلى ممارستها. واختبر المصريون أنه متى تحرك الناس/المواطنون من أجل حقوقهم استطاعوا أن يحققوا ما يريدون. وعليه المواطنة ممارسة وفعل على أرض واقع…

(2) ولأن نخبة 19 لم تستطع أن تعالج المسألة الاجتماعية والاقتصادية بشكل جذرى استفحلت هذه المسألة مع التطور الاقتصادى للبلاد… لذا نرصد خطابا جديدا يبزغ فى اتجاه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهنا يمكن أن نستعيد كتابات طه حسين فى هذا الاتجاه… ولكن لم يتحقق أى شىء إلا عندما حدث حراك راديكالى جعل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية واقعا عمليا عندما أنجزت ثورة يوليو الكثير فى المجالين الاقتصادى والاجتماعية.. فكانت المواطنة فى بعديها الاجتماعى والاقتصادى.. ولكنها جاءت على حساب المدنى والسياسى…

(3) ولأسباب كثيرة وجدنا فى مطلع السبعينيات وقد تم تغييب المواطنة بأبعادها التى تحققت متفرقة ولم تكتمل معا.. ولأن هذه المرحلة شهدت انقساما مصريا داخليا بين مكونى الجماعة الوطنية بشكل مباشر.. أخذا فى الاعتبار أن الانقسام قبل ذلك أو الصراع كان بين المصريين والحاكم الوافد والمستعمر أو بين المصريين والتخلف… ومن ثم وجدت النخبة نفسها تركز على المواطنة من زاوية حقوق الأغلبية الدينية والأقلية الدينية.. وفى هذا السياق كان يتم التذكير بمسيرة المواطنة فى مصر فى الدولة الحديثة وأن المواطنة مبدأ اختبره المصريون تاريخيا ولا يتناقض مع الشرع أو الدساتير المصرية.. فكانت كتابات وليم سليمان قلادة، راجع فصل مبدأ المواطنة فى كتاب الحوار بين الأديان 1979، وطارق البشرى، راجع فصل مبدأ المواطنة (أيضا) فى كتاب «مسلمون وأقباط فى إطار الجماعة الوطنية» 1980.. وكانت كتابات هذه المرحلة ذات طبيعة تاريخية وقانونية وشرعية.. ولم تكن هناك حركة قادرة أن تجعل من هذا الحديث موضع التنفيذ…

(4) وجاءت الحركة الحقوقية من جانب، والخطاب اليسارى المعنى بالمسألة الاجتماعية والاقتصادية لينقلا الحديث عن المواطنة إلى آفاق أعمق ذات مستويات متعددة.. وهو الخطاب الذى انطلق مع مطلع التسعينيات متجاوزا خطابات المواطنة ذات الملمح اللغوى، أو القانونى، أو المشاعرى، أو الدينى، أو الأحادية البعد: اجتماعى فقط أو سياسى فقط أو اقتصادى… إلخ، وإنما إلى المواطنة المركبة متعددة الأبعاد والتى لا يمكن وفق الكثير من الأسباب أن يرضى المصريون إلا أن تتحقق كاملة بكل أبعادها: الاقتصادية/ السياسية/ الاجتماعية / المدنية.. على قاعدة المساواة التامة…

(5) انطلقت 25 يناير لتنقل المواطنة من الفكر إلى الفعل الممارسة/ الحركة.. وتحرك المواطنون فى أشكال عدة يمارسون المواطنة «الثائرة»، و«المحتجة»، و«المتمردة».. ويمكن القول إن المصريين كلما تحركوا سيبدعون فى أشكال الحركة ويعمقون «مواطنتهم» أكثر وأكثر…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern