كلمات بعيدة عن السياسة

1- كتبت كثيراً عن الشأن العام. وأستأذن القارئ الكريم أن أكتب اليوم بعض الكلمات البعيدة عن السياسة. كلمات تعبر عن غبطة داخلية وفرح بأنى مصرى. وأن جهدى العلمى والسياسى والوظيفى الذى قمت به لم يضع هباءً.هذا الجهد الذى انطلق من قاعدة المواطنة التى آمنت بها ومارستها، متجاوزاً كل الانسدادات السياسية والمدنية. فرح مصدره التقدير الذى يحصل عليه المرء ويعكس سلامة المسيرة ـ بدرجة أو أخرى ـ بما تحمل من توجهات واختيارات، وانحيازات، وإنجازات.

2- غبطة تمتزج بالامتنان بالتقدير، كنت أحملها وأنا فى طريقى إلى تونس ( 27 ـ 30 مارس) لأمرين: أولهما أننى فوجئت باختيارى «رجل العام فى التسامح»، فى الوطن العربى. ذلك من خلال برقية من الحقوقى العربى الأستاذ إياد البرغوثى بأن الشبكة العربية للتسامح التى تضم العديد من منظمات العمل المدنى/ الحقوقى فى الوطن العربى، تعمل تحت مظلة وثيقة اليونسكو حول التسامح، قد اختارتني «بالإجماع» للحصول على جائزتها السنوية. وهى جائزة حصل عليها رئيس الوزراء سليم الحص، وشباب الثورة فى مصر وتونس ـ المجد لهم ـ من قبل، وأننى سأتسلمها فى 26 إبريل الجارى وأتشرف بإلقاء كلمة العام فى الجامعة الأمريكية ببيروت.

3- الأمر الثانى هو دعوتى لأكون «ضيف شرف»، الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العلمى الموسع الذى نظمته المنار/ الجامعة التونسية بالاشتراك مع جامعة ستانفورد الأمريكية، حول الثورات العربية فى مصر وتونس وليبيا مع كل من: الشيخ راشد الغنوشى، والسيد باجة السبسى، أحد رواد حركة الاستقلال التونسية ورئيس الوزراء السابق. لقد كان الاحتفاء والتقدير مؤثراً، نفس التأثر الذى ملأنى وأنا ألقى الكلمة الافتتاحية «كضيف شرف» المؤتمر الدولى الذى نظمته مؤسسة أديان، حول الدين والديمقراطية قبل ثلاثة شهور فى الجامعة اللبنانية الأمريكية.

4- هو هو نفسه الشعور بالامتنان الذى ملأنى فى 2004 عندما حصلت على جائزة الأكاديمية النرويجية للآداب وحرية التعبير التى تحمل اسم أول أديب نرويجى حصل على نوبل (1903)، ومنحى دبلومة علمية وعضوية الأكاديمية مدى الحياة، وذلك عن مجموع كتاباتى وجهودى فى مجال الحوار وبناء الجسور. وهى أكاديمية لا تقل فى مستواها العلمى عن الأكاديمية السويدية المانحة لنوبل، وقد حصل على هذه الجائزة لاحقا الشاعر العربى أدونيس.

5- إنه شعور بالغبطة يمنح الإنسان اطمئناناً على سلامة المسيرة يدفعه لبذل المزيد من الجهد والاجتهاد لتحقيق المزيد من التقدم.. ولا يجعل المرء «يعود ينظر إلى الوراء» (إنجيل لوقا).. وأذكر عبارة تذكرتها عندما مُنحت الجائزة النرويجية، عن ضرورة تجاوز «ما يعطل وبخاصة » سخافات الأقزام، بحسب تعبير لويس عوض (فى وصفه للعناصر الهامشية فى الثورة الفرنسية، والتى أودت بحياة العناصر الفاعلة فيها- راجع عرضه لمسرحية «دانتونوروبسبير»، لديكو).

6- إن التقدير يهب المرء طاقات جديدة للمستقبل.. تجعله يقول مع ناظم حكمت:

«أصبح فى إمكانى أن أتأمل عالمنا.. بطمأنينة نفس،

لم يعد يفاجئنى جبن صديق.. يغرس خنجره فى ظهرى وهو يصافحنى..

لم يعد استفزاز العداء يضايقنى».

7- وبعد.. هل نجحت عزيزى القارئ فى أن أقنعك بأن كلماتى بعيدة عن السياسة؟!!

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern